''شاطو، فيلا، ميزون، قربي''، أغنية طفولية مرفقة بلعبة ساذجة، غرضها استقراء بيت المستقبل· بيوت الأحزاب وواجهاتها هي مقراتها، طبعا زيارتنا الاستطلاعية التي قادتنا إلى مقرات بعض من الأحزاب الجديدة المعتمدة مؤخرا لم تقدنا إلى كثير من المفاجآت، حيث لم يكن لا القربي ولا الشاطو حاضرين، لكننا وقفنا على بعض الملاحظات المتعلقة بالإمكانات اللوجستية، ومدى تأثيرها على التحضير الحسن للاستحقاقات التشريعية المقبلة· الجدير بالذكر أن معرفة مقر حزب من الأحزاب الجديدة في الجزائر تتم بطريقتين متطرفتين، فيكون الأمر أحيانا سهلا جدا، حينما يتوفر عنوان دقيق، إضافة إلى معلم شهير للتدليل على المكان (وأحيانا مساعدة من أحد المناضلين)، وإما يكون الأمر أشبه ''بالبحث عن إبرة في كومة قش''، وفي هذه الحالة تتحالف حواس الصحفي والسائق العليم بالطرقات والمصور صاحب العين المخزنة لتفاصيل الأمكنة، للوصول إلى الوجهة الصحيحة. ثلاثة أحزاب، ثلاث شقق وسط العاصمة السير من ساحة أول ماي إلى شارع زيغوت يوسف يقود إلى اكتشاف ثلاثة أحزاب: جبهة الجزائرالجديدة، حزب الفجر الجديد وحزب الحرية والعدالة. البداية تكون من البناية المقابلة لوزارة الشباب والرياضة، حيث تكتري جبهة الجزائرالجديدة شقة صغيرة من غرفتين، ليس هناك بمقر الجبهة كثير يذكر، غرفة أولى هي قاعة للانتظار تستغل كذلك كمكاتب للسكرتارية ومسؤول التنظيم والكاتب العام الذي لا يداوم فيه بشكل مستمر، نظرا لتنقله الدائم بين العاصمة وتلمسان، وغرفة ثانية هي مكتب صغير لرئيس الحزب جمال بن عبد السلام. ليست هناك من تجهيزات تدل على حالة مادية ميسورة للجبهة الحاصلة على الاعتماد مؤخرا، وحتى نصف المقر بألفاظ أكثر دقة، ضيق مساحته وغياب التجهيزات يدلان على حالة مادية متردية، والسبب يعود -حسب رئيسها جمال بن عبد السلام- إلى رفضه للمال السياسي وشراء المراتب الأولى في القوائم من قبل رجال الأعمال مقابل مبالغ مالية مغرية. ونظرا لكون المقر لا يتسع حتى لأعضاء المكتب الوطني، وباستثناء استقبال بعض أعضاء المكاتب الولائية، وبعض المواطنين الذين يتوافدون على الحزب، من حين لآخر، رغبة منهم في الإطلاع على برنامجه، فكل النشاطات تقام خارج المقر في قاعات تؤجر للندوات الصحفية والتجمعات الشعبية، وحينما سألنا مسؤول التنظيم هواري ولد علي عمن يمول الكراء، أجاب ''تمويلات المناضلين البسيطة''، وعن جدوى كراء قاعات بمبالغ كبيرة في حين أن المقر هو شقة من غرفتين، أجاب ''لدينا أولويات، كنا منشغلين بموضوع الاعتماد، والآن نحن ندرس عملية التمويل، ربما مستقبلا سننتقل إلى مقر أوسع'' وبالاتجاه إلى شارع ديدوش مراد، وبالضبط في الطابق الأول للبناية رقم 3 (من العناوين القليلة الدقيقة للأحزاب التي زرناها)، نجد مقر حزب الفجر الجديد الذي يرأسه الطاهر بن بعيبش، المقر الذي لا يختلف كثيرا عن مقر جبهة الجزائرالجديدة إلا في كونه شقة من أربع غرف، تحوي مكتبا للرئيس، مكتبين للأعضاء، وقاعة للاستقبال، ليست هناك من تجهيزات كبيرة، أو أشياء تسترعي الانتباه. نواصل سيرنا باتجاه البريد المركزي، وننعطف يمينا باتجاه شارع زيغوت يوسف، العنوان رغم دقته (بناية رقم 23 الطابق الثاني)، ورغم كونه قريبا من المقر الوطني للكشافة الجزائرية، إلا أن الأمر الغريب هو عدم تمكننا من إيجاد مقر الحزب، كأنه طمس أو مسخ أو اجتث من مكانه، وبعد طلوع ونزول بين طوابق البناية، خرجنا منها وتقدمنا بضع خطوات لنجد بناية أخرى تحمل نفس الرقم، والجيد أن لوحة باسم الحزب كانت معلقة على