يجد المصلون المؤدّون لصلوات التراويح، لاسيما في مساجد العاصمة، راحة أكبر عندما يؤمّهم مقرئون شباب من ذوي الأصوات الجهورية والرخيمة، ولئن كان ذلك لا ينقص في شئ من مكانة أئمة المساجد ''الأكبر سنا'' والموغلون في الحكمة، إلا أن أعداد الركعات المتضمنة في صلاة التراويح تجعل المصلين يميلون أكثر نحو المقرئين الشباب الصادحون بتلاواتهم في الآفاق وفق ترتيل جيد يساعد أكثر في الخشوع أثناء الصلاة، وبعض المساجد أصبحت قِبلة للمصلين، لهذا السبب، دون غيرها في رمضان، إلى درجة أنها أصبحت ملأى بالمصلين القادمين إليها من كل حدب وصوب، إما مشيا على الأقدام أو بالسيارات. للوهلة الأولى يبدو مسجد الشهيد ''الربيع بوشامة'' بحي بلفور بالحراش، مسجدا تضيق به الأماكن لأداء صلاة التراويح ليلا خلال شهر رمضان، وفي الواقع فإن هذا المسجد يشهد كل ليلة إقبالا معتبرا من جانب المصلين لأداء صلاة التراويح، والسبب قد يكون أن هذا المسجد يقع في قلب نسيج عمراني مكتظ ومترامي الأطراف وشديد الكثافة السكانية، وهذا ما يعبّر عنه أحد المصلين الشباب (33 سنة)، رفض الكشف عن هويته، بقوله إنه يحب أداء صلاة التراويح بهذا المسجد لكونه ''قريبا من المنزل''، فضلا عن ''التخفيف'' الذي يعتمده مقرئو المسجد بتلاوة حزب واحد كل ليلة نزولا عند توجيهات وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، كما يقول. أكثر الشخصيات شهرة على مستوى هذا المسجد عند المصلين هو ''الشيخ فريد''، غير أن صلاة التراويح -كما استفيد من بعض المصلين- يتم ترتيل القرآن فيها من طرف مقرئين إثنين شابين، حيث لا يعيب المصلون عليهم شيئا من هذه الناحية، على اعتبار أن كليهما يملك صوتا حسنا ومخارج ألفاظ واضحة على نحو يمكن معه الاستماع إلى القرآن الكريم وتدبر معانيه. غير أن مصلٍ آخر وجدناه ذاهبا إلى هذا المسجد لأداء صلاة التراويح يؤكد أن مسجد ''الفتح المبين'' ببلدية الحراش أيضا، يعتبر أكثر اكتظاظا وبما لا يقاس إذا ما قورن بمسجد ''الربيع بوشامة''، والسبب في ذلك ليس سوى كون المقرئ ''توفيق'' هو من يؤم الناس في صلاة التراويح بهذا المسجد، حسبما يؤكد المتحدث ذاته، الشاب الذي يعمل كمحامي. وفي الواقع، فإن هذا المحامي يعترف دون حرج أن هذا المقرئ الشاب صاحب الصوت الدافئ والترتيل الجيد، يجذب بقراءته للقرآن مصلين ليس فقط من بلدية الحراش وحي بلفور تحديدا، ولكن أيضا -كما يقول- بلديات أخرى مجاورة تشمل الكاليتوس وبراقي وشراربة، كل يأتي بما يسر له، إن سيرا على الأقدام أو بالسيارات في منطقة يكاد يكون فيها النقل منعدما عند حلول الظلام. لقد لاحظت ''الجزائر نيوز'' ضمن جولة قامت بها في عين المكان مدى الاكتظاظ الذي يميز الصلاة في هذا المسجد إلى درجة بدا معها وكأن المصلين الموجودين خارج المسجد وعلى طول شارع يدعى ''الربيع بوشامة'' أيضا، هم أكثر من أولئك الموجودين داخل المسجد وبين جدرانه، وهي الحقيقة التي يعبر عنها هذا المحامي الشاب الذي قبل التحدث إلينا بخصوص هذا الموضوع بقوله إن ''أعداد المصلين خارج المسجد خلال صلاة التراويح تصل إلى خمسة أو ستة أضعاف ما هو موجود داخل المسجد الذي تعتبر مساحته صغيرة نسبيا''. ويضيف