برزت تجربة ''النادي الثقافي'' في مقر جمعية ''الجاحظية''، رعاه الكاتب الرّاحل أخيرا الروائي ''الطاهر وطار''· ومن خلال هذا النادي نما لدى جيل من الكتّاب والمثقفين الشباب حسّ الاحْتكاك بالجمهور· وقد تلاشى بريقُ هذا النادي وهجره روّاده فيما بعد لأسباب لا أهمية لذكرها الآن. وكانت بعد ذلك محاولات لفتح نوادي مشابهة في جمعيات ومراكز ثقافية عديدة، إلا أنّ جميعها باء بالفشل بسبب روح الارْتجال والنّظرة القاصرة؛ إلى أن افتتحت ''المكتبة الوطنية الجزائرية'' مقهى أدبيا ضمن فضاء ملحق بالطابق الأرضي من بنايتها؛ مفتوحة إحدى جهاته على منظر حديقة عامة مشجّرة ذات جمال خلاّب. واحْتلّ هذا ''المقهى الأدبي'' واجهة المشهد الثّقافي العام في الجزائر خلال سنوات 2004 ,2003 و.2005 وأحدث حركيّة غير معتادة أثارت جدالات ونقاشات ثريّة، إلا أن هذا الفضاء الجميل أغلق أبوابه فجأة· هكذا هي المؤسسة الرسمية عادة؛ تريد راحة البال ولو على حساب حقّ المواطنين في إحياء المناقشات البناءة فيما بينهم. قبل أشهر قليلة أحييتُ أمسية في مقهى بالعاصمة، يقوم أصحابه باستضافة شخصيات أدبية وثقافية لإحياء أمسيات شعرية وقصصية، تتخلّلها نقاشات شيقة وثرية بمشاركة رواد المقهى، مع موسيقى هادئة في الخلفية، وإضاءة ذات ذوق عال تُضفي رونقا ودفئا على الجو العام· ورغم غياب التغطية الإعلامية لنشاطات هذا المقهى، إلا أن أكثر الأدباء الجزائريين من جيل الشباب باللغة الفرنسية يفضلون الاحتكاك بروّاده ويجدون فيه فضاء خصبا للتواصل الشفوي المباشر. وجاءت تجربة صالون ''ألف نيوز ونيوز'' لتؤسس لفعل ثقافي حي، يقف وراءه الأستاذ ''أحميدة عياشي'' الأديب والإعلامي المتميز الذي حرص دائما أن ينتصر للإبداع والحرية والجمال، ويسخّر فكره وماله والمنبر الإعلامي الذي يديره؛ ''الجزائر نيوز'' (باللغتين العربية والفرنسية)·· الجزائر الثريةُ ثقافتها المتعددة امتداداتها الإفريقية والأرومتوسطية والعربية، المتلاقحة مخزوناته التاريخية مع حضارات وثقافات مختلفة أخرى. ولأن المؤسسات الثقافية الرسمية قد انسلخت عن دور الرعاية والاحتضان واكتفت بالمراقبة والرصد، فإنه كان لابد من تشجيع ودعم هذه المبادرات في أوساط النخب بتأسيس صالونات ثقافية في كل مدينة جزائرية كي تكون بمثابة بدائل حقيقية تكرّس الفعل الثقافي اجتماعيا كأسلوب حياة قابل للممارسة اليومية، بعيدا عن النمطية والفوقية والأيقونية.