وري جثمان الراحل الطاهر وطار أمس الثرى بمقبرة العاليةبالجزائر العاصمة وسط حضور لافت لمسؤولين سامين في الدولة وسياسيين ونخبة من الأدباء والفنانين وأصدقاء الفقيد وأفراد من عائلته وحشود من المواطنين. وشيع ''عمي الطاهر'' أمس عقب صلاة الجمعة الى مثواه الأخير مودعا بذلك عالما ملأه بأدبه ورواياته التي تبقى خالدة ليس فقط في الساحة الأدبية الجزائرية ولكن في عواصم عدة في العالم العربي والغربي. وتنقل الى مقبرة العاليا لتوديع الفقيد الطاهر وطار وزراء في الحكومة من بينهم وزير الدولة الممثل الشخصي لرئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بلخادم، ووزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي الطيب لوح ووزير البريد وتكنولوجيات الاعلام والاتصال السيد موسى بن حمادي ووزير الاتصال السيد ناصر مهل ووزير الشؤون الدينية السيد بو عبد الله غلام الله، ووزراء سابقين وأعضاء في البرلمان بغرفتيه وسياسيين من بينهم رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية السيد موسى تواتي والسيد عبد القادر مالكي عضو المكتب الوطني للتجمع الوطني الديمقراطي وعضو الأمانة الوطنية للاتحاد العام للعمال الجزائريين وكذا نخبة من المثقفين والأدباء والفنانين، من بينهم الروائي جيلالي خلاص وواسيني الأعرج والممثلين سعيد وأحمد حلمي والمسرحية دليلة حليلو. ومباشرة بعد الصلاة عليه ألقى وزير الشؤون الدينية والأوقاف السيد بو عبد الله غلام الله كلمة تأبينية ذكر فيها بمناقب وخصال الراحل طيلة فترة حياته منذ ان كان في صفوف جيش التحرير الوطني وخلال مسيرته كروائي. وقال السيد غلام الله بأنه بتشييع جثمان الراحل وطار ''نودع أخا عزيزا علينا وأحد أعلام الجزائر ومجاهديها''. وأشار الى ان الراحل كان ''صادقا في مواقفه وفكره ومعتزا برأيه ومؤمنا بالله وبحقوق الإنسان، وظل يدافع عنها عن طريق أفكاره ورواياته''. وفي خطاب فيه الكثير من الحسرة أكد انه برحيل الطاهر وطار ''نودع عبقريته في الأدب والتفكير وفي فن الرواية''. وعرج من جهة أخرى على مسيرة الراحل في صفوف الثورة التحريرية وقال ''لقد عرفته شابا متحمسا بدأ يكتب في جريدة ''المنار'' التونسية سنة 1956 قبل ان يلتحق بصفوف جيش التحرير الوطني''. ودعا وزير الشؤون الدينية في كلمته الشباب المثقف لاتباع خطاه في العمل الوطني وفي ترسيخ ثقافة الأمة والوطن''. واجمع الذين عرفوا الطاهر وطار ممن حضر الجنازة أمس على خصاله الحميدة وقوة شخصيته وحماسته للوطن وللأدب وهو ما دفعه الى المساهمة طيلة حياته في ترقية الأدب الجزائري. وقبل ان يتم نقل جثمان الراحل الى مقبرة العالية تم إلقاء النظرة الأخيرة عليه بقصر الثقافة مفدي زكرياء. وقد حضر حفل الترحم السيدان عبد القادر بن صالح رئيس مجلس الأمة وعبد العزيز بلخادم وزير الدولة ممثلا شخصيا لرئيس الجمهورية والسيدة خليدة تومي وزيرة الثقافة. كما حضره عدد من الشخصيات الثقافية وأصدقاء وأقارب المرحوم. وبهذه المناسبة صرح السيد بلخادم ان ''وفاة الطاهر وطار خسارة ليس فقط لعائلته لكن للأمة كلها. عندما ننحني أمام جثمانه ندرك الفراغ الكبير الذي تركه رحيله''. ومن جهتها أبرزت وزيرة الثقافة بأن الفقيد كان بمثابة ''مدرسة حقيقية'' ألهمت المبدعين والطلبة والباحثين العرب والأجانب. كما ذكرت بأن مؤلفات الطاهر وطار ترجمت الى عدة لغات أجنبية