كنت أنتظر أمام مقر وزارة الشباب والرياضة بساحة أول ماي، عندما جاءني شابان ليدلاني على مقر حزب الجبهة الوطنية الجزائرية، مناضل في الحزب برفقة هواري ولد علي الكاتب العام للحزب، والمعروف على فيسبوك باسم ''أحمد ثائر''، قلت له ''اسم مستعار؟''، ضحك وقال: ''مجرد اسم، لكني أضع كل معلوماتي الشخصية على صفحتي، وصورتي كذلك''، بدا لي شابا على أدب رفيع. دخلنا الشقة، كانت التدفئة عالية، أو فلنقل إني شعرت كذلك لأن الكرسي الذي جلست عليه كان موضوعا بجانب المدفأة، بدا لي أن ولد علي يبحث عن تفصيل ما يخصني، وأظن أنه وجده عندما لمح نسخة من كتابي في المحفظة، تبادلنا أرقام الهواتف بعد حديث قصير ممتع، وخرج على عجل، ولم يمض وقت طويل حتى دخلت إلى مكتب بن عبد السلام، كان كل شيء بسيطا وغير متكلف، لكن يبدو أن ضيوفه لا يخرجون قبل أن يشربوا فنجان القهوة المرفق بقطع من الحلوى التقليدية اللذيذة. بعد انتهائه من مكالمات هاتفية، طلب مني أن أشرح له بالضبط ما الذي سأقوم به، وعندما شرحت له أن العمل سيكون مزيجا بين الروبورتاج والحوار، سألني عن المساحة التي سينالها في الجريدة، وعندما أجبت مستغربا أن المساحة ستكون على حسب المادة، قال لي بضيق مسميا إحدى العناوين الزميلة: ''استدعوني إلى فوروم، تكلمت لأكثر من ساعة، ليكتبوا في النهاية ربع صفحة، كان بإمكانهم الاتصال بي هاتفيا من أجل تصريح مادام الأمر هكذا''. وبما أن بن عبد السلام افتتح حديثه بالحديث عن متابعته للهمّ الثقافي الجزائري عبر ''الجزائر نيوز''، فقد اخترنا أن ننطلق من هذه النقطة لمعرفة تصورات الجبهة الوطنية الجزائرية في مجال الثقافة، يقول بن عبد السلام: ''إن تكوين حزب للوصول إلى السلطة، هو عمل يجب أن يشمل كل مجالات الحياة، أنا وبكل تواضع أعتبر نفسي مثقفا أكثر من اعتباري سياسيا، فاهتماماتي وانشغالاتي وهمومي ثقافية، لكن في وضع مثل الجزائر قد تجد نفسك في ميدان آخر غير الثقافي، أنا أعتقد أن مشكلتنا بالأساس ثقافية في ظل غياب مشروع وطني شامل يستحضر الرصيد الثقافي المعرفي للشعب الجزائري عبر حقبه التاريخية المختلفة، وينتفح على الآخر مع مراعاة خصوصيات المجتمع الجزائري. بالنسبة لعلاقة المثقف بالسياسة، أرى أنه إذا كان عبان رمضان قد ناضل ودفع حياته ثمنا لقناعته المتمثلة في أولوية السياسي على العسكري، فأنا أرى أنه لابد من أن تكون للمثقف أولوية على السياسي، أو على الأقل أن يكون السياسي مثقفا قبل أن يكون سياسيا، وبالتالي في إطار برنامج الحزب فكرنا في مشروع طموح جدا، ينطلق من إعادة بعث الإرث الثقافي للجزائر منذ عهد المماليك الأمازيغية إلى الدولة الحالية، ومنه ننطلق إلى التحرك في الفضاءات الأخرى، المشروع يحتاج ملايير كثيرة، ويحتاج إلى مؤسسات وهيئات، المشروع سيمس علماء، قادة، أدباء، مفكري، شعراء، مفسري، وفناني الجزائر وكل عظمائها من العهد البربري إلى يومنا هذا، ثم يصاغ بكتابة معاصرة، ثم يحوّل إلى قصص للأطفال، ثم يدخل المشروع المجال السمعي-البصري بعمل روبورتاجات عن هذه الشخصيات، تخيل مثلا حياة يوبا أو ماسينيسا أو الأمير عبد القادر أو ابن باديس، أو تينهينان... وغيرهم كثير