فقدت الصحافة الجزائرية في اليوم الأخير من 2011 واحدا من خيرة أبنائها وحاملي همومها، برحيل عبدو بن زيان الذي اختار قلبه هذا التاريخ ليتوقف عن النبض. عبدو-ب كما يعرف في الأوساط الإعلامية من مواليد 1944 ببريكة ولاية باتنة، انتسب للصحافة المكتوبة بعد دراسته للاعلام بجامعة الجزائر في الستينيات، حيث بدأ مساره بمجلة الجيش، كما كتب بعدة يوميات قبل أن يتولى رئاسة تحرير مجلة "الشاشتان" التي تناسب هواه كمختص وناقد سينمائي. لكن الشهرة الواسعة أصابت هذا الصحفي حين تولى إدارة التلفزيون الجزائري في بداية التسعينيات التي تزامنت مع انفتاح سياسي، ترجمه عبدو بفتح هذه الوسيلة العمومية الثقيلة على مختلف الرياح ، كما كان له الفضل في ضخ دماء جديدة بهذه المؤسسة وإعطاء الفرصة لجيل جديد، ومنحت هذه السياسة التلفزيون الجزائري نسبة مشاهدة غير مسبوقة، ففي هذه الفترة رأى المشاهد الجزائري لأول مرة معارضين تاريخيين ومثقفين ووجوه مغضوب عليها بالصوت والصورة على الشاشة الوطنية الوحيدة التي باتت تستقطب مشاهدين من دول الجوار، اكتشفوا صوت النقد والمعارضة على تلفزيون عمومي عربي. لكن الأحداث المأساوية التي عرفتها الجزائر بعد ذلك، دفعت بمن صنع الثورة في الإعلام المرئي إلى زوايا الصحف كاتبا بانتظام وغير توقف، محللا للأوضاع السياسية والثقافية برزانة ودون اندفاع أو تعصب، وبدا واضحا أن الكتابة ليست مجرد مهنة في قاموس هذا الرجل، بل همّ يستمر مع الحياة ، والدليل على ذلك أن زاويته الأسبوعية بيومية لوكوتديان دوران "مقولة الخميس" لم تغب منذ صدورها، وفي آخر زاوية دعا إلى جسارة في الاصلاحات السياسية التي يرى أنها ممكنة في جزائر اليوم لو أن الساسة يمتلكون فقط الشجاعة على تحريك هذا الجمود ويضعون مستقبل الجزائر فوق الكوطات وفوق الريوع، وانتقد الفقيد دعاة إبقاء الأمور على ما هي عليه وقال أن هذه القوى المحافظة تحاول الإبقاء على مكاسبها، منهيا حديثه الأخير بتقديم وصفة الإنقاذ التي تتمثل في دوائين ضروريين لا شفاء بدونهما: الإصلاح و الديموقراطية. وليس غريبا أن يصدّر مقال الوداع بمقولة لسانت اكزوبيري: يكتشف الانسان ذاته حين يقيسها بالعقبة. سكت عبدو بن زيان في وقت كانت فيه الصحافة الجزائرية في حاجة إلى صوته و أصوات المهنيين الحقيقيين الذين يعرفون أسرار المهنة ولم تفسدهم مكاسبها.