أكد عبد العالي قوديد مدير الثقافة لولاية سكيكدة، ل “الجزائر نيوز"، أن أي مشروع للأشغال العمومية في المنطقة سيكون تحت مراقبة المختصين في الآثار بالنظر إلى خصوصية المكان، الذي يكتنز معالم رومانية ثرية، تظهر تباعا لدى أي عملية تهيئة أو أشغال فردية. قوديد قال أيضا إن ولايته تعرف تأخرا كبيرا في مسألة النشاط الثقافي. قال قوديد إن سكيكدة، أو روسيكادا حسب التسمية الفينيقية، “تنام على ثروة أثرية غاية في الأهمية بالنسبة لتاريخ الجزائر كلها"، مضيفا إن هذه المدينة التي أنشأت على موقع نهر زرامنة “عرفت مرور حضارات فينيقية ورومانية، ما يجعلها محطة حساسة يتوقف عندها الباحثين في الآثار لاكتشاف الكنوز، ناهيك على كونها منطقة فلاحية أسالت لعاب المستوطنين منذ القدم". ما زال الفوروم الروماني المشيد في مركز مدينة روسيكاد، قائما للعيان وكذلك جسور الطريق العالي لستورا، التي كانت جسورا رومانية منشأة بصخور كبيرة. الجزء الأكبر من المدينتين الفينيقية والرومانية لم يظهر منها الكثير سوى بعض الآثار الجنائزية الواقعة في أعالي أستورا قرب مبنى الساعة. وهنا يؤكد قوديد أن ترك هذه البقايا تحت التراب، يعد أفضل طريقة لحمايتها من التلف أو النهب: “نفضل أن يحفظ بهذه الطريقة على أن نعرضه لمخاطر طبيعية وبشرية، كما يحتاج إخراج هذه الثروات إلى سطح الأرض إلى إمكانات مادية وتقنية كبرى نحن لا نتحكم فيها"، وعن الخريطة الأثرية المعتمد عليها يوضح مدير الثقافة: “ككل المختصين نعتمد على خريطة ستيفان قزال، عالم آثار ومؤرخ فرنسي متخصص في تاريخ إفريقيا القديم والجزائر الرومانية، الذي ألف عددا من الأبحاث عن آثار الجزائر، تشكل للباحثين اليوم مرجعا ضروريا لا يمكن إغفاله"، أما عن إمكانية إنجاز خريطة جديدة يجيب المتحدث: “ليس العملية بالسهولة المتصورة، فهي تحتاج إلى سنوات من العمل المركز، علما أن مكتب إيطالي شرع منذ 6 سنوات في عملية مشابهة في منطقة القالة ولم ينته منها". أكد المسؤول الأول على الثقافة في ولاية سكيكدة، أن مشاريع النقل التي تنتظرها الولاية في المسقبل القريب، لا يمكن أن تنجز دون إشراك المصالح الثقافية المتخصصة على الخصوص في الآثار. فسكيكدة ستعرف خلال العام المقبل وإلى غاية 2014، عودة أشغال الطريق السيار شرق غرب، حسب ما أعلن عنه مؤخرا تاجيما هيروشي الرئيس المدير العام لمجموعة الأشغال العمومية اليابانية، قال إن الشطر المتبقى من الخط السيار شرق غرب، المفترض تسليمه نهائيا إلى الوكالة الوطنية للطرق السريعة قبل 2014. وبالتالي الخط الرابط بين قسنطينةوسكيكدة سيكون عمليا خلال العام 2013. من جهة أخرى، الدراسة الأولية لمشروع إنجاز طريق داخلي يربط ميناء سكيكدة بالخط السيار، قدم هو أيضا منتصف ديسمبر الجاري، من قبل مكتب كوري الذي أكد أن الطريق سيكون إنجازا معاصرا سيساعد المنطقة على التنمية المحلية. الطريق سيمر على محاور رئيسية منها الطريق المحول الحروش الطريق السيار، مرورا ببلديات حمادي كرومة، رمضان