سيد قطب، تلميذ العقاد وواحد من أشد المتشيعين له ولأدبه وأفكاره وتوجهاته في النقد، والشاعر الذي سفه شعره بنفسه لاحقا واعتبر ما كتبه من قصائد / مجرد أبيات ساذجة لم تسلم من الخطأ اللغوي /، والقاص الذي اعترف بصعوبة فن القصة، والناقد المنحاز للواقعية الاشتراكية، سيد قطب / الماركسي/ في كتابه /معركة الإسلام والرأسمالية/، والمفسر في عمله الموسوعي، الجاد، العميق والضخم / في ظلال القرآن/· / طفل من القرية/، كما عنون سيرته الذاتية التي كتبها قبل رحيله/ إعدامه بعشرين سنة، بعد أن ذاق مرارة السجون كثيرا، قرية موشا، اللائذة بصعيد مصر قريبا من أسوان، الصعيد الذي قال عنه ايجلوود بأنه ينتج رجالا لا يضارعهم أحد في قدرتهم على الاحتمال· فهل كان سيد قطب واحدا من هؤلاء الرجال ذووا القدرة الفائقة على الاحتمال، هو الذي اضطرته الدرب التي اختارها لنفسه في آخر مشواره الفكري والحياتي أن يحتمل الكثير، بداية من دخوله سجن طرة ووصولا إلى لحظة إعدامه يوم 26 أوت .1966 ابن قرية موشا المنحدر من عائلة ذات أصول هندية، الذي سطع نجمه بالقاهرة التي كانت لحظة وصوله إليها في عشرينيات القرن الماضي كلوحة فسيفساء، مدينة كوسموبوليتية، حاملة لهم ووهم النهضة العربية وعائشة على ذكرى الأفغاني ومحمد عبده والمصلحين الكبار الذي حطوا الرحال بها هربا من ضيق أرضهم وبلادهم بهم وبأفكارهم، قاهرة ثورة 1919 التي وصفها باتريك جديس بأنها / دراما مستمرة عبر الوقت /، وقد عاش سيد قطب في خضم تلك الدراما داخل فوضى الأفكار التي آمن بها زمنا وتنكر لها لاحقا، هو الذي ارتحل كثيرا داخل ذاته وداخل معارف زمانه المختلفة ( أدب، نقد، فكر إسلامي سيد قطب الكاتب الذي أسس ( رفقة أبو الأعلى المودوي وأبو الحسن الندوي )لفكرة الجهاد ضد /جاهلية القرن العشرين / وأهلها، هو الخارج من الصعيد ليصنع مصير آلاف المهمشين من /خوارج الأزمنة الحديثة/ المسكونين بيوتوبيا الدولة الإسلامية القائمة على أساس حكم الله في الأرض، فهو الذي سعى من خلال خطابه الفكري حول المنهج الإسلامي إلى إعادة خلق العالم وفق النموذج الإلهي· سيد قطب الذي لا نذكره نحن الجيل الذي لم يزامن أفكاره سوى كواحد من ابرز المنظرين للفكر الجهادي في الوطن العربي، ولا نذكر من كتبه - بالكاد- سوى كتابه الأبرز إعلاميا، والأقل عمقا وأصالة من الناحية الفكرية: /معالم في الطريق/ الذي أراد / أن تعرف من خلاله الجماعة - المسلمة- طبيعة دورها وحقيقة وظيفتها···كما تعرف طبيعة موقفها من الجاهلية الضاربة الأطناب في الأرض جميعها /· ولد سيد قطب ذو الأصل الهندي سنة ,1906 وهي نفسها سنة مولد حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين التي ستحتوي سيد بعد عودته من أمريكا، والتي ستكون أفكارها السياسية رافدا مهما من روافد الفكر / التكفيري / عند سيد قطب، فهو الذي سعى ( كما سعى حسن البنا ) من خلال، وعبر خطابه الفكري إلى التأسيس لحكم الله في الأرض، مما جعل مقولاته الأساسية حول / الحاكمية/، /الجاهلية/، /الجماعة/ تستدعي فائض الجدل حولها، وفائض الحماسة في تقبلها والعمل بمقتضاها لدى أنصاره الذين توالدوا فرقا وجماعات بعد موته/ إعدامه، وفي رفضها من طرف الذين حملوا قطب وخطابه / التكفيري/ للمجتمع وزر بروز الجماعات الإسلامية الراديكالية، التي سعت، وعبر توظيف الكثير من العنف إلى إسقاط الأنظمة العربية في كل من مصر، الجزائر، سوريا، ليبيا، تونس···الخ· ونحن نستحضر سيد قطب، هل نكون منصفين له حين نتجاهل كل ارثه / الفكري والإبداعي/، ونختصره في شخص عراب دعاة التكفير الذين وضعوا مجتمعاتهم، وأتباعهم الموعودين بالحور العين على أبواب جهنم ؟!·