لا نعرف فيما إذا كان الانطباع المتولد عندنا، من مراقبة /صورة الشاعر في الثقافة العربية/، دقيقاً حول افتراض جمهرة واسعة من المتلقين من أن الشاعر المُقْنِع وشديد الحضور هو من أولئك الذين يمتلكون جَمَالا فيزيقياً رفيعاً سواه من الشعراء ليس بمقنع إلا بعد جهد جهيد· لا ندري فيما إذا ارتبطت، شعوريا أم لا شعورياً، النصوص الشعرية في أذهان القراء والمعنيين بجمال الشعراء الأخاذ المفترَض، على أساس أن القصيدة الجميلة موصولة بالوجه الصبوح الذي يعكس روحاً جميلة ونبيلة· لا نعرف فيما إذا كان هذا الانطباع محض عقدة مستعصية الحل تخصّ فقط من تؤرقه· في مناسبات سابقة حاولنا أن نرسم صورة للشاعر في المخيال العربي المحايث استناداً إلى عناصر وأمثلة يمكن البرهنة عليها موضوعياً، كأن يصير الشاعر رديفاً للإلهام مجهول المنبع الذي نادراً ما كانت المعرفة والقراءة والتتبع المنهجي مصادر له· صورة محاطة بالقداسة والسمو اللذين كثيراً ما كانا زائفين، فقد كانا مجروحين بالتبجح والغيرة· للتأكد من بساطة هذه الحقيقة راجعنا قراءة الخصومات والعداوات بين شعراء العربية القدامى المبثوثة مثلاً في /الوساطة بين المتنبي وخصومه/ للقاضي الجرجاني و/يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر/ للثعالبي و/الموازنة بين الطائيين/ للآمدي وأخبار /الأغاني/ الكثيرة و/معجم الشعراء/ للمرزباني والشتائم بين الفرزدق وجرير، وخصومات الشعراء المعاصرين عديمة الرحمة المعروفة للجميع· صورته في المخيال العربي الفلكلوري هو نقيض الحكيم، وإن حكمته تتأتى محض صدفة، من عَدَمٍ خلاقٍ لا يقع الدرس المنهجيّ في نطاقه· والشاعر كذلك هو البريء النقي، الطفولي الذي لا ينبغي أن تَجْرح ذائقته المرهفة شوكةُ القراءة والاستقراء والبحث والتدقيق· قرأنا فيما بعد مقالة قد تعزز هذه الفرضية عن صورته في الدراما العراقية التي: /صوَّرت الشاعرَ بوصفه أنسانا منفصلا عن الواقع، متعاليا بخيالاته، حالما، ضعيفا، هشا ورخوا، أنثويا، ومحط شفقة الآخرين، لا يقوى على مصارحة من يحب كونه خجولا، لذلك فهو يستأثر بشفقة النساء دون أن يقوى على الفوز بحبهن، وغالباً ما يكون هذا الشاعر محطّ سخرية الآخرين وتهكماتهم وبالتالي فهو كائن سلبيّ، وديع ومسالم بطريقة تثير الإضحاك فهو مرتبك انهزامي، نحيف وغير وسيم بالمرة، مجنون وصعلوك وعازف عن المشاركة في كل فعالية اجتماعية، مريض نفسيا ومعتل جسديا هذه الصورة التي أنتجها المخيال الاجتماعي، عملت الدراما العراقية على تأصيلها وتأبيدها/ /حسين السلطاني في جريدة الاتحاد/· لعل الكاتب يتحدث عن شاعر عراقي معاصر محدَّد جُعلتْ صورته نموذجاً لصورة الشاعر بالمطلق، ولا تنفي أن الوسامة جزء من الصورة المتخيَّلة عموماً للشعراء في العالم العربي· في مناسبة أخرى قبل ذلك كتبنا عن صورة الشاعر في مفهومات ومخيال العراقيين خاصة، في مقالنا المنشور في المدى المعنون //الشروقية/ والشعر العراقي الحديث/ المكتوب قبل احتدام النزعات الطائفية في البلاد، فلم يقبله البعض، غير أن السخرية من الريف العراقي وأسماء عوائله الكريمة ذهبت بعيداً مؤخراً، في الغمز المتواصل الصريح من طرف قناة فضائية عراقية لاسم /المكصوصي/ بمناسبة تفجيرات /أربعاء الرماد/ في شهر آب .2009 هذا الغمز ليس حدثا منفصلا إنما متأصِّل وله جذور تاريخية علينا الخوض فيها من دون خوف وبلا تأجيج للنزعات المقيتة، ولعله يمسّ صورة الشاعر بالأحرى في حقول أخرى خفية، مثلما رأينا في الأوصاف التي أسبغها أستاذ جامعي عراقي مؤخراً على الشاعر حسب الشيخ جعفر: شيعي، شيوعي، ملحد، وهي تُخفي مسكوتاً عنه لا يجب السكوت عنه· في جميع الأحوال تشير الدلائل والتلميحات والمسكوت عنه إلى وجود ملمح مُفترَض آخرَ لصورة الشاعر في المخيال العربي: ارتباط اللاوعي بالجمال الفيزيقي، وهذه خرافة أخرى تنطلق من منح الشعر دوراً رومانسياً في المقام الأول، والشاعر هيئة حالمة فقط· الحالم الجميل· الوسيم المتوِّله بحب العالم، وبالطبع هذه الصورة تقع في القطب النقيض الذي يجاور صورته عابثاً عدمياً الشائعة هي أيضا بدورها لدى الكثيرين· لو تصفحنا سير الشعراء المعاصرين، سنجد أن أهمهم لا يمتلك هذه الصورة أو تلك عن الشاعر، بل أن صورهم الفوتوغرافية لن تدل على نموذج عالٍ معياري لجمال فيزيقي مُفترَض· من بدر شاكر السياب عراقياً إلى رينيه شار فرنسياً إلى بابلو نيرودا تشيلياً لدينا أمثلة عن جمال إنساني حميم لا يَخْضَع للمعيار الجماليّ المثالي· كانت قلوبهم مغموسة بالشعر الصافي، بينما قد تمنحنا هيئاتهم الفيزيقية انطباعا زائفا عن دواخلهم وقد تزعِج وتقلق من يمتلك فكرة ثابتة عن /صورة الشاعر/· هذه الصورة محايثة، هنا والآن، لأنها مرتبطة بالميديا، ويتحوَّل الشعر فيها إلى كرنفالات ومناسبات اجتماعية تطلب من الشاعر، مثلما تطالب السياسي بالضبط، بأن يمتلك ويتدرب على /كاريزما/ مؤثرة· وفي قراءة الصور الفوتوغرافية التي ينشرها الشعراء والشاعرات العرب لأنفسهم دليل على مسعى لحيازة سحر وجمال فائقين، غير أن أعظم كاريزما يمتلكها شاعرٌ مشكوكٌ بمواهبه لن تعفي أثره من الاندثار مثلما امّحى الكثير من السياسيين الذين لم يخلفوا أثراً يُذكر في قلوب الناس· شاكر لعيبي / شاعر وكاتب من العراق