عندما تولّى الراحل بن جديد الشاذلي رئاسة الجزائر في أعقاب رحيل الرئيس هواري بومدين في 28 ديسمبر1978 كانت البلاد تتأهب لتغيير مسارها الإيديولوجي في الوقت الذي بدأت فيه رياح «البرسترويكا» تهب على الكرملن موطن السوفيات ومعقل المعسكر الشرقي ومقر قيادته العامة... جاء الشاذلي بن جديد قائد الناحية العسكرية الثانية إلى رئاسة الدولة في هذه المرحلة الإنتقالية الفاصلة الحاسمة لمّا دبّ السقم في جسد وأوصال العملاق الشرقي المتهلهل والمتضعضع وحَكَمَ المرحوم طيلة العشرية هذه التي سبقت الإنهيار الكلي والنهائي للكتلة الشيوعية الإشتراكية «كتلة الشرق» عندما سقط جدار برلين واختل التوازن العالمي وما الكيل قبل أن يَتَعَوْلَمَ العالم غداة تناثر جمهوريات ما كان يعرف قبل ذلك بالإتحاد السوفياتي. ولذلك، وفي هذا السياق بالذات حكم المرحوم الشاذلي بن جديد بمَا كان يجب أن يَحكم به أو لنقل أن الجزائر في تلك الفترة ببساطة احتكمت إلى تغيير الإتجاه قبل رياح التغيير التي اجتاحت المعمورة في آخر عشرية من القرن العشرين ومن ذلك قد يعيب (أو بالأحرى) قد أعاب الكثير منا الساسة والعارفون بالسياسة على الراحل الشاذلي بن جديد تحوله المفاجئ من الشرق إلى الغرب من الإقتصاد الموجه إلى الإقتصاد الحر... « من أجل حياة أفضل» ظل هذا الشعار يملأ الدنيا أيام المرحوم بهذه الجزائر التي إختارت (في نظرنا) وفي رأينا المتواضع كيف تسيّر دولتها بحكمة بعيدا عن أي تموقع إيديولوجي ومن أجل حياة أفضل ضريبة بالملايير وأحداث شاء القدر اليوم أن يرحل في ذكراها رئيس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية المرحوم الشاذلي بن جديد.. المرحوم الشاذلي بن جديد رئيس الدولة الجزائرية في الأخير جاء في مرحلة عصيبة وحكم في ظروف عصيبة وغادر الحكم في ظروف عصيبة وللأمانة فقط، فقد نجح الرجل في الإنتقال سلميا بالجزائر من النظام الواحد إلى التعددية ومن خصاله وما يحسب له تحمله مسؤوليات أحداث أكتوبر وعزمه العلني على الرحيل بهدوء،بصمت بحكمة. رحم الله فقيد الجزائر ورئيسها الأسبق واسكنه تعالى فسيح جنانه. إنا لله وإنّا إليه راجعون.