المدخل! ومثلما كانت هناك بنايتان تحملان نفس الرقم، فالحزب له مدخلان لشقتين مفتوحتين إحداهما على الأخرى، ومن ثم أصبح للحزب مقر من ست غرف. كنا جالسين على الكراسي الموضوعة بجانب صورة كبيرة لرئيس الحزب محمد السعيد، نتأمل الطراز القديم للأبواب، والطلاء الترابي المتماهي تماما مع بناية كولونيالية يعود تاريخ بنائها إلى القرن التاسع عشر، حينما سمعنا صوت مسؤول إعلام الحزب مصطفى هميسي يسأل من وصفها ب ''ابنته'' عما إذا كانت القهوة حاضرة، استقبلنا في مكتبه الخاص الذي وضعت عليه قصاصات من عناوين وطنية تحوي نشاطات الأحزاب السياسية الجزائرية، وقد بدا موقف هميسي متناسقا جدا مع التصريح الشهير لرئيس الحزب الذي قال ''مقر الأرندي كافٍ لإيواء كل الأحزاب'' فقد أبدى استياء بخصوص استفادة الأحزاب القديمة من مقرات، في حين يرى أنها لم توفق في إنشاء ساحة سياسية حقيقية، وطالب السلطات بتسهيل ودعم كراء مقرات من شركات القطاع العام. وفي نهاية الحديث القصير، تجولنا في مقر الحزب المكون من قاعة للاجتماعات تتسع لعشرين شخصا تحوي طاولة كبيرة، مكتبا للإعلام، سكرتارية مجهزة بكل ما تتطلبه مستلزمات العمل، مكتب التنظيم والإدارة، مكتب المالية ومكتب الرئيس الكبير والأنيق بطاولاته المتعددة، وأثاثه الفاخر. باختصار مقر الحزب يدل على وضعية مادية معقولة جدا، ومن باب العلم بالشيء المقر مؤجر. اخرج من وسط العاصمة وتحصّل على فيلا كان سائق الجريدة الشاب ''خالد'' (لا علاقة له بالمطرب المعروف) يبتسم حينما أسرد عليه وجهاتنا المقبلة، فالعناوين لم تكن دقيقة أبدا، وكانت أقرب إلى النكات منها إلى عناوين، مقر حزب في وادي حيدرة، وآخر في بوشاوي، وثالث في زرالدة، وحينما استصعب أمر إيجادها، أخبرته بأن الأمر ليس بأكثر صعوبة من البحث عنها في الأنترنت والفاكسات الواردة إلى رئاسة التحرير، تصوروا فاكسا يرد إلى الجريدة ولا يحوي عنوانا لمرسله، ولا حتى رقم هاتفه! هكذا توجهنا إلى وادي حيدرة، وتحديدا إلى مقر الحركة الشعبية الجزائرية التي يرأسها عمارة بن يونس، كان علينا العودة في وقت لاحق نظرا لغياب المكلفين باستقبال الضيوف من إعلاميين ومناضلين. ومن وادي حيدرة انتقلنا إلى بوشاوي، كان دليلنا الزميل عبد اللطيف بلقايم، أرشدنا هاتفيا إلى مكان تقريبي لمقر حزب العدالة والتنمية، كان علينا الخروج من الغابة، والانعطاف يمينا إلى حيث يقع فندق دار الضياف، مقر الحزب هو فيلا من ثلاثة طوابق، فيلا متطاولة في البنيان دون أية ميزة خاصة، فيلا على الطريقة الجزائرية، مجرد فيلا! كانت هنالك سيارات كثيرة مصطفة أمام المقر، عرفنا لاحقا أن أعضاء المكتب الولائي للجلفة يقومون بزيارة لرئيس الحزب عبد الله جاب الله، صعدنا وسط ظلمة ناتجة عن انقطاع للكهرباء إلى الطابق الأول، وبمجرد أن دخلنا إليه واجهنا مصلى مفروش بحصائر غير متناسقة في اللون والشكل، كان المقر تقريبا فارغا إلا من رجلين لم يعيرا لوجودنا أي انتباه، وربما اعتقدا بأننا من جماعة الجلفة! كان علينا أن نكون ميالين إلى التطفل وانتهاك الخصوصية في ظل غياب مرشد أو مكتب استقبال، وبالتالي صعدت برفقة المصور إلى الطابق الثاني الذي هو نسخة طبق الأصل عن الطابق الأول، ومن الطابق الثاني الذي لم نجد فيه مستقبلا، واصلنا إلى الطابق الثالث حين كان ''المنور'' المناضل في الحزب في استقبالنا، شرحنا له طبيعة العمل الذي نقوم به فعاد بنا إلى الطابق الأول لنبدأ جولتنا الاستكشافية. الطابق الأول يحوي قاعة انتظار واسعة، هي مجرد قاعة وضعت فيها كراسي على