الطريق السيار شرق-غرب: دفع رسم المرور غير مدرج في برنامج الحكومة    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    اليوم العالمي للطفل: الجزائر حققت "مكتسبات كبيرة" في مجال حقوق الطفل    اكتشاف الجزائر العاصمة في فصل الشتاء, وجهة لا يمكن تفويتها    الطبعة الرابعة ل "جائزة الشيخ عبد الكريم دالي" من 25 إلى 29 نوفمبر بالجزائر العاصمة    التوقيع على مخطط عمل مشترك بين الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية    خلال المهرجان الثقافي الدولي للفن المعاصر : لقاء "فن المقاومة الفلسطينية" بمشاركة فنانين فلسطينيين مرموقين    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    إسرائيل تعتقل 270 طفلا فلسطينيا بسجونها..استشهاد 16 فلسطينيا بغارات إسرائيلية    صواريخ أميركية بعيدة المدى داخل روسيا.. إردوغان: التطورات قد تدفع بالمنطقة والعالم إلى شفا حرب كبرى    الأسبوع الاوروبي للهيدروجين ببروكسل: سوناطراك تبحث فرص الشراكة الجزائرية-الألمانية    رئيس الجمهورية يشرف على مراسم أداء اليمين للمديرة التنفيذية الجديدة للأمانة القارية للآلية الإفريقية    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 43985 شهيدا و 104092 جريحا    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بغرداية : دور الجامعة في تطوير التنمية الإقتصادية    سبر آراء "وأج" : قائمة الرياضيين المقترحين لجائزة ابراهيم دحماني لطبعة 2024    فلسطين: الاحتلال الصهيوني يواصل عدوانه على مدينة جنين ومخيمها    ميناء وهران: تسجيل أكثر من 8 ملايين طن من البضائع خلال الأشهر ال9 الاولى من العام الجاري    عطاف يتلقى مكالمة هاتفية من نظيره الايراني    حقائب وزارية إضافية.. وكفاءات جديدة    خدمة الوطن.. وتجسيد برنامج الرئيس    أمن دائرة بابار توقيف 03 أشخاص تورطوا في سرقة    استفادة نحو 20 إطارا من تكوين    إشادة بالحركية التنموية في شتّى القطاعات    توقيع اتفاقيات شراكة مع مؤسسات وهيئات    فايد يرافع من أجل معطيات دقيقة وشفافة    عرقاب يستعرض المحاور الاستراتيجية للقطاع    ما هي أولويات ترامب داخلياً وخارجياً؟    القضية الفلسطينية هي القضية الأم في العالم العربي والإسلامي    إعادة تأهيل وصيانة وتجديد منشآت الخطوط السكة الحديدية    على مجلس الأمن فرض احترام قراراته المتعلقة بالشرق الأوسط    تفكيك شبكة إجرامية تنشط عبر عدد من الولايات    هتافات باسم القذافي!    ماندي الأكثر مشاركة    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    "مجموعة العشرين" تدعم وقفا لإطلاق النار في غزة ولبنان    قائد القوات البحرية يشرف على تفتيش الغراب "الفاتح"    10 آلاف مشروع استثماري وربع مليون منصب شغل    إدارة سانت ترودن تسعى للإبقاء على براهيمي    هدفنا دوما رفع الراية الوطنية في المحافل الدولية    قمة مثيرة بين المولودية وبلوزداد بذكريات اللقب    "جرائم الاستعمار الفرنسي" في ندوتين بسكيكدة    الدرك يوقف 17 منظما للهجرة السرية    تطبيق مبتكر يحمي المعطيات في الفضاء الأزرق    امرأتان ضمن شبكة تحترف