شكل الاستعراض الغنائي لفرقة “مقهى بارباس"، لحظة زمنية موسيقية رجل فيها جمهور قاعة ابن زيدون سهرتي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، إلى عتمات مقاهي باريس المثقلة بشوق المهاجرين المغاربة إلى أوطانهم. حفل نظمته الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي. بعد جولة ناجحة في ولايتي وهران وتيزي وزو، حط “مقهى بارباس" رحاله بالجزائر العاصمة، في زيارة هي الأولى من نوعها تعرف بأصوات شابة تحفظ إرث الأجداد ممن سبقوهم إلى ميدان الغناء والإبداع الموسيقي. لهذا شكل حضور الجمهور إلى قاعة ابن زيدون برياض الفتح، لحظة تاريخية سيسترجعون فيها لمحات من الماضي، قد يستشعرون منها المشاعر التي كانت تختلج قلوب المهاجرين وهم إما يتغنون بالأرض أو يستمعون إلى الأغنية حول طاولة صغيرة في أحد المقاهي المكرسة إليهم، في إحدى ضواحي فرنسا أو في قلب باريس ذاتها. المقهى إذن هو الفكرة الرئيسية التي بنى عليها أمزيان أزيش، مبدأ تأسيسه للفرقة في 2011. المقهى ليس مجرد مكان للمرور السريع، كما هو الحال الآن، بل هو المخبأ الذي كان يحتمي فيه المهاجر بعد يوم طويل من العمل والوحدة. المقهى اختصر في فرنسا جغرافية البلد البعيد، وعلى طبق صغير يقدم لرواده إلى جانب شاي بالنعناع أو قهوة عربية، خيارا بشريا وثقافيا للبقاء على اتصال مع “هناك". باقة من الأغاني الجزائرية القديمة إذن، أعيدت للواجهة في حلة جديدة، بترتيب متنوع وتعديل حديث دون المساس بالجوهر، منحها حسا مفعما باستمرارية يبحث عنها الجزائري. مزج الفنانون بين الغناء والمسرح والعرض البصري، طريقة منهم لإقحام الجمهور في جو حميم، تنبعث منه رائحة الماضي. عشرة موسيقيين فوق الخشبة، اختزلوا سنوات الغربة وهجرة أجيال من سكان شمال إفريقيا بدءا بالجزائر وتنس والمغرب، يحفظون أغانيهم عن ظهر قلب: “لي راح او ولى"، “أيا جراد"، “البيت الأبيض" وغيرها راسخة في وجدان الجزائري بمختلف مناطقه. وسط ديكور ينم عن مقهى باريسي، غنت سميرة براهيمية وآني بابين أغاني كثيرة معروفة مثل “لوسات"، يرافقهما صالح قاوة بأنامله السحرية. كانت إذا طريقة واحدة لتخفيف آلام الغربة هي الموسيقى كحبة مهدئة سحرية، لا تباع في الصيدليات لكنها متوفرة لدى كل واحد يريد أن يفتح قلبه للآخر. هذا المهدىء فهم سره سليمان عازم، شيخ الحسناوي، أكلي يحيايتن ودحمان الحراشي، عندما حملوا قيثاراتهم إلى المقاهي وراحوا يوزعون جرعات لا متناهية خففت كثيرا من عناء الوحدة هناك. لم تنس الفرقة تقديم أصوات من الجيل الثالث للمهاجرين، أمثال فرقة “زبدة" و«أكلي دي". قبل أن تنهي العرض باحتفاء الجزائر باستقلالها وصرخة الكاردينال الحاج محمد العنقى، عندما صدح “الحمد لله ما بقى الاستعمار في بلادنا".