مما يبين الاحترام الذي كان يحظى به والمكانة التي كان يحتلها في الأدب العالمي. وحيا رجال الأدب والثقافة أعمال الطاهر وطار الذي ترك بصمته في الساحة الثقافية الوطنية. واعتبر من ناحيته السيد العربي ولد خليفة رئيس المجلس الأعلى للغة العربية بأن الطاهر وطار كان مثقفا يصغي إلى تطلعات الشعب كما انه أعطى الكثير للغة العربية. ولدى استعراضه لبعض أعمال المرحوم قال الأديب أمين الزاوي بأن الطاهر وطار كان بمثابة سفير ثقافي لبلده وشخصا ساهم كثيرا في التعريف بالأدب الجزائري. أما وسيني لعرج فقد أشار الى ان الطاهر وطار لم يتغاض عن القضايا التي تطرح بإلحاح في بلده، معتبرا انه ''بعد لحظة الحزن، علينا ان نفكر في وسيلة تمكننا من نشر الإرث الكبير الذي تركه المفقود''. وبمناسبة رحيل وطار احد اكبر الروائيين الجزائريين بعث رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة برقية تعزية لكافة أفراد أسرة المرحوم. وجاء في برقية رئيس الجمهورية ''يرحل إلى جوار ربه تعالى الأديب الجزائري المرحوم الطاهر وطار أحد رواد الرواية في بلادنا وأبرز الأقلام التي أضاءت صفحات الأدب الجزائري''. وأضاف الرئيس بوتفليقة ''كان رحمه الله من الجيل الذي آلى على نفسه في تحصيل المعرفة بشق النفس يوم كان الطريق إليها عاصفا بالموانع الاستعمارية مكبلا بالحواجز الاجتماعية من فرط الطاقة والتخلف فآثر التحدي حتى نال حظه من المعرفة خدم الثورة المباركة بقلمه وخط لمسيرة الحرية والاستقلال أروع نصوص الأدب المناضل متفاعلا على الدوام مع قضايا شعبه حاملا همومه الاجتماعية وتطلعاته نحو التجديد والنهضة مما لفت إليه اهتمام الكتاب والقراء في أكثر من بلد وترجمت أعماله الأدبية للعديد من اللغات''. وختم رئيس الجمهورية برقيته بالقول ''نستعطف المولى رحمة أن يكرم مثواه في جنات الخلد والنعيم ويقر أعين أهله ورفاقه وكل الأسرة الأدبية والثقافية في بلادنا ويتنزل على قلوبهم صبرا جميلا''. وبدوره بعث رئيس مجلس الأمة السيد عبد القادر بن صالح ببرقية تعزية الى عائلة الكاتب الروائي الطاهر وطار، مؤكدا أن ''الساحة الثقافية في الجزائر وهي تشيع أحد رموزها الكبار لتحفظ له فضل المثقفين الرواد الأصلاء الذين لا تذكر الثقافة والأدب في الجزائر إلا بهم وبأعمالهم''. وأضاف أن الطاهر وطار يعد ''أحد كبار الساحة الثقافية والأدبية في بلادنا صقلت موهبته الفنية الفذة ثورتنا المجيدة التي اندمج فيها مجاهدا وجنديا بقلمه في مرحلة قاسية غدت فيما بعد منبعا استلهم منه نصوصا أدبية راقية، دفعت به عبر سنوات طويلة من الإبداع الى مصف أشهر الكتاب في الجزائر والوطن العربي''. وبعد أن ذكر أن الفقيد تميز في حياته ''بكل معاني الانتماء الوطني الأصيل والموقف السياسي الشجاع والتألق الثقافي والأدبي المتميز'' أوضح أن المرحوم الطاهر وطار ''لم تغره المكانة والشهرة التي أحرزها باستحقاق فظل الى آخر أيام حياته مسكونا بالتأليف والكتابة مضيفا الى رصيده الكبير في النضال السياسي والإبداع الأدبي نشاطا ثقافيا جمعويا رائدا تخطى صيته حدود الجزائر فكان لمنبر الجاحظية التأثير الواضح في الحياة الثقافية الوطنية خلال السنوات الأخيرة''. ومن جهتها أوضحت وزيرة الثقافة السيدة خليدة تومي في رسالة تعزية بعثتها الى عائلة الراحل أن ''حياته كانت عامرة بالعطاءات الأدبية والإبداعية المستوحاة من صلب هذا