يوم قبل رحيله، ما سجني عبده، متمنيا لي عاما سعيدا، مليئا بالهناء والنجاحات·· أكانت تلك الرسالة التليفونية كلمة وداع متدثر تحت قناع القدر الذي لا يسأل أحدا عندما يحين في لحظته غير المنتظرة؟! لا أدري، إنه الموت، إنه القدر القاسي قساوة لحظة الفراق، لا أريد أن أنعي الإعلامي الكبير، والصديق الرائع عبده·· بل أريد استلهام هذا الرجل المجنون بالحقيقة، والمسكون بإرادة الإصلاح والتغيير والمؤمن حتى النخاع بقدراتنا على الخروج من عنق الزجاجة، زجاجة الأزمة والإنسداد التي ظلت مسلطة على رؤوسنا كاللعنة· كان الرجل حالما إلى حد الفجيعة، حالما بجزائر متعددة ومنفتحة على نفسها وعلى العالم، حالما بقدرة الأجيال الجديدة على إحداث القطيعة النوعية مع أجيال الحرس العتيق المولدة للمأزق والانسداد، حالما بالغد الذي لن يتحقق إلا بإنجاز لحظة الإنتقال من الماضي وكل ما علق به من أفكار ماضوية وسلوكات عقيمة ومحبطة للآمال إلى لحظة الحاضر العنيد المفتوحة عيونه على مستقبل مستوعب للخطوات الدؤوبة لليومي، ومن هنا كان إيمانه عميقا بتحويل ما هو موجود رغم نقائصه إلى أداة فعالة وناجعة من أجل إحداث القفزة نحو الأمام·· لم يكن عبدو، يجيد زبط لسانه في فمه·· كان رجل النزوات الجميلة، ورجل الجبهات المفتوحة، وتجلى ذلك عبر كل مساره المهني الطويل بدءا من مجلة الجيش ومرورا بمجلة ''الشاشتان'' وقيادته التلفزيون الجزائري بعد تداعي الحزب الوحيد ودخول الجزائر عهد التعددية وإنتهاء بمساهماته في المجلس الوطني الإجتماعي الإقتصادي·· لم يكن عبدو رجلا سياسيا، ولا مجرد صحفيا، ولا مجرد خبير في الإتصال، بل كان مثقفا عضويا بالمعنى الحقيقي للغرامشية، رجل اللحظات الحرجة، والخيارات الحاسمة والمواقف التي تعرف التذبذب والوقوف بين المنزلتين·· إن خسارتنا في عبدو لخسارة فادحة ومؤلمة·· لكن بالتأكيد سيبقى الرجل مثالا حيا للأجيال والأصوات التي ترفض الخنوع والإستسلام···