أخيرا انتهت الأيام المسرحية الأولى لمدينة تندوف بنجاح لم أكن أتوقعه رغم الزكام ولعنته·· حالة زكام شديدة ·· اللعنة على الزكام .· معه أشعر بهشاشة الكائن الذي فيّ .· لكن عليّ هزمه ·· ففي الغد سنفتتح الأيام المسرحية الأولى لمدينة تندوف ·· وعليّ أن أتعافى من هذا المرض اللعين ·· شربت العسل وزيت الزيتون وأدوية الصيدلية لكن دون فائدة·· في العشية قال لي بوفلجة، وهو ممرض عليك بحقنة وأنا أخاف الحقن الطبية ·· شجعني بوفلجة وسحبني إلى المستشفى رغما عني وعمل لي الحقنة في ذراعي ·· في الليل خفت شدة الزكام ·· في الواحدة صباحا كنت في المطار أنتظر السيدة رجاء علولة ومحمد شرشال ·· كالعادة الطائرة تأتي من العاصمة وتحط في بشار ثم تندوف ·· وعادة تصل في الثالثة صباحا ·· جاءت السيدة علولة ومحمد شرشال ·· أخذتهما رأسا إلى فندق السوغي وتركتهما ينامان ·· أما أنا فكنت بحاجة إلى أن أنام ولو ساعتين لكن مفعول حقنة الفيتامين ''س'' كان قويا وحرّمني النوم ·· بقيت متيقظا حتى حدود السادسة صباحا بعد أن قرأت كل الجرائد في النت والتقيت أصدقائي الساهرين في الفيسبوك· لم أنم بما يكفي، لكن المهم أن حدة الزكام خفّت قليلا·· ومع ذلك أخذت احتياطاتي، الرأس ملفوف في عمامة على عادة سكان تندوف مع عدم نزع المعطف مهما كانت الظروف وأي إخلال بهذه القاعدة سيزيد من حدة الزكام·· اليوم هناك عمل كثير ينتظرني ·· عليّ الاطلاع على كل الترتيبات وانتظار الفرق المشاركة من أدرار وتمنراست ومعسكر ومستغانمووهران ·· وهاتفي النقال القديم من نوع سامسونغ في يدي وكل مرة يرن ·· ودائما هناك ما ينقص ثم أتصل بآخر لإنهاء الأمر ·· وصلت فرقة ''الموجة'' من مستغانم في حافلة طويوطا كواستر خضراء ·· جاء الجيلالي بوجمعة مع جيشه من الشباب والشابات قطعوا مسافة ألف وخمسمائة كيلومتر ·· جاؤوا بديكوراتهم وحماسهم وعشقهم العجيب للمسرح ·· الجيلالي معهم مثل شاب في سنهم رغم أنهم في سن أحفاده يرقص ويغني ويتعافر معهم في الخشبة ·· ثم وصلت فرقة أدرار وبعدها معسكر، ثم تمنراست وفرقة وهران ومعهم رحاب علولة، فالأيام تحمل اسم والدها الشهيد عبدالقادر علولة·· عزالدين عبار أيضا جاء من بلعباس مع عمي عباس تقني الإضاءة ومعهم تجهيز إضاءة كامل مساهمة من المسرح الجهوي لمدينة سيدي بلعباس ·· خفت قليلا حدة الزكام مع الوقت ·· في المساء كان افتتاح الأيام المسرحية - دورة عبد القادر علولة ·· وبعد الرسميات التي لست أدري لماذا نفعلها دائما بدأ العرض الافتتاحي للأيام الذي قدمته فرقة ''الموجة''·· مسرحية ''جزيرة العبيد'' لماريفو التي كنت ترجمتها أنا في أحد الأصياف المجنونة في صلامندر العظيمة بمقر مسرح الموجة قبل أن تقضي عليه الإدارة وتحوّله إلى أطلال· في الصباح أيقظت عزالدين عبار ومحمد شرشال باكرا ·· فاليوم يبدأ عمل الورشات، استغلال الوقت جيدا ·· عزالدين يعرف أن الزمن في الصحراء بطيء ويجب التحايل عليه لاستغلاله جيدا·· وخلال خمسة أيام عليهما تركيب عرض مسرحي مع الشباب ·· الفكرة لدى عزالدين العمل على نصوص عبدالقادر علولة واستعمال الإيقاعات الموسيقية المحلية واللباس المحلي الدراعة والملحفة· في المساء شاهدنا العرض الأول ضمن المنافسة على جائزة ''الدراعة الذهبية''، العرض قدمته فرقة أدرار بعنوان ''جلالة المتخم الثاني'' لعبد الكريم ينينة، وهو مدير الثقافة بهذه الولاية ·· العرض جيد وفيه كل عناصر المسرح، نوع من الكوميديا الساخرة ·· فيها انتقاد للسلطة وللحكم الفردي ·· العرض الثاني قدمته فرقة ''النسور'' من تندوف بعنوان ''بقايا'' نوع من المسرح الذهني الذي يحتاج إلى نضج كبير في الرؤية الإخراجية وحتى على مستوى النص·· في الليل كان عليّ الهرب إلى البيت وفرض حالة حصار على زوجتي وأولادي ليعطوني نصف ساعة هدوء لأكتب مقالي اليومي في الجريدة ·· لكن خالد ابني الصغير لا يدعني يتشبث بالكرسي ويصر على نزع فارة الجهاز فلونها الأحمر يثيره ·· أستنجد بابنتي اندس لتلهيته حتى أتم المقال· أعود إلى أصدقائي في الفندق وتبدأ سهرتنا ·· عزالدين عبار ومحمد شرشال وبلة بومدين وعبد الحليم زريبيع ·· كلام كلام ·· نكت ·· ضحك أسود على خيبات البلاد· في الصباح أدخل مكتبي لإنهاء بعض المشاغل الإدارية التافهة ثم تلفون تلفون تلفون حد الصداع ·· أذهب إلى المركز الثقافي عزالدين عبار ومحمد شرشال يعملان مع الشباب ·· ثم التدخل لإنهاء مشكل ما قد يطرأ في أي لحظة ·· السيدة رجاء علولة تريد التجول في تندوف ·· وتريد اقتناء بعض الأشياء التقليدية ·· أتصل بخديجة لأنها الوحيدة التي لها الأريحية اللازمة لمثل هذه الأمور وهي العارفة بخبايا تندوف ·· أووووف خديجة في بشار ·· لكنها مع ذلك ترسل لي أختها جميلة ·· وضعتها في اتصال مع السيدة رجاء ·· جميلة قامت بالدور كاملا كثر الله خيرها ·· أخذت السيدة علولة معها إلى البيت وقامت بالواجب وزيادة·· أخيرا خفت حدة الزكام لعنة الله عليه·· ثم في المساء عرض تمنراست ·· ''زوبعة السراب'' عرض جيد وفيه اشتغال على السينوغرافيا واستغلال للتراث الطرفي من موسيقى ولباس ورقص·· مخرج العمل عزوز عبد القادر إنسان طيب جدا وصبور يتنقل بفرقته من تمنراست برا إلى مدن الشمال ·· قبل المجيء إلى تندوف بأسبوع كان قد قطع مع فرقته مسافة خمسة آلاف كيلومتر بين تمنراست وبانتة، ثم بجاية، ثم قطع المسافة نفسها برا من تمنراست إلى تندوف، بمعنى أنه سار أكثر من عشرة آلاف كيلومتر خلال أسبوعين ·· فعلا تحدي كبير وإصرار على التواجد لا نظير له ·· والأهم من ذلك هو غنى هذه البلاد بالطاقات الشبانية المبدعة خاصة في المسرح التي لا تطلب أموالا كبيرة لإنجاز مسرحياتها ·· هم فقط يطلبون فضاءات يعملون فيها فرقة ''الاستجمام'' من وهران كذلك لها هذه الإرادة، جاؤوا من وهران إلى تندوف بالحافلة بمسرحية ''التفاح العلولة'' هم أربعة جميل بن جماموش مخرج الفرقة ومصطفى لخضاري العازف على الفومبري بهيئته الراسطا ورحاب علولة المجروحة دوما بذكرى إبيها واسماعيل ثم من تندوف يتجهون إلى أدرار برا ومنها إلى بشار ثم العودة إلى وهران، ودائما برا، لأن تذكرة الطائرة في الجزائر أصبحت حلما لن يناله الفنانون الشباب· في الصباح يوقظني التلفون ·· ألتحق بمكتبي عابسا كعادتي في الصباح ·· هناك ما يجب فعله دوما ·· ثم الاتصال بعزالدين عبار ·· كيف الأمور في الورشة؟ عزالدين دائما له الحلول ·· اليوم تقدم لنا الموجة عرضها ''قف'' للأطفال ·· قاعة السينما الوحيدة في حالة مزرية ·· الجيلالي لا يعجبه الوضع رغم أن هذه القاعة الموروثة من عهد بومدين لا تحتاج إلى إمكانيات ضخمة لتحويلها إلى قاعة لعروض مسرحية حقيقية ·· الأطفال يتوافدون على القاعة ·· في نصف قاعة القاعة غزتها قبيلة من الأطفال ·· فرقة الجيلالي متمرسة وتستطيع التحكم في آلاف الأطفال.