يزاوج الحكواتي التونسي صالح السويعي المرزوقي، بين الحكاية والرقص والحكمة المستخلصة من كل موقف إنساني ينسجه أمام الملأ. رجل في عقده السادس، لا يكل ولا يتعب من حمل قصصه المؤلفة من بلدة إلى بلدة، يقطع بها الحدود لينشر غبار الخيال السحري الذي بدأت العقول تفتقر إليه. من الجنوب التونسي، ما زال سي صالح يتحدث بلهجته الخاصة، يرقص باحتشام دون أن ينزع منك لحظة الاستمتاع بالريتم. لا تصدق أن الذي يلبس العباية الزرقاء البسيطة والشاشية التونسية الحمراء، سيحول خشبة القاعة الصغيرة إلى حلقة تتلى فيها حكاية تلوى الأخرى، ومن شخصية إلى ثانية، يرسم الحكواتي ملامحها من محض خياله الإبداعي، فهو قبل كل شيء فنان تشكيلي يشتغل على الحرف ويحاول أن يعطيه مدلولا مغايرا لاستعمال الأبجدية العربية بأشكال جديدة. كان ذلك واضحا من خلال اللوحة التي علقها خلفه كواحدة على أعماله التي عرضها، مؤخرا، بقرطاج بعنوان “الحروفية على الجلد"، وهي خلاصة بحث شخصي حول كيفيات إدماج عناصر تراثية في المحيط الحديث والاستفادة منه. ومرزوقي معروف في الوسط المسرحي باستعانته بهذا الميول الفني، ليؤلف مسرحيات ويخرج أخرى، فاتحا الباب واسعا للفرجة والكاريكاتير والنحت والزخرفة والجداريات. تتيقن سريعا أن السويعي مجيد للغة الضاد، أصلا الخط العربي مرجعيته، أما الطبيعة فهي البيئة التي يحب أن تجور فيها حكاياته التي يؤلفه شخصيا: “بحوزتي حوالي ثلاثين قصة ستصدر في كتاب بمناسبة معرض تونس الدولي للكتاب، علما أن أفكار الحكاية عندي استمدها من الأمثال الشعبية والحكم وأشعار عبد الرحمن المجدوب"، يقول القوال والحكواتي ل “الجزائر نيوز". كان العام ألفين السنة التي عانق فيها سي صالح هواية القوالة، اكتشف أن الحياة يمكن أن تروى في شكل قصص قصيرة على طريقة الأجداد، وباستعمال الأغنية والرقص وحكمة الأولين ليقول حقيقة الإنسان في مواجهته اليومية للحلم، الخيبة، الأمل، العمل والبطالة. على عكاز صلب يتكأ هذا الرجل الستيني، ويقول بصوت مسموع طليق قصة الراعي والمثقف وحوارهما حول سؤال الحقيقة والله، أو حكاية الرجل الذي رسم على ذراعه وشما يختزل شقاء سنوات التعب والعمل والكد. أما اليتيم “ولد الناس" فهو نموذج للبدوي الكريم الذي يرفض مد يده للسلطان طمعا في الرزق بدل التوكل على الله. لغة الحكاية عند المرزوقي مليئة بالكلمات الأصيلة التي بدأت تزول في غمرة اللغات الدخيلة واختلاط الألسن، ومعه نتعلم معنى “البخنوق" (الخمار) و«الدبش" (الفستان)... وغيرها.