في سنوات السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين كانت مدن مثل تيميمون وتاغيت وجانت وبني عباس وتمنراست وبسكرة ووهران أيقونات سياحية عالمية·· كانت زيارة السياح الأجانب إلى واحات تاغيت وتيميمون والتمدد على كثبان رمال العرق الغربي في بني عباس أو قضاء ليلة في الاسكرام بتمنراست حلما كبيرا·· وفي تلك السنوات كان معهد الفندقة في تيزي وزو له سمعة عالمية·· وكان الأشقاء التوانسة يدرسون فيه·· دعوني أقول لكم إن دخلنا من السياحة كان يفوق دخل الأشقاء المغاربة والتوانسة معا··· لكن الذي حدث لا يبرر ما يحدث لهذا القطاع الحيوي والهام·· وقد أصبت بالدهشة حقا عندما علمت مؤخرا وبشكل متأخر جدا أن وزير هذا القطاع من حزب (حمس)·· ولم أستطع أن أذكر حتى اسم هذا الوزير· ليست هذه نوستالجيا فارغة··· ذلك أن هذه الاشياء كانت عندنا في زمن قريب·· والأمر لا يحتاج إلا أن تهتم الدولة بمواردها السياحية·· والتي لا نعيد ونكرر يا جماعة أنه عندنا بلاد لا مثيل لها في العالم بجغرافياتها ولغاتها وأجناسها وأهازيج شعبها وألوانها·· ببحرها ورملها وألوان سمائها · كنت في بني عباس قبل أيام·· في زيارة للعائلة الكبيرة·· واقفا على جزء من طفولتي هناك في الثمانينيات العظيمة·· في ذلك الزمن كانت بني عباس جوهرة حقيقية تضج بالحياة·· كانت واحتها خضراء·· وهي الواحة الكبيرة التي تجلس على ضفاف وادي الساورة بشكلها العقربي·· وكثبان رمال العرق الغربي الكبير بجبالها الرملية الصفراء والتي تطوق البلدة من الجهة العلوية·· هي عين سيدي عثمان الأسطورية بمائها العذب والتي روت الناس والزرع والضرع لسنوات طويلة قبل أن يغور ماؤها·· كان السياح في تلك السنوات يأتون بالآلاف في قوافل من كل جنسيات الدنيا·· وكانوا يخيمون على ضفاف الكثبان الرملية ويمشون في شوارع المدينة بتؤدة وهم سعداء ويفرحون عند رؤية أي شيء جديد على حياتهم·· كانت بيوت العباسيين مفتوحة لهم وكانوا يموتون في الكسكسي العباسي·· وكانت الدولة تستثمر في فندق الريم والذي هجر اليوم بشكل يدعو للرثاء·· أما فندق (العرق) الذي بناه الفرنسيون على سفح جبل يطل على الواحة فقد هجرته الحياة هو الآخر·· الواحة التي يتوسطها القصر القديم مات الكثير من نخلها وماتت أشجار البرتقال التي كنا نشم رائحة برتقالها من بعيد·· وماتت أشجار التوت والمشمش والتين·· ماتت كل تلك الحياة·· وهناك مر المخرج العالمي برتولوتشي وصور تحفته السينمائية (شاي في الصحراء) سنة ,.1990 للآسف لا توجد أي سياسة للنهوض بالسياحة وللترويج السياحي لخيرات هذه البلاد·· فما دامت الثروة البترولية تدر الملايير، فالدولة نائمة في العسل ولجان الإصلاح والرشوة وخرق القانون والتنمية المستدامة والمستميدة في التخلف وإهدار الفرص·