جمال، صالح بوشاور. إلا أن هذه الأشغال قد تكشف في طريقها بقايا المدن الفينيقية أو الرومانية، التي تحدث عنها المدير، والمحفوظة تحت الأتربة، وعليه، أكد بالقول: “لا يمكن أن تغفل وزارة الثقافة هذا التفصيل المهم ومتأكد إنه في حال اكتشاف أي قطعة سنلجأ إلى الإجراءات القانونية"، في إشارة منه إلى اكتشافات ساحة الشهداء إثناء مشروع ميترو الجزائر، ودور الوزيرة في تحويل المسار لصالح الذاكرة الجماعية للجزائريين. تحتاج الاكتشافات الكثيرة التي يقوم بها إطارات مديرية الثقافة لولاية سكيكدة إلى مكان تحفظ فيه وفق المعايير العلمية والتقنية المتعارف عليها، إلا أنه كلما عثر فرد أو مجموعة على بقايا رومانية توضع في حديقة بوسط المدينة، حسب عبد العالي قوديد: “نحن بأمس الحاجة إلى متحف جهوي يضم كل تاريخ الولاية، يبرز أهميتها يصنفها ويدونها ويحفظها كما يليق بها، ليس فقط الآثار الرومانية بل حتى التراث الكولونيالي الرهيب الذي تضمه الولاية، المتمثل في الطابع الموريسكي الجميل، أو في معاصر الزيتون بعين غراب، وغيرها من الاكتشافات التي تتم عادة بالصدفة". تنازلت الجماعات المحلية للحمراء والعالية، منذ سنتين على قاعتين للسينما، يكشف قوديد، وستخضع بعد انتهاء دراسة التجديد لعملية إعادة التهيئة والتجهيز، لتعود الحياة السينمائية إلى سكيكدة، التي تجد صعوبة في استقبال عروض الشاشاة الكبيرة، حيث اضطرت الولاية إلى كراء وسائل تقنية من أجل عرض فيلم “زبانة" لسعيد ولد خليفة. أعلن مدير الثقافة، أن المسرح الجهوي لسكيكدة، سيخضع ابتداء من 2013، إلى أشغال ترميم وإعادة تهيئة لهذه البناية التي يفوق عمرها القرن، حيث يفترض بناؤها سنة 1912 وفتحت أبوابها للجمهور في 1936: “نظرا لأهميته التاريخية اقترحت على مستوى اللجنة الوطنية التابعة لوزارة الثقافة قصد تصنيفه معلما أثريا وطنيا". يتسع المسرح لحوالي 600 شخص، إلا أنه وضعه الحالي لا يسمح باستقبال الزوار، ولا أعمال مسرحية جديدة، وهو يعاني من نقص محسوس في الوسائل التقنية التي تساعد على إنجاح العمل المسرحي. وهو الإشكال الذي عانى منه مؤخرا المخرج عمر ومعيوف، في مسرحيته الأخيرة “ما تبقى من بريد الشهداء". يقول قوديد بشأن الأشغال: “عندما انطلقنا في إجراءات دراسة العلم وتجديد المسرح في الشكل العصري، رأينا أنه يحتوي على العناصر الأساسية ليكون معلما أثريا، فطبقنا عليه قانون حماية التراث الذي يتطلب من المهندس المعماري أن يكون معتمدا من الوزارة الوصية"، ويردف: “الدراسة انتهت، في انتظار الإعلان عن مناقصة وطنية بداية العام المقبل، على أن تبدأ الأشغال في الثلاثي الأول من جانفي 2013". وعن طبيعة التدخلات يشرح: “ستمس الأشغال أسس البناية، ترميم كل الفضاءات من القاعة الكبيرة إلى لواحقها والكواليس والأقبية المتواجدة أسفل البناية، والتي سنحولها إلى ورشات لإنجاز الديكور والخياطة، وصولا إلى إعادة الطابع العمراني للبناية التي هندسها مونتالون سواء من حيث الزخرفة والأعمدة وأداة التلبس".