تفتقر السياحة في الجزائر إلى إستراتيجية واضحة تجعل منها رافدا اقتصاديا يساهم بشكل وافر في خلق الثروة وتوفير مناصب العمل وتعزيز عائدات البلاد من العملة الصعبة التي مازالت رهينة المحروقات وتمر السنوات والأيام وحال السياحة في بلادنا لم يتغير حيث تسيطر الملتقيات والندوات الصحفية على معظم النشاطات مع تسجيل محاولات محتشمة لا تتعدى مناسبات رأس السنة الميلادية والمولد النبوي الشريف وبعض المسابقات التي تستقطب بعض الأجانب الذين لازال الكثير منهم يختار وجهات عربية أخرى توفر خدمات أحسن وبأسعار تنافسية. تتجدد الخطابات حول تطوير السياحة دون أن نصل إلى خلق تقاليد وسياسة واضحة تجعلنا نحصل على حصص في سوق السياحة العالمية من أجل تعزيز التنمية المستدامة ويحدث هذا في ظل امتلاكنا شريط ساحلي يفوق 1200 كلم وتنوع بيولوجي يمتد بين المناطق الجبلية والصحراء وهي الواجهات التي تبقى بعيدة عن الاستغلال الأمثل لتطوير النشاط السياحي في بلادنا. فشواطئ الجزائر التي تفتقر للتهيئة اللازمة وتدني الخدمات وضيق الطرقات لا تلبي رغبات المواطن الذي يضطر كل موسم السفر إلى تونس والمغرب من أجل الاستمتاع بالبحر وهناك من يذهب إلى تركيا وأوروبا لقضاء العطلة الصيفية وباتت الشواطئ الجزائرية محطة فقط للمواطنين البسطاء الذين يقضون الساعات الطوال في زحمة المرور والصراع مع زبانية الشواطئ لركن السيارات والدخول المجاني أما الخدمات ونوعيتها فحدث ولا حرج فطيلة أكثر من 48 سنة من الاستقلال لا نكاد نجد شاطئا نموذجيا يجعلنا نثني على واقع السياحة في بلادنا. أما البحث عن فنادق قرب الشريط الساحلي فيكاد ينعدم وان وجد فيكون بأسعار بعيدة كل البعد عن القدرة الشرائية للجزائريين ويمكن للجزائري أن يستفيد من خدمات 4 أيام في بلد مجاور مقابل ما يدفعه لمدة يوم واحد بفنادقنا وهو ما يجعل نسبة الجزائريين الذين يفضلون الخارج عن الداخل ويستمر هذا الوضع على مدار السنوات دون حل. أن نجد له حلا فالفنادق في الجزائر مازالت حكرا على بعض الطبقات والمشرفون على السياحة لم يبحثوا عن المشكل في عمقه في الوقت الذي اهتدت فيه دول أخرى إلى تقديم قروض ميسرة لتمكين المواطنين من قضاء عطلهم داخل دولهم لما لهذه الاجراءات من مساهمة في تعزيز التنمية المستدامة وتشجيع السياحة المحلية فعدد الجزائريين الذي يذهبون للخارج لقضاء عطلهم يتجاوز مليون فرد وبالتالي إمكانية استغلال هذا الكم داخليا ممكن جدا مع بعض الاستثمارات ومراعاة القدرة المعيشية للمواطن. وتنتظر الصحراء الجزائرية التفاتة أكثر من المهتمين بالقطاع لتنميتها وإقامة الهياكل السياحية بها للاستجابة للسياح الأجانب الذين أبدوا إعجابهم بالجزائر ويأتون في مواسم معينة لكن ضعف هياكل الاستقبال جعل إقبال المزيد منهم غير ممكن وتحظى جانت بايليزي والأسكرام بتمنراست وبني عباس وتاغيت ببشار وغرداية وتيميمون بأدرار بشعبية كبيرة في مختلف أصقاع العالم غير أن عائداتها بعيدة كل البعد عن تطلعات السلطات. وبرزت مؤخرا مؤشرات عن تعزيز السياحة في الجنوب من خلال الترويج للمناطق السياحية بإقحام النجم العالمي ذي الأصول الجزائرية زين الدين زيدان لإعطاء دفع للسياحة ولكنها تبقى غير كافية في ظل المنافسة الشرسة لمختلف الدول ذات الأقطاب السياحية العملاقة. وتفتقر بلادنا لإستراتيجية واضحة لاستغلال المناطق الجبلية في السياحة حيث تبقى مرتفعات تيكجدة والشريعة بالبليدة ولالا ستي بتلمسان والشفة وسرايدي بعنابة وعين السيلان بخنشلة بعيدة كل البعد عن إمكانية استغلالها، والترويج لها ضعيف جدا ويحدث هذا في ظل تفضيل فرق كرة القدم الوطنية التحضير بالخارج وتحويل العملة الصعبة التي يمكن أن تستغل في مجالات أخرى. وبالمقابل تبقى الحمامات المعدنية رهينة نظرة ضيقة تؤكد انعدام ثقافة استغلالها كصناعة بدون دخان تدر الملايير على الخزينة الوطنية التي سئمت من أموال النفط.