على شكل روبورتاج، في النهاية تحوّل إلى رسوم متحركة للأطفال، عوض أن يتأثر أطفال الجزائر بباتمان وسوبرمان، سيكون من الأجدى أن يتمثلوا أبطال الجزائر كقدوة، ثم تتحوّل إلى أعمال سينمائية ودرامية، وهنا لا بد من بناء مدينة للإنتاج. كذلك يجب أن نهتم بالسياحة الثقافية والدينية، فإذا كان للسعودية مكّتها، ولفلسطين قدسها، وللعراق كربلاءها، ولإيران قمها، ولروما فاتيكانها، فأنا أطمح أن يكون في عين ماضي مركزا للإشعاع الروحي والصوفي، لدينا مريدون كثر للزاوية التيجانية. كذلك تشجيع النشر والتأليف، أنا أحترق عندما أرى عبقرية العقل الجزائري، والمغرب العربي بصفة عامة الذي أنجب ابن رشد، وابن خلدون، ومحمد أركون، ومولود قاسم نايت بلقاسم، ومالك بن نبي... وغيرهم، ثم نصبح عالة على المشارقة والغرب، فكرنا يشكل نقطة التوازن بين روحانية الشرق وعقلانية الغرب، الهمّ الثقافي ذو شجون، يجب أن يتحرك أهل الثقافة، نحن نعتبر القضية الثقافية قضية حيوية''. وحينما سألناه عن اعتماد الأحزاب الجديدة، ما إذا كان الأمر بحث عن وعاء انتخابي أم رغبة فعلية في الانفتاح، أجاب بن عبد السلام: ''السلطة كانت متوجهة نحو الانغلاق، ومارسته منذ ,1999 حيث أن آخر حزبين اعتمدا كانا حزبي الإصلاح والأفانا، ثورات الربيع العربي هي التي جعلت السلطة تعيد النظر في سياستها، فأخذت مسارا آخر بالإصلاحات، فاتحة المجال للنشاط السياسي والجمعوي والنقابي والإعلامي. نحن نرجو أن هذا الأمر هو قناعة وليس اضطرارا، إذا لم يكن الأمر ناتجا عن قناعة، فسنعود إلى الغلق بتغير الظروف. السلطة تريد توسيع دائرة المشاركة في الانتخابات، وتسعى إلى ترك انطباع لدى الرأيين العامين العالمي والداخلي بأن الجزائر أخذت مسارا إصلاحيا جديدا، وأنها سائرة بتجربتها الخاصة في الإصلاح والتغيير''. وفي سؤالنا عن مدى ارتباط فتح المجال أم إنشاء أحزاب بنزاهة الانتخابات المقبلة، يقول بن عبد السلام: ''الفتح في حد ذاته خطوة إيجابية يجب أن نثمنها ونباركها، على أن تستمر وتبقى متاحة لكل الجزائريين والجزائريات، بالنسبة للانتخابات، رئيس الجمهورية ألقى خطابا دعا فيه كل من له علاقة بالانتخابات إلى احترام إرادة الشعب''، وعندما نبهته إلى أن هذا الكلام قد قيل في كل الانتخابات السابقة رد بالقول: ''سئلت كثيرا من طرف الصحفيين عما إذا كان خطاب الرئيس كافيا لإعطاء ضمانات بخصوص نزاهة الانتخابات، فأجبت بأن خطاب الرئيس يحتاج إلى تجسيد بالأفعال، في السابق لم يكتف الرئيس بتوجيه خطاب بل أرسل تعليمات مكتوبة مختومة بختم رئيس الجمهورية وبتوقيعه الشخصي، لكن بمجرد بداية الحملة الانتخابية ضُرب بتلك التعليمات عرض الحائط''. وعن تصوره للشروط التي يجب أن تتوفر من أجل انتخابات حرة ونزيهة يقول بن عبد السلام: ''تصورنا نقدمه في أربع نقاط: أولا: الإرادة السياسية الصادقة بالاحتكام إلى سلطة الشعب، واحترام خياراته الحرة. ثانيا: الأحزاب الجزائرية جميعها، يجب أن ترتقي إلى مستوى من النضج بخصوص التعامل مع التزوير، يجب أن نشكل جبهة لمحاربة التزوير. ثالثا: إشراف القضاء على العملية القضائية، وهذا الأمر كنت قد طرحته في لجنة المشاورات، كما