دخلت مسرحية “ذكرى من الألزاس" للمسرح الجهوي لمعسكر، الإثنين الماضي، حلبة المنافسة الرسمية لمهرجان المسرح المحترف بالعاصمة. وفي خندق مظلم، يلتقي “منصور" و«بشير" جزائريان جندا إجباريا للدفاع على فرنسا ضد ألمانيا هتلر. تظهر الرصاصة المغروسة في ساق منصور مدى الفوارق والتمييز الممارس على الشعوب المستعمرة في عز حرب 1914. وجد “بشير" (فتحي كافي) نفسه وحيدا في ظلام الحرب العالمية الأولى، وراح بصعوبة يقتفي إثر مسلك وعر، بحثا عن مكان بعيد عن القصف الجنوني لألمانيا. وبدل إيجاد المنفذ، يتعثر بجريح يتألم بشدة، يمسك بساقه أملا في وصول إسعاف وحدة الصليب الأحمر. كان ذلك “منصور" جزائري هو الآخر، جندته فرنسا عنوة ليلة زفافه، ولم يفلح في إقناع القائد بضرورة بقائه مع أهله. لم يكن منصور مسرورا بلقاء ابن بلده، فقد تحول مع الوقت إلى شخص ثان، يفضل التعامل مع الفرنسيين، ظنا منه أنه أصبح منهم، بعدما اختلط بهم واشتغل في حاناتهم، وحمل السلاح لرفع رايتهم. “بشير" بدوي ساذج، ذو طيبة ملفتة، لهذا لم ينفر من سلوك منصور العدائي، وتمسك بمحاولة إسعاف صديقه. هذا الأخير ظل مقتنعا وواهما أن طبيب الصليب الأحمر سيتكفل به كغيره من الجنود الفرنسيين. ساعات الانتظار طالت، والجرح ينزف، والحمى تعتصر منصور المتكابر. اغتنم بشير الفرصة، ليبادر بعلاجات بدائية طبيعية تعلمها في قريته النائية. تروي المسرحية معاناة آلاف الجزائريين الذين حاربوا ألمانيا وحملوا السلاح ضد هتلر لصالح فرنسا الاستعمارية. وتنقل في ظرف ساعة وربع من الزمن، قصص آلاف الجزائريين الذين تعارفوا في جبهة القتال. وتحت القصف اشتد عودهم، نمى حسهم الوطني. حاول محمد فريمهدي على ضوء نص حليم رحموني، أن يترجم أجواء الحرب ركحيا، فاستعان بخشبة مفتوحة على مصراعيها، لتحتضن لوحات عيسى شواط الكوريغرافية، نفذها 12 ممثلا (فتحي كافي، عبد العزيز عبد المجيب، محمد أميمون، فؤاد بن دوبابة، أحمد بومدين، إيمان العربي، مختار حسين، حنان بوجمعة، ياسين قلفاط ومحمد الأمين لكحل)، كما ركزوا على تطبيق الخطة السيونغرافية لحمزة جاب الله، قصد التعبير عن الصراع والخوف والإقدام والسقوط أيضا. أسِرة التخييم (lits de camps) تحولت إلى أدوات أخرى، لخدمة المسرحية: خيمة للمبيت، سرير مستشفى مفتوح على جبهة القتال، وحتى كراسي وطاولات الحانة التي اشتغل بها “منصور" أيام تسكعه بشوارع باريس. كان الركح يمتلىء ويفرغ دواليك، تحت إنارة ضئيلة التزم بها التقني طيلة ساعة العرض. حتى عندما تتابعت الرقصات وكنا بحاجة إلى مراقبتها؟ قد يكون خيار فريمهدي الليل كزمن للحكي، إلا أن الانطباع بالضياع في ظلمة الحرب العالمية الأولى، لم يؤثثها حوار محكم، ولا نص قوي يتعمق في إشكالية المجندين الجزائريين، ودورهم لاحقا في دعم صفوف جيش التحرير الوطني. وظل الكلام بين بشير ومنصور عابرا سطحيا، لم ينقل التمزق الذي عانه المجندون الجزائريون في جبهة الألزاس أو غيرها، لولا سحابة الفكاهة التي حامت فوق رؤوس المتفرجين، بفضل فتحي كافي الذي انفرد بأداء مقبول، إلا أنه لم يكن في لياقته الفنية المعروفة عنه. الثنائية التي راهن عليها - ربما - فريمهدي باستقدام فتحي كافي و.... لم تكن موفقة لحد كبير. إذ زهر جليا الفارق بين الممثلين، فتشعر بغلبة الأول على الثاني. كما لم يعبر شكلهما على جنديين منهكين من الحرب، يعاني أحدهما ألم رصاصة انزفت ساقه. فكان المكياج غائبا تماما في العمل، رغم أن الانتاج اجتهد في إلباس الفريق بزي عسكري واحد بكل إكسيسواراتهم اللازمة؟ فراغات صامتة كثيرة، شح في تسليط الضوء على وجهي منصور وبشير، غياب مرافقة موسيقية للحكي، رقص طغى على الحوار، هي بعض ملامح انتاج مسرح معسكر الجهوي، الذي لم يرق إلى ما قدمه العام السالف، وخيب ظن كثير من الجمهور الذي جاء برغبة الفرجة.