امتدادها، لفظ الجلالة منقوش على مدخل المصلى، الحمام نظيف رغم مصاحبة انقطاع الماء لانقطاع الكهرباء. قاعة العمل والمكاتب خاوية على عروشها، يقول ''المنور'' إن الأعضاء خرجوا لتناول وجبة الغداء، كانت الساعة حينها تقارب الثانية والنصف. الطابق الثاني يحوي مجموعة من مكاتب أعضاء المكتب الوطني، بالإضافة إلى مكتب للإعلام، وفي الطابق الثالث يوجد مكتب رئيس الحزب، مكتب نائب الرئيس وقاعة للاجتماعات. الحيطان بيضاء وخالية من أية معلقات، وباستثناء لوحة تحوي آيات قرآنية، وورقة تشير إلى منع التدخين وجدناهما في مكانين مختلفين، فإن بقية الحيطان كانت عارية إلا من اللون الأبيض، سألنا ''المنور'' عن منع التدخين فأجابنا ''هذا مكان عام''، عقبنا بأنه ليس مكانا عاما، فأصر على وصفه السابق للفيلا المؤجرة التي تجولنا داخلها وسط شعور بالتحفظ من جانب دليلنا. وهكذا حان وقت العودة إلى وادي حيدرة، تحديدا إلى فيلا جميلة جدا اتخذها الرئيس الجزائري الحالي عبد العزيز بوتفليقة كمقر للإعلام في حملته الانتخابية لرئاسيات ,2004 الفيلا التي تؤجرها حاليا الحركة الشعبية الجزائرية متخذة منها مقرا لها. لم نستغرب كثيرا استغلال الرئيس بوتفليقة لهذه الفيلا في رئاسيات ,2004 المعلومة التي أوردها لنا مراد بلوشراني القيادي في الحركة التي يرأسها عمارة بن يونس، فالتجول في مقر الحركة الفخم يؤكد مدى صحة اختيار الرئيس بوتفليقة، المقر المشكل من طابقين إضافة إلى الطابق الأرضي، يحوي مكاتب واسعة ومريحة تراوحت بين السكرتارية، مكتب التنظيم، مكتب نائب رئيس الحركة الذي يحوي خزائن وضعت فيها مختلف ملفات الحزب في ترتيب جيد حسب الولايات، مكاتب لأعضاء المكتب الوطني، مكتب لديوان الأمين العام ومكتب الأمين العام. وبالتوجه إلى الطابق الأرضي، لاحظنا اللوحات الفنية الجميلة المعلقة على حيطان المقر، وصلنا إلى قاعة الاجتماعات الواسعة التي تستغل كذلك لتجمعات يومية مصغرة بعد انتهاء ساعات دوام أعضاء المكتب الوطني، خارج التجمعات المقررة، يصف بلوشراني القاعة بأنها ''قاعة للراحة والاسترخاء'' كان الملف المطلوب للانخراط في الحركة معلقا على الجدار في ورقة مكتوبة بخط اليد وباللغة الفرنسية، سألنا مرافقنا عن السبب الذي جعل اللغة العربية غائبة، فأجاب ''كتبها في ساعة متأخرة من ليلة البارحة، وكنت سأكلف أحدا بترجمتها، نظرا لأن لغتي العربية ليست ممتازة، رغم هذا أنا أحاول تحسينها باستمرار'' وبما أن الحرص على استغلال كل ركن في المقر بدا واضحا، فقد اطلعنا على المستودع الذي تجري فيه أشغال تهيئة من أجل تحويله إلى قاعة لعقد الندوات الصحفية، مع تصور واضح لشكل المكان والتجهيزات. المقر كان الأحسن في جولتنا هذه، فإضافة إلى كونه مجهزا وحتى الأماكن غير الجاهزة فالأشغال جارية بها، فقد بدا أن هنالك رؤية واضحة لاستغلال المساحة، وحينما سألنا بلوشراني عن مدى سهولة الوصول إلى المقر، أجاب ''اختيارنا للمقر خضع لعدة مقاييس من بينها سهولة الوصول إليه، كما لاحظت هنالك أماكن لركن السيارات وهذا أمر مفقود وسط العاصمة، وحتى من لا يملك وسيلة خاصة للتنقل، بإمكانه الوصول إلى المقر بسهولة عن طريق وسائل النقل العمومية المتوفرة''، وهنا يتدخل مناضل آخر للقول ''شخصيا لا أستعمل سيارتي الخاصة، أفضل ركوب الحافلة خاصة مع توفرها الدائم''، كان يجيبنا واضعا سيجارة في فمه، وقد نبهه بلوشراني إلى منع التدخين، ومازحه بعد أن اكتشف بأنها غير مشتعلة، بالقول إن عقوبة مالية في انتظاره في حال خرق منع التدخين داخل المقر.