السرقة    الإطاحة بعصابة تروج المخدرات    الدكتور فني يبرز الأدب العالمي والثورة    من وحي الورد ومن ملامح الوجه الحسن    مواصلة الجهود السابقة وسعى لتطوير القطاع    وفاة شخص في حادث مرور بمازونة    الوقاية للتعايش مع المرض والتجاهل خطر أكبر    سيفي غريب يستلم مهامه كوزير للصناعة    التبليغ عن المواد الصيدلانية التي تشهد ندرة في السوق    المناعة الطبيعية أحسن دواء لنزلات البرد    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في بيت عبد الحميد مهري :ساعات قبل رحلة ''سيدي يحيى'' الأخيرة

يوم بعد رحيل المناضل عبد الحميد مهري، وعند ساحة القدس بحيدرة، لا يتعب شرطي المرور في توجيه الناس إلى بيت الفقيد، ويكتفي بالقول: ''اتبع اتجاه السيارة ستجد نفسك عند البيت''، ويبدو أنه ألف الحركة منذ مساء اليوم السابق، حيث توافدت الجموع المعزية. الساعة كانت تقترب من الواحدة زوالا، وغير بعيد عن بداية شارع سعيد حمدين، كان الناس متجمعين وليس بعيدا عنهم كانت عربات الحماية المدنية متوقفة في انتظار أي طارئ، هي جنازة، لكنها ليست أي جنازة، إنها متعلقة بواحد من أشهر الشخصيات السياسية التي تركت بصمتها واضحة على الأحداث من بدايات الحركة الوطنية إلى الآن، وفي كل مرحلة كانت له كلمته وموقفه الواضح، هو عبد الحميد مهري الذي من شدة قوة حضوره لم يتوقع الكثير أنه سيرحل على الأقل في هذا الظرف الاستثنائي الذي تمر به البلاد والمنطقة وهو الذي شغلته القضية الوطنية مثلما شغلته هموم أمته التي آمن بها وانخرط في مشاريعها الفكرية والسياسية دون أي تعصب أو أحادية في الفكر.
عند النقطة رقم 30 من الشارع، أقيم ذلك البيت البسيط والأنيق، بيت من طابق واحد وهو الاستثناء بين مختلف البنايات المجاورة التي تحوي طابقين على الأقل. وكان الوقت يمر ببطء حيث أن موعد الجنازة بقي عليه بعض الساعات، وربما لهذا السبب فإن الكراسي البلاستيكية المتجانسة والمصطفة بقيت فارغة في عمومها، إلا من بعض المعزين الذين يؤدون الواجب ولا يلبثون كثيرا هناك.
ويقف في استقبال جموع المعزين، شاب أنيق طويل، عليه ملامح الحزن، ولا يتردد في تقديم اسمه، هو سهيل مهري الابن الذكر الوحيد للراحل بين شقيقتين هما (سها وسهام)، يستقبل الناس تارة والمكالمات الهاتفية تارة أخرى ويبدو الرقم الذي يتقبل منه المكالمات هو الذي كان يمتلكه مهري والذي كان بحوزة الصحفيين ومختلف الفاعلين الثقافيين والسياسيين، لكنه الآن أصبح مجرد ذكرى ويجد محبوه صعوبة في الاحتفاظ به أو تشطيبه.
ولا يتردد سهيل مهري في التعرف على هوية المعزين الذين لا يعرفهم، وعندما يعلم بأننا من الصحفيين يطلب بكل لباقة وبرجاء أن لا مجال للعمل الصحفي، فالمكان للعزاء والمطلوب أن يبقى كذلك، ومن بين الوجوه المعزية يتعرف على البعض منهم العقيد محمد الصالح يحياوي المسؤول السابق بحزب جبهة التحرير الوطني الذي كان برفقة الدكتور عبد العزيز جراد، إلى جانب الوزير السابق بوجمعة هيشور الذي كان غير بعيد من هناك، غير أن المشهد كان يتغيّر في كل مرة، حيث يستأذن من كان جالسا ويأتي أناس آخرون، والكل ينتظر ساعة التشييع الأخيرة التي بدأت تقترب.
