إلتقينا بالفنان والمسرحي البلجيكي بول لوريو بمدينة بجاية على هامش الطبعة الرابعة للمهرجان الدولي للمسرح حضره كضيف شرف، حيث اكتشفنا أنه تعامل مع كاتب ياسين وساهم بالترويج للقضية الجزائرية بالفن الرابع، وكان لنا معه هذا الحوار الذي يؤكد فيه أن الجزائر بلد شجاع ارتكبت في حقه فرنسا جرائم خطيرة، ويتطرق إلى أهدافه في الترويج للقضية الجزائرية بالمسرح. أنت ببجاية كضيف شرف في الطبعة الرابعة للمهرجان الدولي للمسرح، وقامت محافظة المهرجان بتكريمك عرفانا على ما قمت به تجاه الجزائر خلال العهد الاستعماري، ما هو انطباعك؟ أولا، أنا جد سعيد بتواجدي لأول مرة بالجزائر، هذا البلد الشجاع الذي تعلقت به من بعيد منذ شبابي، واليوم أبلغ من العمر 82 سنة ولا أزال أرتبط به، لقد حققت حلما كبيرا عمره عقود طويلة أحط قدمي على ترابه. وثانيا، أعترف أني أعجز عن تصوير سعادتي وفرحتي بهذا التكريم خصوصا أنه يصادف مناسبة غالية جدا بالنسبة للجزائريين ألا وهي الذكرى ال 58 لاندلاع الثورة التحريرية، وكذا احتفال الجزائر بالذكرى الخمسين لاستقلالها. ساهمت في الترويج للقضية الجزائرية من خلال إنتاج مسرحية مع كاتب ياسين، كيف جاءت الفكرة وأين تعرّفت على ياسين؟ منذ سنة 1958 تربطني صداقة مع المسرحي الفرنسي جون ماري شيرو، الذي له علاقة جيدة ومتينة مع كاتب ياسين، كانا يتعاملان معا في المسرح بفرنسا إبان الثورة التحريرية الجزائرية، وبفضل صديقي تمكنت من التعرّف على كاتب ياسين واكتشفت عمله المسرحي، ولا أخفي عليكم أني كنت مولع بالمسرح السياسي ولمست في عمل كاتب ياسين هذه الميزة، فرغم أنه كان يعمل بصفة أكثر في المسرح الشعبي إلا أن عمله في المسرح السياسي كان فريدا من نوعه، وبعدها قررت أن أعمل معه بهدف المساهمة في الترويج للقضية الجزائرية في المحافل الدولية بفضل الفن الرابع، لأني كنت من المساندين للبلدان التي تعرضت للاستعمار ومن المطالبين بالحرية، وكنت أرفض كل أشكال الاستعمار. هناك معلومات تشير إلى أن السلطات الفرنسية آنذاك منعت كاتب ياسين وجون ماري شيرو من إنتاج مسرحية سياسية تندد بالاستعمار، لكنك تدخلت شخصيا وساعدت هؤلاء على إنتاج هذه المسرحية، هل بإمكاننا أن نعرف كيف نجحت في ذلك؟ هذا صحيح، لقد واجه كاتب ياسين وصديقي جون ماري شيرو مشاكل كثيرة خلال إنتاج المسرحيات السياسية إبان الثورة التحريرية، وفي ذلك الوقت قررا العمل معا على مسرحية سياسية تعري الاستعمار، ورأت السلطات الفرنسية ذلك خطرا على سياستها، وقررت منعهما من إنتاجها. في البداية، بحثنا عن كل السبل التي من شأنها أن تجعل هذه المسرحية تنتج في فرنسا، لكن لم نفلح في ذلك، وبعدها اقترحت على كاتب ياسين وجون ماري شيرو أن نذهب إلى بلدي بلجيكا لننتج هذه المسرحية وكان موقفهما إيجابي، حيث نجحنا في المهمة وحققت المسرحية نجاحا كبيرا، وكتبت عنها أكبر اليوميات البلجيكية على غرار يومية “ليكسبريس" و"أوبسيرفاتور" وغيرها من الجرائد، وأتذكر أن هذه المسرحية أربكت السلطات الفرنسية بسبب الصدى الكبير الذي حققته. ما هي الذكرى التي لا تزال تحتفظ بها عن شخصية كاتب ياسين إلى يومنا هذا؟ كاتب ياسين رجل ذكي جدا ومبدع حقيقي صنع اسما من ذهب في المسرح، لأنه كان صريحا وجديا في عمله، وإلى يومنا هذا أحتفظ بجديته في العمل وكيفية تحليله للأوضاع، وأتذكر أيضا كيفية تعامله في إنتاج المسرحيات، حيث يهتم كثيرا بالمسرح الشعبي ويعطي أهمية كبيرة أيضا للمسرح السياسي، أغتنم هذه الفرصة لأشير إلى شيء حيرني كثيرا خلال الحفل الاستعراضي الذي تم تنظيمه في يوم افتتاح هذا المهرجان، وشهدت خلال القافلة رفع صور لفنانين وشخصيات مسرحية معروفة، لكن أتأسف لعدم مشاهدة صورة كاتب ياسين. كيف استقبلت اعتراف الرئيس الفرنسي الجديد فرنسوا هولاند بالجرائم التي ارتكبتها فرنسا في 17 أكتوبر 1961 في حق الشعب الجزائري؟ أحب كثيرا فرنسا رغم أني بلجيكي، فهذا الاعتراف يمنحني ثقة كبيرة في شخصية فرنسوا هولاند وفي الدولة الفرنسية الحالية عموما، لأن هذا الاعتراف أعتبره بالصائب وجدّ إيجابي وشجاع، وأرى أن هذا الاعتراف يمهد لاعتراف فرنسا بجرائمها الخطيرة التي ارتكبتها خلال الحقبة الاستعمارية في حق الشعب الجزائري، وكذا في كل البلدان التي استعمرتها. وأعتقد أن هذا الاعتراف، ورغم أنه جاء نوعا ما متأخرا، يمكن له أن يعزز العلاقات الجزائرية الفرنسية ويمنح الفرصة أكثر في المستقبل لمناقشة القضية التاريخية بين البلدين بشكل صريح وجدي ويفتح الأبواب لقضايا أخرى سياسية واقتصادية واجتماعية. وماذا عن الانتقادات التي يتعرّض لها هولاند من طرف خصومه السياسيين داخل فرنسا حول هذا الاعتراف؟ القاعدة السياسية تقول إن الخصم يبحث دائما عن حجة لمحاولة تشويه صورة خصمه لخدمة أهداف سياسية، لكن أؤكد أن هولاند وبفضل هذا الاعتراف حقق وعدا قطعه خلال حملته الانتخابية، فهنا تظهر نيته في محاولة لتحسين العلاقات وإيجاد حلول لتجاوز الخلافات التاريخية، وأعتبر هذا الاعتراف التاريخي نجاحا يحققه هولاند للحزب الاشتراكي، ولن ينجح خصومه السياسيين بانتقاداتهم لأن الحقيقة التاريخية معروفة والشعب الفرنسي واعٍ. كلمة تريد أن تقولها بمناسبة زيارتك الأولى للجزائر؟ أحيي الشعب الجزائري على هذه الالتفاتة الطيبة وعلى هذا التكريم المميز الذي جعلني أعيش أوقاتا جد سعيدة، كما أحيي هذا الشعب العظيم والبطل والشجاع الذي يؤكد في كل مرة أنه يبحث عن العيش في حب وسلم وأمان.