المتحدث ذاته بقوله إن الإمام ''توفيق'' وهو على ما يبدو ينتمي إلى سلم الأئمة بوزارة الشؤون الدينية، يملك صوتا جيدا وبراعة كبيرة في المنطقة، وفق المتحدث ذاته لكونه موجود على مستوى مسجد ''الفتح المبين'' منذ سنوات، مما أعطاه الوقت الكافي لتثبيت حضوره في المنطقة، ولأن يجذب إلى قراءته الكثير من المصلين الذين أصبح المكان يعجّ بهم كل ليلة لأداء صلاة التراويح وإلى درجة أن بعض الشباب الذين وجدناهم في محيط المسجد استغلوا الفرصة لتنظيم توقيف سيارات المصلين مقابل بعض النقود. المقرئ يتلقى رخصة لشهر رمضان فقط أكد داحي محمد، وهو ابن حي بلفور أيضا، مقرئ سابق على مستوى مسجد ''الربيع بوشامة''، حيث سبق له وأن أمّ الناس في صلاة التراويح خلال رمضان من سنتي 2000 و,2001 أن المقرئ في صلاة التراويح لا يُشترط فيه أن يكون إماما تابعا لسلك الأئمة بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، بل أن يكون فقط حافظا للقرآن الكريم، وقال أيضا إن المقرئ يخضع أولا لتزكية من إمام المسجد قبل أن تجرى له (أي المقرئ المترشح لصلاة التراويح) مقابلة مع مفتش من مصالح وزارة الشؤون الدينية والأوقاف حتى يتم التركيز خلال هذه المقابلة على مدى حفظه للقرآن، وإذا حظي بموافقة المفتش، تمنح له رخصة صالحة لشهر رمضان فقط من أجل أن يؤم الناس في صلاة التراويح. وأشار داحي محمد إلى أن بعض المقرئين يتلقون أموالا لقاء تلاوتهم من خلال ما يعرف ب ''اللمة'' في المساجد، في حين أن آخرين، لا يتلقون أموالا، حسبما أكد المتحدث ذاته، وقال إن إقبال المصلين على الاستماع لتلاوة هذا المقرئ من ذاك، يتوقف أولا وقبل كل شيء على مدى إخلاصه وحسن سلوكه بين الناس، وبعدها -كما يقول- يأتي العامل المرتبط بصوت المقرئ وآداؤه في مجال تلاوة القرآن الكريم وترتيله. وأورد ذات المتحدث بعضا من أحاديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) فيما يتعلق بإمامة الناس داخل المساجد، مشيرا إلى أن أحد هذه الأحاديث يشير إلى أنه ''يؤم الناس أقرؤهم لكتاب الله''، وفي حديث آخر ''يؤم الناس أقدمهم هجرة''، حيث يشير الحديث الثاني للرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى أهمية تحكم من يؤم الناس في المساجد، في مختلف الجوانب الفقهية، يقول دائما داحي محمد. وحسب المتحدث ذاته، فإن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قد رغب في الصوت الحسن عندما يتعلق الأمر بتلاوة القرآن بدليل حديثه الذي يقول فيه ''تغنوا بالقرآن فليس منا من لم يتغن بالقرآن''، يعني تجويدا وترتيلا، كما قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) لأبي موسى الأشعري، وكان بارعا في تلاوة القرآن، ''أوتيت مزمارا من مزمار آل داوود'' حين كان النبي داوود (عليه السلام) يقرأ زابوره والطير تسبح معه، حسب داحي محمد. ''ياسين'' جوهرة المقرئين في مساجد العاصمة ولا يتردد ذات المتحدث في التأكيد على أن ''ياسين'' وهو مقرئ مسجد ''عبد اللطيف سلطاني'' بالقبة القديمة بالعاصمة، يعتبر أحسن مقرئ، حاليا، ليس على مستوى العاصمة فقط، ولكن على المستوى الوطني بأكمله، وفق داحي محمد، الذي يقول إن هذا المقرئ صاحب الصوت