لا يزال عدد معتبر من الأساتذة الباحثين الجزائريين ممن استفاد من منح بالدول الأجنبية يرفض العودة إلى أرض الوطن، وقد بلغت نسبة هؤلاء 30 بالمائة إذا اعتمدنا معطيات قدمها مدير البحث العلمي والتطوير التكنولوجي عبد الحفيظ أوراق، أول أمس الخميس. وتحاول سلطات التعليم العالي والبحث العلمي عندنا أن تجذب هذه الكفاءات الموجودة في الخارج وفق ما هو متاح من إمكانيات ومن تحفيزات، وفي الواقع، فإن عدة معطيات أفرزها الواقع منذ سنوات أصبحت تشكل عوامل مساعدة في هذا الإطار، أهمها على الإطلاق هو تثمين أجور الأساتذة الجامعين وبعث ديناميكية قوية في مجال البحث العلمي منذ سنة 2008 مع صدور القانون الأساسي للأستاذ الباحث. وتبدو الظروف مواتية فعلا لجذب هؤلاء الأساتذة الباحثين إلى الجزائر إذا أخذنا بعين الإعتبار تداعيات الأزمة المالية العالمية على الكثير من الدول المتقدمة، وما قد يشكله ذلك من دافع إضافي لعودة هؤلاء إلى الجزائر، لكن المعطيات التي قدمها مدير البحث العلمي والتطوير التكنولوجي بهذا الخصوص تؤكد أن الأمور لم تفرز سوى نتائج محتشمة على اعتبار أن عدد الأساتذة الجامعيين العائدين من بلدان أجنبية لم يتعد 100 أستاذ باحث تم إدماجهم في منظومة التعليم العالي والبحث العلمي خلال السنة الجارية 2012، أما عدد طلبات الراغبين في العودة إلى أرض الوطن، فلم تتعد هذه السنة ال 400 طلب تعكف المديرية على دراستها قصد إدماج أصحابها في الجامعات الجزائرية. وفي الواقع أيضا فإنه لا يمكن اعتبار هذه النتائج سوى كونها محتشمة ومتواضعة بالنظر إلى العدد الهائل من الأساتذة الباحثين الذين غادروا أرض الوطن منذ الإستقلال، وهو العدد الذي يقدره رئيس النقابة الوطنية للباحثين الدائمين الزغبي سماتي ب 100 ألف أستاذ باحث قبل أن يضيف بأن حوالي 7 بالمائة منهم فقط - أي بواقع 7 آلاف أستاذ باحث- قد عادوا فعلا إلى البلاد. وتبدو المفارقة كبيرة فعلا، ففي الوقت الذي تضع مختلف التصنيفات الدولية - على غرار تصنيف شانغهاي - الجامعات الجزائرية في أدنى المراتب ووراء جامعات ليست حتى أوروبية أو أمريكية أو آسيوية، فإن نخبة واسعة جدا من الأساتذة الباحثين الجزائريين دوت شهرتها في الأفاق وأسامي معروفة على غرار اسم البروفيسور زرهوني في الولاياتالمتحدةالأمريكية أو إسم البروفيسور صنهاجي في فرنسا ليست سوى نماذج للتعبيرعن الأعداد الكبيرة من العلماء والأساتذة والباحثين الجزائريين من ذوي الأقدام الراسخة في العلوم والتكنولوجيا الموجودين بأرقى الجامعات العالمية. صحيح أن الأمور لا تزال بحاجة إلى وقت على اعتبار أن صدور القانون الأساسي للأستاذ الباحث لم يمر على صدوره سوى 4 سنوات، وصحيح أيضا أن بعض المعايير التي يضعها أصحاب التصنيفات الدولية لأحسن الجامعات مثل جوائز نوبل أو جوائز فيلد للرياضيات تبدو في غير صالح حصول الجامعات الجزائرية على مراكز متقدمة، لكن حتى هذه العوامل لا يمكن أن تفسر بشكل كاف مدى التأخر الذي أصبحت توسم به منظومة التعليم العالي والبحث العلمي الجزائرية على المستوى الدولي. والأهم من ذلك كله ربما هو تلمس طريق المستقبل واختيار أحسن المقاربات الممكنة لإعادة الأساتذة الباحثين إلى الجزائر ولا سيما عندما نعلم أن رئيس النقابة الوطنية للباحثين الدائمين يطرح مسألة تكوين الكفاءات والإطارات في الداخل بدلا من إرسال أحسن العناصر إلى الخارج، أما الأستاذ شربال فريد الأستاذ المحاضر في مجال الوراثة الجزئية والعضو السابق بالمجلس الوطني لأساتذة التعليم العالي - كناس - فيشير إلى انعدام التسيير الديمقراطي للجامعات عندنا فضلا عن تأكيده على ضرورة أن يصبح التعليم العالي والبحث العلمي.. أولوية في بلادنا.