يلتزم المخرج المسرحي'' جمال قرمي'' بمبدأ توفير الفرجة للجمهور، على أساس أن الجزائري فردا يعاني ''الكآبة'' وبحاجة إلى ترفيه· والكوميديا سوداء كانت أو ساخرة هي الدواء المناسب لإنعاش المسرح الشعبي الجزائري· في تجربته الأخيرة ''القايدة حليمة''، يعترف قرمي أن إشراك دلال كسيلي في العمل أبطء ريتمه، لكنها عنصر قابل للتطور والتقدم· لو نعود إلى مسرحية ''القايدة حليمة'' التي أخرجت مؤخرا، هل يمكن القول أنها حققت نجاحا جماهيريا بالنظر إلى عدد المتفرجين بقاعة الموقار؟ لا أستطيع الحكم على نجاح العرض من وجهة نظر حضور الجمهور فقط· لأننا في زمن ذهبت فيه المقاييس والمعايير بخصوص المسرح الجاد· لهذا فنحن بحاجة إلى دراية معمقة وسبر آراء حول رأي الجمهور في العرض· من جهة أخرى بقاء المتفرجين في القاعة طيلة ساعة ونصف أو ساعتين يعني بشكل أو بآخر أنه راض عن العرض الذي حقق لهم المتعة والفرجة· رؤيتك الإخراجية للنص الذي كتبه نور الدين بران، توجهت مرة أخرى إلى المسرح الساخر حيث المبالغة في شكل الشخوص وحركاتهم؟ عندما أفكر في إخراج عمل مسرحي، لا أنسلخ من كوني جزائري يعيش عصره بكل المعطيات· على المبدع أن يعمل وفق نظرة إستراتيجية للمجتمع، ويتساءل عن الطابع المسرحي القادر على إيصال الرسالة إلى الجمهور· وهي في نظري الكوميديا· جمهورنا يحي في كآبة ويبحث عن ذاته، وهو يعيش صراع داخلي· لذا هو بحاجة إلى ترفيه وتغيير الجو· أما الشكل المستعمل في ''القايدة حليمة'' فهو معاصر كما لاحظتني، استعملت الكوميديا الساخرة والسوداء لأني أريد إعطاء صبغة جديدة للمسرح الشعبي الجزائري، على ضوء هذا كسرت المفهوم المتعلق بالمكان، وأعطيته شكلا آخرا بأبعاد رمزية كثيرة· اعتمدت على توجه فرناندو آرابال وأسلوبه في التعامل مع الشخوص، هذا ما تعودنا عليه في أعمالك الركحية؟ إعتمدت هذه المرة على المدرسة البيوميكانيكية أكثر، إيمانا مني بأن الممثل حاضر بجسده وشخصيته· نحن في وقت النص المسرحي لا يجب أن يكون كثيفا، يجب إعطاء الجسد مساحة أكبر للتعبير بدل الكلمات· شخصية ''أم العروس'' التي تقمصتها ياسمين عبد المؤمن هي أقرب لما تقول، لا؟ أم العروس شخصية كاريكاتورية، أحببت أن أعطيها ذلك البعد المشوه والمبالغ فيه· لأترجم السخرية والطمع في هذه المرأة· وأجسد من خلالها المثل الشعبي القائل ''الطمع يفسد الطبع''· ليس إجحافا في حق الممثلين الآخرين، لكن ياسمين بدت أكثر دراية بما كانت تؤديه وسط المجموعة المتناحرة والمتصارعة؟ هذا يظهر أهمية التكوين وامتلاك الممثل أدوات التعامل مع الفضاء، تقييم الدور، معرفة أهدافه· بينما الآخرين يفتقدون لأمور معينة، لكنهم قابلين للتطور والتحسن· لا تنسي أن ثمة ممثلين تعودوا العمل وفق طريقة واحدة لسنوات طويلة، فهم ''تقولبوا'' في شكل لا يمكن إعادة تشكيله في 50 يوما من التدريب على المسرحية· تقصد دلال كسيلي التي راهنتم على حضورها لتجسيد ''القايدة حليمة''، فلم تتخلص من طابع ''الفهامة'' فوق الخشبة؟ أعترف أن دلال سببت لنا مشكلة في ريتم العرض· هي لأول مرة تقف على خشبة المسرح، لذلك شعرتم بالإرتباك في دورها، فالحضور المكثف للجمهور أشعرها ببعض الخوف، ما جعلها تدخل في بطء شديد في الأداء، قد يكون له علاقة بالمقومات الجسدية للممثلة· بينما كانت شخصيتها القيادية ديناميكية وسريعة التفاعل مع المحيط· لاحقا، وابتداءً من ثاني عرض، لاحظت أن دلال استدركت الوضع، ولعبت بأسلوب أفضل بكثير، واستمتعت بالشخصية لدرجة أنها نجحت في تقليص مدة العرض من ساعتين إلى ساعة ونصف· بالتدريبات المكثفة إستطعت أن أصحح بعض الملامح غير المناسبة الموروثة عن فريق محمد صحراوي· من ملاحظات المتفرجين أن شكل الممثلة لم يكن متطابقا مع دور الجدة؟ هذا ما أردت إبلاغه، هو التناقض· علينا قراءة الدلالات الظاهرة والمستترة في شكل الشخوص· فاللباس النظامي له مقصده الواضح· إضافة إلى شكل الكراسي التي لم تكن عادية، والستائر وألوانها···رمزية كثيرة شكلت العرض وهي التي تعطي المفاهيم والمفاتيح لفك شفرة المسرحية· ''ثقافة الزرنة والدربوكة'' ''الشيوخة يحكمو فينا'' جمل وردت على لسان الشخوص، إلى أي درجة استعمل الحوار لنقد الوضع في البلاد؟ أكيد لها علاقة، كمخرج أردت نقد الوضع العام في الوطن العربي، خاصة بعد أحداث الربيع العربي، وأشير إلى المنظمة المفبركة التي تسير الشعوب، فأنا أقصد نماذج غير الجدة وغير الحفيد وغير العروس· عثرت دون قصد على تشابه بين عملك السابق ''نزهة في غضب'' والعمل الجديد ''القايدة حليمة''؟ من الناحية البيومكانيكية والكوميدية، يمكن أن يحدث تقارب بين العملين· حيث أشتغل على مبدأ أساسي وهو أن المسرح المعاصر يتفادى الظلام، وينطلق من منطق الحياة التي هي عبارة عن حلم متواصل، لهذا أتعامل مع الديكور ككل لا يتجزأ، ليس فيه قطعة منفصلة عن الأخرى والمتفرج يمر إلى مشهد آخر مباشرة· ومع هذا سقطت المسرحية في حالة ''عياط'' مزعج؟ نعم، ل ''العياط'' أو الصوت المرتفع علاقة بقدرة الممثل على التحكم في الصوت، ومدى انخراطه في الصراع· الممثل الجزائري يعاني من نقص في التربية الصوتية، لأن الجزائر في تكوينها للممثلين تفتقد لهذا المجال· ومعهد برج الكيفان للفنون الدرامية، لا يملك أساتذة مختصين في التربية الصوتية والإلقاء·