الشعب الذي عايشه ونقل همومه وأحلامه وآماله''. وقالت السيدة تومي في برقيتها أن المرحوم وطار ''قدم للجزائر أجمل سنوات حياته مناضلا إبان ثورة التحرير وإطارا في الدولة ومثقفا أديبا مبدعا ومؤسسا للرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية''. ''لقد كان الطاهر وطار -تضيف الوزيرة- رغم كبر سنه شعلة من النشاط والحيوية من خلال كتاباته الأدبية ونصوصه النثرية او من خلال مساهماته الفاعلة في الحراك الثقافي الوطني والعربي عبر جمعيته الثقافية والفكرية ''الجاحظية'' التي أعادت رسم لوحة المشهد الثقافي الجزائرية بحركيتها وفعاليتها الكبيرة والهادفة''. وأشارت السيدة تومي بالمناسبة الى أن الأديب الراحل كان ''يؤمن بالواقعية ويفهم الأشياء على حقيقتها'' مردفة أنه ''كان غيورا على العربية يتحرق للعابثين بها وللمسيئين لها. كان متفائلا بمستقبل الجزائر الثقافي الذي ساهم إسهاما كبيرا في وضع أسسه وبعث أصوله''. ''لقد أعطى الطاهر وطار وما استبقى شيئا في مشهدنا الثقافي لقد ألف الكثير من الروايات والمسرحيات والقصص وترجمت أعماله الى الكثير من اللغات ونال العديد من الشهادات صدره بالكثير من الجوائز والتكريمات ولكنه بقي متواضعا تواضع العظماء'' كما أضافت. وقالت الوزيرة في سياق ذكرها لمناقب صاحب رواية اللاز ''كانت حياته عامرة بالعطاءات الأدبية والإبداعية المستوحاة من صلب هذا الشعب الذي عايشه ونقل همومه وأحلامه وآماله فكان عظيما في مستوى عظمة شعبه''. وأضافت ''لقد رحل والجميع يحملون له الكثير من المحبة والتقدير والاحترام لما كان يتحلى به من الوفاء وكريم الخصال ونقاء السريرة وحب الناس والوطن. وكان الروائي الجزائري الطاهر وطار التحق اول امس الخميس بالرفيق الاعلى اثر مرض عضال عن عمر يناهز 74 سنة حسبما علم لدى أقاربه. وقد ألف الأديب الطاهر وطار عديد الروايات والقصص ترجمت من العربية إلى عدة لغات منها على وجه الخصوص ''اللاز'' و''عرس بغل'' و''الزلزال'' و''الشهداء يعودون هذا الأسبوع''. ولد الفقيد سنة 1936 بسدراته في ولاية سوق اهراس، تتلمذ بالزيتونة ثم التحق بمدرسة جمعية العلماء المسلمين التي كان من انجب تلاميذها. بدأ مشواره في الأدب سنة 1955 من خلال نشره قصصا في الصحافة التونسية. نشر أول رواية له سنة 1971 تحت عنوان ''اللاز'' التي عرفت نجاحا كبيرا. ويزخر مشوار الراحل بالعديد من الإنجازات منها تأسيس جمعية الجاحظية سنة .1989 وكان في الفترة الأخيرة يتابع نشاطها رغم حالته الصحية. وأسس عدة جوائز منها جائزة مفدي زكريا التي كانت في البداية جائزة وطنية ثم تحولت إلى جائزة مغاربية إلى جانب جائزة محمد سعيداني. وقد حول عدد من مؤلفاته الروائية والادبية إلى سيناريوهات لأفلام ومسلسلات تلفزيونية ومسرحيات. الجدير بالذكر ان الفقيد الطاهر وطار كان قد عين مديرا عاما للإذاعة الوطنية كما اشتغل صحفيا في عدة عناوين باللغة العربية. وقد فاز الأديب الراحل مناصفة سنة 2005 مع الأكاديمي الفرنسي ميشال لاغارد بجائزة الشارقة للثقافة العربية التي تمنحها منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) إلى جانب حصوله على جائزة مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية (2008-2009) بدبي. وسعى الفقيد طوال حياته الى خدمة الثقافة العربية والمساهمة في ترسيخ القيم الانسانيةوالوطنية في المجتمع العربي.