الجيد والترتيل المتميز سبق له وأن أمّ المصلين بدولة الإمارات العربية المتحدة. ولم يكن مفاجئا، وعلى هذا الأساس، أن نصادف تلك الجموع الكبيرة من المصلين في إحدى ليالي رمضان أثناء أداء صلاة التراويح، داخل وفي محيط مسجد ''عبد اللطيف سلطاني'' بالقبة القديمة. وداخل المسجد كان المكان مكتظا فعلا بالمصلين إلى درجة أن عددا منهم لجأ إلى الصلاة في محيطه الخارجي، وعلى مسافة عدة مئات من الأمتار من المسجد، لاسيما باتجاه ''حي اريدي'' الراقي، يلفت الانتباه منظر عشرات السيارات، حتى لا نقل المئات منها، الرابضة في كل مكان وحتى على الرصيف الذي يتوسط الطريق المزدوج الرابط بين القبة وبن عكنون. يحدث ذلك كله في ظل مجهودات كبيرة يبذلها أعوان الطرق الموجودين عند مداخل القبة القديمة، من أجل تنظيم محكم لحركة مرور السيارات التي بدت كثيفة بالمكان خلال ليالي رمضان. ويؤكد أحد المصلين، رفض الكشف عن هويته، أن صوت المقرئ ''ياسين'' الحسن والطريقة الجيدة التي يعتمدها في ترتيل القرآن الكريم خلال صلاة التراويح جعلت الكثير من المصلين ومن مختلف مناطق العاصمة، يأتون ليلا إلى مسجد ''عبد اللطيف سلطاني'' بحثا عن خشوع أكبر وأجواء روحانية تسمح بالتدبر جيدا في معاني القرآن الكريم. خلال شهر رمضان الكريم، وبخصوص صلاة التراويح على وجه التحديد، يجتهد أئمة المساجد وأعضاء لجانه الدينية في استقدام مقرئين يكونون محل استحسان المصلين على ما يبدو، فترتيل القرآن يتم على مدى ليال شهر كامل وبمدة زمنية في حدود الساعة الواحدة كل ليلة، مما يجعل الترتيل الجيد للقرآن وبصوت حسن أمرا له مكانته في الموضوع. وفي مسجد الإمام ''عبد الحميد بن باديس'' (رحمه الله) بحي ديار الشمس، استقدم هذا العام مقرئ بارع على ما بيدو من ولاية المدية، حيث يؤكد أحد المصلين من هذا الحي الموجود ببلدية المدنية بأعالي العاصمة، أن صوت هذا المقرئ هو صوت دافئ بالفعل، فضلا عن قراءته الجيدة للقرآن الكريم. ويقول المتحدث ذاته إنه لكون هذا المقرئ من ولاية أخرى، ومن باب حسن الضيافة، يتداول سكان الحي يوميا (أو على الأقل ما بقي منهم على اعتبار أن الحي خضع، مؤخرا، لعمية ترحيل كبيرة) على إفطار هذا المقرئ ضمن مشهد تضامني كبير يتماشئ مع الروحانية التي تميز شهر رمضان الكريم. ورغم ذلك، فإن في هذا المسجد متسع كبير لأعداد إضافية أخرى من المصلين خلال أداء صلاة التراويح، وللوهلة الأولى يبدو هذا الوضع منطقيا لكون ضغط الكثافة السكانية قد خف كثيرا بفعل عمليات الترحيل التي مست الحي، مؤخرا، وعلى نحو انعكس على أعداد المصلين بهذا المسجد. لكن المتحدث ذاته يقول إن ذلك ليس السبب الوحيد على اعتبار أنه هناك سبب آخر مرتبط بوجود مقرئ لا يقل براعة عن مقرئ مسجد ''عبد الحميد بن باديس'' وذلك بمسجد لا يبعد سوى ربع ساعة مشيا باتجاه بلدية المرادية، حيث يؤمّ المصلين مقرئ آخر لا يقل براعة هو الشيخ ''حمزة''. وفي الواقع، فإن الشيخ ''حمزة'' يرتل القرآن في صلاة التراويح بالمسجد الموجود قرب قاعة السينما القديمة ببلدية المرادية، حيث تسمح بعض الشوارع الفسيحة المحيطة بالمسجد بركن عشرات السيارات، فضلا عن كون المسجد المذكور يملك عراقة كبيرة