وفي ركن آخر من ساحة العزاء يجلس شيخ ملتحي ونحيف، هو محمد الصالح رحاب صاحب المكتبة ودار النشر التي تحمل اسمه، ولا يتردد في الحديث عن الراحل الذي يؤكد أنه يعرفه جيدا كما كان يعرف والده وشقيقه وكل عائلته الكبيرة والصغيرة، ويعلّق على بعض الصحف الصادرة التي يقول بأنها أخطأت في مكان ولادة مهري، ففي الوقت الذي قال فيه الكثير أنه من مواليد مدينة الحروش، يؤكد رحاب أنه ولد في الخروب، ثم رحل مع عائلته صغيرا جدا إلى وادي الزناتي، ويقول إن رحلة عبد الحميد مهري مع الوعي الوطني بدأت سنة 1938 مع شيخه عبد الرحمن بلعقون الذي كان متزوجا من شقيقة عبد الحميد، ويعلق إن الراحل ليس مجرد ''حشيشة نبتت وهكذا''، بل هو نتاج أسرة معروفة وشيوخ تتلمذ عليهم، ويقول إنه يعرف تفاصيل دقيقة عن دور الراحل في مظاهرات الثامن ماي ,1945 ويعرف جيدا ما قام به في وادي الزناتي عندما كان مناضلا هناك ومنع بحنكته حدوث مذبحة في المنطقة.
ويقول محمد الصالح رحاب إنه عمل جاهدا من أجل إقناع مهري بكتابة مذكراته لكنه لم يسلمه شيئا، ولا يعلم إن كان يخفي في أوراقه الخاصة بعضا من تلك السيرة أو لا.
وتتغير وجوه الحاضرين، يذهب قوم ويأتي آخرون، يحضر الأمين العام الأسبق لحركة الإصلاح محمد جهيد يونسي، كما تحضر الوزيرة السابقة زهور ونيسي والصحفية حدة حزام لتتوجه النساء إلى داخل البيت ويبقى الرجال في ساحة البيت، ويجلس أحدهم وهو يحمل جرائد بين يديه ويخط بقلم فوق جريدة وهو يقول: ''مهري من أكبر الأهرامات الوطنية الحية''، ويواصل سهيل مهري بثبات وصبر استقبال المعزين، وفي ركن منزوي يجلس إلياس بن خدة نجل الرئيس الأسبق للحكومة المؤقتة الراحل بن يوسف بن خدة، القريب من العائلة وهو يتكلم عن بعض التفاصيل، حيث يؤكد أن الراحل مهري كان قد نقل، مساء أول أمس الإثنين، من مستشفى عين النعجة، حيث لفظ أنفاسه الأخيرة إلى بيته بين السادسة والنصف والسابعة ليلا في انتظار أن ينقل إلى آخر مثوى له في مقبرة سيدي يحيى إلى جانب بن يوسف بن خدة وسعد دحلب ومناضلين آخرين اختار أن ينام إلى جانبهم.
وكان من بين الحضور الفنان الممثل طه العامري، الذي بدا حزينا ومنكسرا، وعند اقترابنا للحديث معه، قال إنه كان يعرفه منذ أيام حزب الشعب والمنظمة الخاصة قبل الثورة، ويذكر عنه طيبته وانفتاحه على كل الناس والحساسيات، وبنبرة حزن يقول أن عبد الحميد عندما كان يراه يناديه بصوت مرتفع قائلا: ''طه''.
وكانت الساعة تشير إلى الواحدة و52 دقيقة زوالا عندما جاء بعض الشباب برافعة الموتى، إيذانا باقتراب نقل جثمانه إلى المثوى الأخير، وفي وقت كان البعض يسأل عن حضور الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد من عدمه، وهو الذي كان صديقه ورفيقه وصهره، أكد البعض أن الرئيس الأسبق حضر صباحا وجاء خصيصا في طائرة من فرنسا، حيث كان يتلقى العلاج ليلقي نظرة أخيرة على رفيقه. وتواصلت حركة المعزين إلى أن حلت ساعة الوداع الأخير، حيث تنقلت الجموع مع جثمان الراحل إلى مقبرة سيدي يحيى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.