لم يكن من المفاجئ أن نراها خالية إلا من القائمين عليها، تلك المداومات الوقتية للأحزاب، الحوانيت التي تغير نشاطها بشكل عشوائي وكثيف قبل الانتخابات، لتوصد أبوابها مع إعلان النتائج· قمنا بجولة لبعض المداومات، وكذا بعض المكاتب الولائية والوطنية لنقف على حال هذه المقرات أثناء الحملة الانتخابية التي ستدخل أسبوعها الثاني اليوم· طليت على باب الواد سيتي ''طليت على باب الواد سيتي... افتح عليا الهم واحضني... قال لي دوك ندوقك مر الزمان... ايلا جامي في حياتك ايلا كنت حزنان''. تذكرت هذه الأغنية للفنان كريم شاكر، عندما انطلقنا نحو باب الواد الشارع الشعبي دائم الحركة. افترضنا أن الانطلاق من مكان مأهول يرتاده العاصميون فكرة جيدة، لم نكن نتوقع أن نجد تلك المداومات فارغة تماما. دخلنا مداومة ''الحزب الوطني للتضامن والتنمية'' (مداومة مؤهلة لأن تصبح مكتبا وطنيا)، لم يكن من الصعب بدء الحديث مع عمي ''أحمد''، رجل في الستين من عمره يحمل نظرة سلبية تجاه الوضع، كان يغير أرقام ملصقات الحملة من 31 إلى الرقم 08 باستعمال لصيقات أعدت لهذا الغرض، حينما سألناه عن سبب شغور المداومة أجاب ''المسؤولون في تجمع بالأبيار، وبالتالي من الطبيعي أن يكون المقر شاغرا''، وعندما عقبنا بأننا نسأل عن الناخبين وليس عن قياديي الحزب، مضى في الشكوى قائلا ''لو ناديت أي شاب من شباب الحومة الآن، وسألته عن رأيه في الانتخابات لأجابك: لماذا أصوت على شخص سيتقاضى 50 مليون كمرتب شهري؟''· يضيف عمي أحمد بلهجة شبه مستسلمة ''من الصعب إقناع المواطنين بالتصويت في ظل ظروفهم الصعبة، نحن نحاول باعتبارنا حزبا جديدا التقرب من المواطنين ومعرفة انشغالاتهم، هم يجيبون عادة بأن أزمتي السكن والعمل طاغيتان''· تفحصنا الملصقة التي لم يكن فيها ترتيب رقمي للمترشحين، سألناه عن رأس القائمة فاتضح أنها السيدة ''زروقي هدي'' زوجة رئيس الحزب ''طالب محمد الشريف''! تقدمنا قليلا نحو مقر الجبهة الوطنية الجزائرية، هذه المرة لم يكن من الصعب اكتشاف أن هناك صلة قرابة تربط رأس القائمة، باعتبار أن لقب صاحبها هو ''تواتي''، اسمه ''مسعود'' وهو أخ رئيس الحزب ''موسى تواتي''· مقر المداومة هو محل صغير ما زالت لافتته تشير إلى كونه محلا لبيع ''المرطبات والمثلجات''، الحانوت تم تحويله منذ ثلاثة أيام فقط إلى مداومة للحزب، كان العضو المشرف عليه ''موساوي مصطفى'' مترددا ومرتبكا، لربما كانت أول مرة يتعاطى فيها مع الصحافة، كلّم المترشح ''عبد الرحمن'' الذي أعطانا بعض التفاصيل الخاصة بافتتاح المداومة، وعدا ذلك بدا ''موساوي'' مستعدا لتقديم الخدمة، أراد أن يدلنا على مقرات مداومات الأحزاب الأخرى... تحيا الروح الرياضية الانتخابية التشريعية! تقدمنا قليلا، وجدنا مداومة لجبهة التحرير الوطني، كنا على وشك الدخول عندما سمعنا صوتا ينادينا من طرف الشارع الآخر ''واش خو؟''، دخلنا ولم نعر الصوت انتباها، جاء الشاب خلفنا وحينما سلم قلت له ''أرى أن المقر لا يحوي أي أشياء قابلة للسرقة، فلمَ النداء؟''، اعتذر وقال إنه يجلس بالخارج لأنه لم يتحصل على مكتب وكرسي. هو الشاب ''حماي كريم'' عامل مخزن، منضم منذ ثلاث سنوات إلى الحزب، وحاليا مسؤول عن مداومة من أصل خمس مداومات للجبهة بباب الوادي، هو مقر لم يؤجره صاحبه منذ خمس سنوات (ربما منذ الحملة الانتخابية السابقة) يقول ''كريم'': اهناك إقبال من طرف المسنين الذين أبدوا تفاؤلهم بوجود متعلمين ومثقفين في اللائحة الانتخابية، أما الشباب الذين يتقربون من الحزب فعادة من أجل طرح انشغالاتهم بخصوص السكن والعمل''، حقيقة لم نرَ شبابا ولا مسنين داخل المقر، فقط كان هنالك شاب معاق ذهنيا تجره والدته، لكنه أصر على دخول المقر من أجل الحصول على ملصق من ملصقات الحملة، ترى ما سيكون مصير ذلك الملصق الذي تحصل عليه؟ شامانوف تؤكد أزمتي السكن والشغل غيّرنا الوجهة نحو ساحة أول ماي، وبدأنا من المقر الوطني ل ''جبهة الجزائر الجديدة''· سبق وزرنا هذا المقر، كان حينها عامرا، لكننا وجدناه خاليا هذه المرة إلا من ساكنيه. لمن لا يعرف المقر الوطني لجبهة ''بن عبد السلام''، نشير إلى أنها شقة من غرفتين. تقول ''فايزة رناعي'' عضو المكتب الوطني (أستاذة تعليم ثانوي) أن الحزب لم يقبل ''أصحاب الشكارة'' حتى يكتري مقرا بعشرين مليونا شهريا. الحقيقة أن المقر على صغره بدا واسعا لأنه كان فارغا من الزوار، مناضلو الحزب مشغولون بالتنسيق بين المقر المركزي للحزب، والمناضلين المتحركين مع رئيسهم في جولات ولائية، وحينما سألنا ''رناعي'' عن المداومات أجابت: ''إمكانياتنا لا تسمح بكراء مقرات للمداومة، لكن لدينا مكاتب بلدية قارة، حاليا غطينا 35 بلدية من أصل 57 في العاصمة، نحن نركز على العمل الميداني ونجني ثماره، بعد كل لقاء ولائي مصحوب بتغطية إعلامية من التلفزيون، يتقرب منا مواطنون للحصول على البرنامج المفصل للحزب''· وعلى عكس ما لاحظناه من تخريب طال ملصقات كل الأحزاب بما فيها ''جبهة الجزائر الجديدة''، أكدت ''رناعي'' أن ملصقات الحزب كانت بمنأى عن العبث! بعد ذهاب وغدو في محيط ''دار الصحافة'' تمكننا من الوصول بصعوبة إلى المقر الولائي لحركة مجتمع السلم، من بعيد كان ''عمار غول'' يلوح بيده، أقصد صورة ''عمار غول'' في ملصق ''تكتل الجزائر الخضراء''· دخلنا إلى المقر الواسع المعلق على جدرانه لافتات، خصصت للاحتفال بمرور عشرين عاما على تأسيس الحركة· تقريبا لو نزعت ملصقات الحملة الانتخابية، لما كان هنالك من دال على كون ''حمس'' طرفا في تكتل انتخابي، المقر تم الانتقال إليه منذ فترة قصيرة بعد مشاكل انزلاق التربة ب''بوفريزي'' أين يقع المقر الأصلي، قلت لمدير المكتب الولائي ''بوسعادي محمد'' (إطار بوزارة السياحة): ''لا تنسوا من تركتموهم خلفكم، الخطر لم يذهب برحيلكم''· كان المقر كبقية المقرات فارغا إلا من مناضلي ''حمس''، بالنسبة ل''بوسعادي'': ''الحملة الانتخابية يجب أن تسير بصورة تصاعدية، لتبلغ ذروتها في الأيام الأخيرة، بالنسبة لنا ليس هدفنا استقطاب الناس إلى المقرات، بل نحن من يذهب إليهم في زيارات ميدانية· حاليا نقوم بتغطية من بلديتين إلى ثلاث يوميا، ندخل أحياءها الشعبية لنتعرف على مشاكل مواطنيها· المشاكل المتواترة متعلقة بأزمتي السكن والشغل، هذان المشكلان من أولوياتنا، أما بقية الأزمات ذات الطابع الاجتماعي والعمراني فهي من اختصاص المجالس البلدية''، وعندما عقبنا بأن مشاكل الماء والطرق المهترئة وغيرها، هي مشاكل محورية مثلها مثل أزمتي السكن والشغل، تدارك ''بوسعادي'' بالقول: ''لدينا منتخبين بلديين، ومكاتب بلدية تستمع إلى هذه الانشغالات على مدار السنة''· هنا رددنا بأن أزمتي السكن والشغل هي أزمات قديمة، فما الاكتشاف الجديد إذا ما قامت قيادات الحزب بتسجليهما، يجيب ''بوسعادي'' محافظا على هدوئه: ''ليس هناك من جديد، نحن نقوم بعملنا كالمعتاد من أجل استقطاب الناخبين· العزوف عن المشاركة سببه التزوير الذي تم في الاستحقاقات السابقة، وليس بسبب إخلال نوابنا بالتزاماتهم''· على بعد أمتار من مقر ''حركة مجتمع السلم'' تقع مداومة ''جبهة المستقبل''، استقبلنا المحامي ''ايفور رشيد''، ''رشيد'' رغم كونه كفيفا، إلا أن هذا الأمر لم يمنعه من أن يكون الرجل رقم 02 في لائحة العاصمة، نشيط جدا· كان علينا انتظار عودته من واحدة من جولاته اليومية· يقول ''رشيد'' عن فلسفة المداومات في حزب المستقبل: ''نحن نفتح مداومات بأبناء الحومة، من الطبيعي أن يستمع إلى المواطنين واحد منهم· لدينا مدوامات عديدة يتم التحضير لافتتاحها بتيليملي، وشارعي طنجة وميلوز، سيحضر رئيس الحزب ''بلعيد عبد السلام'' لافتتاحها بنفسه··· المقرات تلعب دورا مهما في استقطاب الناس، رغم أن الإقبال محتشم نوعا ما، لكننا متفائلون ولدينا برنامج للحملة سنطبقه ابتداء من الأسبوع الثاني''· وعن استعداد الناس للتصويت يقول ''رشيد'': ''لست ديماغوجيا، يمكنني القول أن من قابلتهم لديهم استعداد للتصويت''، وعن الملصقات التي لم يتم تعليقها في جميع الأماكن المخصصة يقول: ''اليوم هو يوم مخصص لاستكمال عملية تعليق الملصقات، كما سبق وقلت لدينا برنامج للحملة وسنطبقه''·