بالمنطقة، حيث سبق وأن أمّ المصلين فيه خلال السنوات الماضية الإمام المعروف لدى سكان المدنية والمرادية معا الشيخ ''المكي''. وعلى مستوى المسجد الكبير بعين البنيان، غير بعيد عن السوق المركزي للمدينة، بدا حضور المصلين لأداء صلاة التراويح كبيرا فعلا في إحدى ليالي رمضان، إلى درجة أن الباحة الواسعة جدا التي تقع عند مدخل المسجد، غصت بالمصلين عن آخرها. ويقول أحد المصلين بهذا المسجد، إن حضور ''محمد الشيخ'' وهو أحد الفعاليات الدينية المعروفة في بلادنا ليؤمّ الناس في صلاة التراويح بهذا المسجد، بالتداول مع مقرئ شاب آخر يدعى ''عبد الوهاب'' كان له دور في استمرار إقبال الناس على أداء صلاة التراويح بهذا المسجد، يحدث ذلك رغم أن عدد المصلين بهذا المسجد قد تناقص كثيرا خلال السنوات الأخيرة، وفق المتحدث ذاته، الذي يؤكد أن السبب في ذلك يعود فقط إلى كون الأحياء المحيطة بوسط مدينة عين البنيان، قد شهدت خلال السنوات الأخيرة بناء العديد من المساجد، وعلى نحو جعل سكان هذه الأحياء ينكفئون على الصلاة فيها دون التنقل إلى المسجد الكبير وسط مدينة عين البنيان. مسجد ''السُنة'' في باب الوادي إصطفاف المصلين وراء الشيخ ''صالح'' إعتاد الناس الاصطفاف، خلال صلاة التراويح بمسجد ''السنة'' في باب الوادي، وراء إمام المسجد الشيخ ''صالح''، فهم يفعلون ذلك بكثافة باعتبار صوته الجوهري وامتلاكه مخارج ألفاظ واضحة، وهي ميزات عرف بها هذا الإمام منذ حوالي 15 عاما عندما بدأ يؤمّ الناس للصلاة، هذا على الأقل ما يؤكده راشدي علي (30 سنة) ابن بلدية باب الوادي، الذي قبِل التحدث إلينا بعد إتمامه صلاة التراويح بالمسجد المشار إليه خلال إحدى الليالي الرمضانية، ويقول المتحدث ذاته إن هناك توزيعا محكما للأدوار في إمامة الناس بصلاة التراويح بالمسجد، يشترك فيه الشيخ ''صالح'' مع مقرئين إثنين آخرين شابين، فعندما يصلي الشيخ ''صالح'' بالناس، يشد أزره في بعض الوقت أحد المقرئين الشابين، وعندما يؤمّ أحد هذين المقرئين الشابين المصلين فإنه يُتم القراءة وحده إلى آخر ركعة من صلاة التراويح. يقول المتحدث ذاته، إن ضيق مساحة المسجد تجعل الناس لا ''يغامرون'' بالقدوم إليه من بلديات أخرى، حيث المكان مكتظ عن آخره خلال صلاة التراويح من كل ليلة وإلى درجة أن عددا من المصلين يلجأون إلى تأدية الصلاة في حديقة مجاورة على وقع مكبرات الصوت، مضيفا إن المصلين يصطفون خلال صلاة التراويح وراء الإمام ''الشيخ صالح'' قادمين إلى المسجد من الأزقة والشوارع المجاورة، لا سيما وأن الإمام المشار إليه معروف جدا في محيط المسجد، حيث يؤمّ الناس بذات المسجد منذ فترة طويلة، وفقا لذات المتحدث. وغير بعيد عن مسجد ''السنة''، وفي باب الوادي دائما، يوفر مسجد ''النصر'' مكانا أكثر اتساعا للمصلين بما فيهم أولئك الذين قد يأتون إليه من خارج البلدية، فهذا المسجد أكثر اتساعا، وقد ''يغري'' المصلين بالقدوم إليه من مناطق أخرى، لاسيما وأن الشوارع المحيطة بمسجد ''السنة'' ضيقة جدا ومكتظة بالسيارات، حيث لا تسمح لا هندسة المكان، ولا درجة الكثافة السكانية المحيطة بمسجد ''السنة''، باستيعاب أعداد إضافية من المصلين خلال صلاة التراويح.