يجب أن تمتد اللجان المشرفة إلى خمسة مستويات وليس ثلاثة كما هو الحال عليه الآن: وطني، ولائي وبلدي، نحن نريد أن يكون رئيس كل مركز تصويت قاض، ورئيس كل مكتب تصويت قاض. رابعا: ضمان الشعب الجزائري الذي يجب عليه أن يخرج من سلبيته بالذهاب بالقوة لمكاتب التصويت، هكذا لن يترك لمن ألفوا التزوير فرصة للتلاعب بإرادته''. وعن الفترة القصيرة المتاحة للأحزاب الجديدة من أجل عرض مشاريعها على الشعب الجزائري، وعما إذا كانت كافية، يقول بن عبد السلام: ''وضعنا الحالي تجسيد للمثل الشعبي: ''رانا كالميت في يد غسالو''، نحن أمام ظروف ليس لنا سوى التكيف معها، قررنا رفع التحدي ودخول الانتخابات، الأحزاب الجديدة تعرّضت لتعطيل من قبل أحزاب التحالف الرئاسي، نتيجة الترتيب الخاطئ المتعمد للقوانين المعروضة على البرلمان، حيث لم تعط الأولوية لقانون الأحزاب السياسية،رغم هذا نحن رفعنا التحدي وحضرنا عملية التأسيس في ظرف قياسي، كما نظمنا المؤتمر في وقت قصير، في حدود أسبوع سنحضر القوائم، وسنقدمها حين نحصل على الاعتماد، ومن ثم ننطلق في تجمعات عبر الولايات، وبهذا سنعمل على استدراك بعضا مما فاتنا نتيجة التعطيل الممارس علينا''. وعن إمكانية تحالف حزب الجبهة الوطنية الجزائرية مع أحزاب أخرى، يقول بن عبد السلام: ''نحن نتقاطع في نقاط معينة يختلف عددها مع كل الأحزاب الجزائرية قديمها وجديدها، أنا منفتح على الجميع من اليسار إلى اليمين، ولا أجد حرجا في التعاون مع أي حزب في أية نقطة تجمعنا''. وبخصوص دعوات مقاطعة التشريعيات القادمة، يقول بن عبد السلام: ''أحترم الجميع، الاختلاف سُنة الحياة، أنا أدافع عن حرية الآخرين في الدعوة إلى المقاطعة وأحترم هذه الدعوات، وأنا أدعو السلطات أن تفتح المجال الإعلامي لدعاة المقاطعة حتى يدافعوا عن دعواهم، في النهاية نحن في مشهد سياسي فيه مرسل ومتلقي، والمتلقي هو المواطن والمرسل هو صاحب دعوى المشاركة وصاحب دعوى المقاطعة، والمواطن سيد إن قاطع أو شارك، لكني أرفض فكرة منع المشاركة في الانتخابات، لأنه في هذه الحالة ننتقل من حق ممارسة الحق في التعبير إلى مصادرة حرية الآخر''. وعن تعاطي الإعلام الرسمي مع الأحزاب الجديدة، يقول بن عبد السلام: ''تعاطيهم معنا طبيعته من طبيعة التعطيلات الأخرى، في الشهر الأخير لاحظنا نوعا من الانفتاح على نشاطات الأحزاب الجديدة، لكن الغبن ليس إعلاميا فقط. لجنة مراقبة الانتخابات قد تم تنصيبها يوم الأربعاء الماضي، وشاركت فيها الأحزاب المعتمدة، فيما لا نزال نحن ننتظر الاعتماد''. جمال بن عبدالسلام في سطور ولد سنة 1965 بالمنصورة ولاية برج بوعريريج. تحصل على شهادة ليسانس في التسيير من جامعة تيزي وزو، وواصل دراسته لما بعد التدرج في تسيير الموارد البشرية. إشتغل في التعليم والصحافة، ثم وظف كمفتش للضرائب قبل أن يتفرغ للعمل السياسي. عرف بتوجهاته الإسلامية، وكان من الأعضاء المؤسسين لحركة الإصلاح الوطني التي شغل منصب مسؤولها الإعلامي عام .2003 من بين الأعضاء السبعة الذين قادوا الحركة التقويمية داخل حركة الإصلاح. أسس حزب الجبهة الوطنية الجزائرية، وتحصل على الاعتماد بداية هذا الأسبوع.