في هذا المصاب الجلل لا يسعنا إلا أن نقول رحمة الله على الرئيس الشاذلي بن جديد وألهم أهله وذويه والجزائريين كافة الصبر والسلوان، كما يجب أن نقول إن كل وفاة عليها أن تذكرنا بأن كل من على هذه الأرض فانٍ، مهما يكن مستواه أو طبيعته وهذا الدرس الذي يجب ألا نننساه، جميعا، لذلك أود أن أقول ما كنت أشير إليه دوماً. “الرجال زائلون والخصائل باقيات"... رحمة الله عليه، أما ما يخص بعهده وتقييم تجربته فأعتقد أن الوقت الآن ليس مناسبا للحديث عنها، قد تكون هناك فرص قادمة للحديث والتقييم. الدكتور محي الدين عميمور (وزير سابق): الشاذلي العربي الوحيد الذي وقف ضد قرار غزو العراق باختصار شديد، الرئيس الشاذلي بن جديد عرفته الثورة الجزائرية مجاهداً في صفوفها ثم قادته الظروف إلى تحمّل أعباء رئاسة الجمهورية بشكل مفاجئ وغير معد له، حيث أن غياب الرئيس هواري بومدين المفاجئ لم يمهل أحداً إلى التهيأ للمنصب.. لكن للأمانة بذل الرئيس الراحل جهوداً كبيرة ورائعة من أجل أن يكون في مستوى المسؤولية التي أُلقيت على عاتقه.. وتمكن بجدارة من تسجيل اسمه ضمن أحسن رؤساء العالم العربي في تلك الفترة التاريخية الفريدة. ولعل من الأهمية بمكان أن أذكر انفتاحه على الآراء المخالفة وعلى الملاحظات التي كنا نسديها إليه ولم يكن يتضايق من ذلك نهائياً، الأمر الذي جعله يتعلم جيداً من الكفاءات التي كانت من حوله، هذا لا ينفي وجود أخطاء وتجاوزات معينة في تلك الفترة، لكن في الواقع أننا ظلمنا هذا الرجل بقدر أكبر مما قيمنا تجربته موضوعيا. ونذكر له ضمن إنجازاته أنه الرئيس العربي الوحيد ربما الذي وقف بصوت عالٍ ضد قرار غزو العراق في عام 1990. عبد العزيز رحابي (وزير الاتصال الأسبق): الشاذلي أعاد توازن السياسة الخارجية الجزائرية بين الشرق والغرب شخصياً أفضل أن أتحدث عن السياسة الخارجية للرئيس الراحل الشاذلي بن جديد (رحمه الله)، باعتباري ديبلوماسي التكوين و(مدير الصحافة في وزارة الخارجية، ثم سفيرا للجزائر في عهده). أعتقد أن الرئيس الشاذلي تمكن من إعادة التوازن في السياسة الخارجية الجزائرية بين المعسكرين الشرقي والغربي، بعد أن ظلت مرتبطة بالمعسكر الإشتراكي، وهو ما سمح بإعادة تحسين العلاقات مع كل من فرنسا والولايات المتحدةالأمريكية واليابان، وتمكنت السياسة الخارجية الجزائرية خلال تلك الفترة بفضل سياسة فض الاشتباك مع العوامل الإيديولوجية التي اتصفت بها في الفترة السابقة، من إعادة تشكيل ذاتها بشكل جديد. العامل الثاني: أدرك الرئيس بن جديد أن القضية الفلسطينية هي لب القضايا العربية، وبالتالي اهتم بها كثيراً ودعمها ماليا وسياسياً مما أهله للعب أدوار مهمة في هذا الملف الذي بدا جوهرياً في صناعة السياسة الخارجية الجزائرية. أما العامل الثالث: فهو ما يتعلق بإفريقيا حيث كان يعتبرها الشاذلي الامتداد الطبيعي والإستراتيجي للجزائر وبالتالي اهتم بتطوير العلاقات مع كافة الدول الإفريقية، بل وزار تقريبا كل دول القارة في زيارات ضمن التعاون الثنائي باستثناء جنوب إفريقيا مما مكنه من جلب 31 اعترافاً بالجمهورية الصحراوية من دول إفريقيا.