لمّا سمع عليّ بن أبي طالب أصوات المؤمنين تنطلق بالقرآن تنطلق في صلاة التراويح قال »نوّر الله قبرك يا عمر مثلما نوّر بيوت الله بالقرآن«، وفي هذا اعتراف بفضل عمر في »سنّ« صلاة التراويح وتشجيعه المسلمين على أدائها عندما قال وهو يرى النّاس يُصلّونها جماعات جماعات »نِعمت البدعة هي«. حمزة هدنه واليوم ترتفع المساجد بالقرآن الكريم كل رمضان، وبما أنّ الرّسول صلى الله عليه وسلّم قد بارك في الأصوات الشجيّة التي تُحسن التغنّي بكلام الله، فقد بات النّاس يجتهدون في اختيار أحسن الأصوات لتُصلّي بهم التراويح، ويرون بأنّ هذه الأصوات تساعدهم في الخشوع وتزيدهم صبرا على الصّلاة. في مساجد العاصمة كلّها تقريبا وفي الجزائر جميعا، بات الإصرار حثيثا جدّا على »اصطياد« شباب من ذوي الأصوات الحسنة كي يؤُمّوا النّاس كلّ ليلة، فيرحلون بهم إلى الملإ الأعلى ويغوصون بهم في رحاب القرآن الكريم. ففي مسجد عرفات ببن عكنون يتداول شابّان صغيران على إمامة المُصلّين في التّراويح، وما يعجب له المرء، أنّ صوتي الشّابّين متقاربين كثيرا، حتّى إذا قام أحدهما مقام الآخر فلا تكاد تشعر بذلك من شدّة تشابههما، ومنذ أكثر من خمس سنوات لايزال هذان »الإمامان الصغيران« يقرآن القرآن بالنّاس. وفي مسجد »شوفالي«، يقرأ الشيخ عبد الرّحمان بالنّاس كل رمضان، وقد حباه الله بقدرة هائلة على تقليد إماميْ المسجد الحرام عبد الرّحمان السّديس وسعود الشّريم، فتشعر وأنت تُصلّي خلفه بأنّك تستمع لمقرئي الحرمين. وفي مسجد فارس بالقصبة يقرأ الشيخ عبد الودود القرآن في التراويح، وهو شابّ ذو صوت شجيّ، ويقول المتردّدون على مسجد فارس بأنّه »من المُستحيل أن يتخيّلوا رمضان وتراويحه من دون الشيخ عبد الودود«، فبصوت عبد الودود يمتلئ مسجد فارس عن آخره حتّى يفيض من أبوابه بجموع المُصلّين. لكن مسجد سيف الإسلام خالد بن الوليد في بلكور يعيش جوّا من الشّحوب، بسبب مغادرة مُقرئه صاحب الصّوت الحسن الشيخ عبد المجيد إلى البقاع المُقدّسة، ورغم أنّ المقرئين الجديدين يمتازان بأصوات جميلة جدّا ويصلّيان بالنّاس صلاة متّزنة متأنّية، إلاّ أنّك تقرأ في العيون تلهّفها وفي الآذان بحثها عن صوت عبد المجيد، فصوته يجعل أركان المسجد ترتجف والجلود تقشعرّ ثمّ تلين من حسن قراءة عبد المجيد لقرآن الله. في بلكور يعرف المُصلُّون بأنّ عبد المجيد مرتبط بمواعيد في الأراضِي المقدّسة، ولذلك لا يستغربون تغيّبه بين الحين والآخر ولفترات طويلة عن مسجد الحيّ، لكنّهم لا يُحبّون أن يغيب عنهم في رمضان ويتطلّعون لأن يسمعوا القرآن كاملا من عنده... وقد سمعنا امتعاضا من مرتادي مسجد خالد بن الوليد بعد أن علموا بأنّ عبد المجيد لن يكون معهم في رمضان هذه السّنة. غير أنّ الجديد في هذا الموضوع، هو هجران عدد غير قليل من المصلّين المساجد التي يقرأ فيها مُقرئون من ذوي الأصوات النّشاز، فمسجد عرفات في بن عكنون مثلا يعجّ بالمُصلّين بينما لا يحظى مسجد آخر بالإقبال نفسه، حتّى أنّك تسمع هذا الكلام جهرا من النّاس ولا يستحون من قوله على الملأ. مسجد آخر في قلب العاصمة، يشهد نزيفا كبيرا في صلاة التّراويح، حيث يُفضّل المُصلّون مسجدا آخر لا يبعد كثيرا عنه، والسبب هون الصّوت النّشاز دائما. هذه الظّاهرة التي تتكرّر كلّ رمضان، لابُدّ أن تسترعي انتباه القائمين على الشّؤون الدّينية في البلاد من الوزير إلى آخر سُلّم في هذا الجهاز، والرّجاء أن ينتبه مديرو الشؤون الدّينيّة إلى تصاعد هذه الظّاهرة، فيرفعوا تقارير إلى الوزارة حتّى تنتدب قُرّاء يُحسنون التغنّي بالقرآن لا قُرّاء ينفّرون النّاس من بيوت الله، يجب الاستمرار في تنوير مساجد الله بالقرآن كما فعل عمر كما تجب المحافظة على سُنّة هذا الخليفة الذي أعزّ الله به الدّين.