· العرض تربوي وفيه الارتجال الذي يتقنه أعضاء الموجة ·· الأطفال غنوا معهم ورقصوا ·· في المساء عرض مسرحية ''مسافر ليل'' لفرقة ''الشروق'' من معسكر ·· النص لصلاح عبد الصبور وأخرجه محمد فريمهدي، العمل جيد ومتقن ·· لولا السينوغرافيا الحديدية التي أعاقت بعض الشيء الممثلين·· ثم عرض ''التفاح'' لفرقة وهران ·· رحاب علولة في لعبها مثل والدها في ''حمق سليم'' العمل جيد ·· لولا أن شخصية الممثل الهارب من مسرحية ''يوليوس قسصر'' لم يكن في المستوى أو لعله لم يكن في يومه· ثم عرض مسرحية ''حب عن بعد'' لأمين معلوف لفرقة ''الموجة'' ·· العرض متكامل ولم يشك أحد في أنه سوف ينتزع الجائزة الكبرى··· في الليل كان عليّ أن أكتب عمودي اليومي في الجريدة · ثم النوم حديدة عند خيوط الفجر الأولى· اليوم تختتم الأيام ·· عليّ ترتيب كل شيء ·· دوما تلفون تلفون ·· عزالدين عبار يريد أن يقدم العرض الختامي في شكل الحلقة ·· وعلينا تفريش الخشبة تفريشة تقليدية تندوفية·· ما العمل؟؟ الاستنجاد بخليل هو الوحيد القادر أن يدبر فراشا يليق بالعرض·· في نصف ساعة كانت شاحنة صغيرة تقف عند باب المركز الثقافي محمّلة بكل أنواع الأفرشة وخليل واقف بها بقامته الفارعة·· في دقائق تحوّلت خشبة المسرح إلى بيت تندوفي حقيقي ·· عزالدين شكّل من الشباب المسرحي وضيوف الأيام فريق عمل ·· هناك العود والناي الطرفي والفمبري والملحفة والدراعة وحتى القرقابو ·· الكل لعب في العرض وغنى ورقص ·· حتى الجيلالي بوجمعة كان وسط المعمعة يصفق ويغني ·· جاء الاختتام كما تمنيته ·· كرّمت السيدة رجاء علولة وكرّمت كل الفرق المشاركة ونالت ''الموجة'' جائزة الدراعة الذهبية عن جدارة واستحقاق، كما يقولون، وقرأ محمد شرشال تقرير لجنة التحكيم، وقال ندعو إلى ترسيم مهرجان مسرحي بتندوف·· في السهرة نظمنا لهم حفلا فنيا لفرقة ''البدر'' المحلية التي تؤدي أغاني ورقصات محلية تقليدية ·· الحفل كان مفاجأة للجميع ·· لأول مرة يكتشفون إيقاعات ورقصات جزائرية لم يكونوا يعرفونها ·· الجميع غنى ورقص معهم ·· قبل أن يركبوا حافلاتهم وكلهم يقولون إنهم سيعودون السنة القادمة ·· الجميع انصرف ليلتها إلى مدينته ·· بقي محمد شرشال والسيدة علولة ومحمد فريمهدي غدا سيركبون طائرتهم إلى العاصمة في اليوم الأخير من هذه السنة ·· أوووووف، أخيرا انتهت الأيام المسرحية الأولى لمدينة تندوف بنجاح لم أكن أتوقعه رغم الزكام ولعنته·· كان يوم السوق الأسبوعي ·· جاءت جميلة وأخذت السيدة علولة إلى السوق ·· الفنان التشكيلي عبدالمجيد عيساوي عمل لنا غذاء بالكسكسي في بيته·· محمد شرشال أعجبه الحال ·· أما عزالدين عبار فكان قد انطلق إلى تاغيت للاحتفال برأس السنة هناك ·· في الليل وقبل إيصالهم إلى المطار فاجأنا الشباب المسرحي بطورطة ومشروبات للاحتفال بالسنة الجديدة على شرف السيدة رجاء علولة التي بدت سعيدة وجذلانة ·· ثم تبادل الجميع التهاني·· عند الساعة الأولى من السنة الجديدة كنت في المطار مع شرشال وفريمهدي والسيدة علولة ·· الطائرة لم تصل حتى الثالثة صباحا ودعتهم وأنا أهمس في أذن محمد شرشال اللعنة عليك ستذهب وتترك الضجر والقنط·· عدت إلى بيتي مع الفجر ما إن فتحت الباب حتى استفاق خالد من نومته وهو يبكي يريد الرضاعة ·· أنا سقطت على فراشي ''حديدة'' أطفأت هاتفي وغرقت في نومة طويلة بلا أحلام·