يرى الشيخ جلول حجيمي، الأمين العام للتنسيقية الوطنية للأئمة وموظفي الشؤون الدينية والأوقاف، أن الصراع على تصدر الفتوى بين وزارة الشؤون الدينية والمجلس الإسلامي الأعلى، وعدم وجود مجمع للفتوى فضلا على عدم الاعتراف في بلادنا بالكفاءات الجزائرية الموجودة في المجال الديني.. هي مسائل جعلت البعض يتوجهون نحو طلب الفتوى عبر الأقمار الصناعية مع ما يحمله ذلك من مخاطر، وفق هذا الإمام الأستاذ الرئيسي في قطاع الشؤون الدينية والأوقاف، الذي يؤكد أن الفتوى لها مناخ ولها أوطان. ويشير المتحدث ذاته، في هذا الحوار، إلى أنه إذا لم نجد شخصا لتبوأ مهام مفتي الجمهورية فلا مناص من إيجاد هيئة للإفتاء في أفق تجنيب الهزات للمؤسسة الدينية في بلادنا، وقد تحدث الشيخ حجيمي، في هذا الحوار أيضا، عن عدة قضايا مهمة على غرار ما يقال حول دعم أعوان مساجد لعلي بن فليس، تحسبا للرئاسيات المقبلة، وكذا مطالب موظفي القطاع وأفق تحقيقها في االميدان وغيرها من القضايا في هذا الحوار المطول. خلال نهاية رمضان سجل عدم ختم القرآن في صلاة التراويح على مستوى حوالي عشرة من المائة من مجمل المساجد الموجودة عبر التراب الوطني، وتعددت الأسباب بهذا الشأن فهناك من يشير إلى دور ما للسلفيين أم أن هناك أسباب أخرى.. كيف تقسرون ما حدث؟ ختم صلاة التراويح في رمضان عادة موجودة منذ عشرات ومئات السنين عند الجزائريين، ولهم في ذلك أثر من الصحابة فضلا عن استجابة الدعاء في ذلك أيضا. و لعل أئمتنا وقراؤنا، ممن يختم القرآن في هذا الشهر، لهم من الرمزية بتمسك المجتمع الجزائري بالقرآن حفظا وترتيلا. وقد عمل المستعمر الفرنسي، خلال الحقبة الأخيرة، على محاربة الدين وتشويهه ولم يفلح. ولذلك كله كان لزاما على الإدارة الوصية إصدار تعليمات في اتجاه تلاوة القرآن وفق رواية ورش عن نافع، وهي من أصح القراءات التي ارتبط بها المجتمع الجزائري، وأن يختم الأئمة والقراء كتاب الله تعالى في رمضان. إن الذين لم يستجيبوا لهذه التعليمة ظنا منهم أنه ليس واجبا بل ما تيسر، أو مخالفة عموم القراء والأئمة في ذلك فهذا ليس مبررا بأي حجة كانت حتى ولو أن صلاة التراويح هي صحيحة وليس واجبا عليهم ختم القرآن الكريم. ومن هنا فنحن نعمل على وحدة المسلمين وألا يرى عامة الناس خلافات في المساجد والتوجهات والرؤى لأن هذه القضايا تبقى على مستوى أهل العلم المتخصص، ويبقى الأهم هو وحدة الناس وراحتهم في الشعائر. لقد حان الوقت بأن يلتزم كل من ينتمي للإطار الديني، للمرجعية الدينية التي تحمي الجميع، ويتخلق بها الجميع حماية للمجتمع برمته من أي انزلاق. ولكن بالنسبة للأسباب التي جعلت بعض الأئمة والقراء لا يختمون القرآن في صلاة التراويح خلال رمضان الكريم، هل تتعلق بعدم الحفظ الكامل مثلا أم أن التيار السلفي كان له دورا في ذلك؟ هم قلة لكن نتركهم لضمائرهم حتى لا يفتنوا المجتمع مرات أخرى وحتى ينسجموا مع خطه العام أيا كان توجههم. هناك مطالب للقيمين على المساجد وللأعوان بشكل عام، وفي الآونة الأخيرة كانت هناك معلومات تتحدث عن قيام بعض أعوان المساجد، في إطار ما يعرف بلجنة الدفاع عن أعوان مساجد الجمهورية، بحملة من أجل دعم ترشح علي بن فليس للرئاسيات المرتقبة، هل بوسعكم أن تحدثوننا عن ذلك بتفصيل أكثر؟ سمعت ذلك واطلعت عليه من الجرائد، ولقد حاولت التأكد فعلا من الموضوع ولكننا لم نعثر على شيء في هذا الإطار. نحن بالنسبة لنا على مستوى التنسيقية، أدرجنا كل ما يمكننا إدراجه، بالنسبة لأعوان المساجد، من مطالب واقترحنا مجموعة من الأطر والنظم التي ترتقي بهم سواء كانوا مؤذنين أو قيمين والذين قد يتعرضون للأمراض أثناء القيام بمهامهم، وهذه الأطر سميناها أرضية مطالب، حيث سوف تسفر عن إمضاء عقد أو عهد، بيننا وبين الوزارة، يضم القضايا التي يمكن للوزارة الوصية تحقيقها. لقد ناقشنا هذه القضايا بمسؤولية وذلك على غرار المرجعية وكذا وظيفة الإمام، وما سوف تحققه الوزارة يتم تحقيقه وهي مشكورة في ذلك، وما لم تستطع تحقيقه سوف نناقشه مع هيئات أخرى على غرار رئاسة الجمهورية. بالنسبة لهؤلاء الأعوان وما يقال حول دعم بن فليس، أريد القول أيضا بأنه في البداية عملنا على توحيد الكلمة في القطاع والدفاع عن الحقوق، أما التأييد والتزكية فذلك يرجع إلى وقته حسب المصالح والمفاسد وما تراه الهيئة بكل الأساليب الديمقراطية المكفولة قانونا. دعنا نسألكم عن موضوع في غاية الأهمية يتعلق بالفتوى، ومؤخرا حذرت وزارة الشؤون الدينية والأوقاف من طلب الفتوى عبر الفضائيات، لماذا ينبغي التحذير من التوجه نحو فقهاء لمجرد كونهم لا يوجدون في الجزائر؟ ما قامت به الوزارة الوصية بهذا الشأن كان تحذيرا فعلا ونحن نشاطر هذا التوجه، ودعني أشير إلى كون العالم العربي والإسلامي يعيش صراعات وآلام، كما أن الفتنة حذر منها المولى عز وجل وهي أخطر من الموت نفسه. إن المأساة الوطنية أعطتنا تجربة قاسية فليس لنا بيتا إلا فيه مصدوم أو مجروح أو مقتول.. نحن مجتمع مسلم سني عاش هذه الآلام، ولاشك فيمن رأى أن الفتوى لها جزء من استباب واستقرار المجتمعات كما لها جزء آخر في التهويل من خلال قضايا يراها أهل تلك البلاد أنها هي السائدة على طريقتهم ومنهجهم، وهنا لا بد أن نفتح بابا جادا هو أن أدب المفتي والمستفتي، يحتاج إلى إقليم معين وإلى أفكار سابقة سار عليها الناس وأصبحت تسمى مرجعية دينية معتمدة. لا يمكن مثلا للمالكيين الذهاب إلى إيران والقول لهم إن مذهبنا هو الأصح وإن مذهبكم لا شيء، أو نذهب بهذا الطرح إلى سلطنة عمان، وهي البلاد التي نصفها شافعية ونصفها الآخر أباظيون. إن الفتوى لها دور في الخير وفي إثارة قضايا أخرى، وما هو معتمد في الحجاز ليس ما هو بالضرورة معتمد في الجزائر، وإذا احتجنا إلى قضايا الاجتهاد مثل زرع الأعضاء فنحتاج إلى فقهاء من كل المدارس الإسلامية والمذاهب االفقهية وهذا لا يخالف قضايا الاجتهاد. ولكن ما أعرفه هو أن طلب الفتوى يكون مرتبطا عادة بالسؤال عن قضايا تنتمي إلى الفروع وليس الأصول التي يؤمن بها الجميع، فلماذا هذا التحذير؟ القضية أبعد من هذا، والفتوى أحيانا ارتبطت بالسياسة والمفتي قد تكون فتواه غير بريئة لانتمائه السياسي. إن العالم والفقيه.. هو أداة للإصلاح وليس للتورط . إذن فالموضوع أبعد من هذا ويرتبط أحيانا بالسياسة وبتوجهات هؤلاء العلماء في بلدانهم وكذا الأفكار والإيديولوجيات، وعندما يفتي العالم لا بد أن يرى ضوابط البلاد التي منها السائل، والإمام الشافعي عندما كان في العراق أفتى للناس على مذهب الإمام مالك، وهو الذي كان تلميذه، لكنه عندما جاء إلى مصر أوجد مذهبا آخر هو المذهب الشافعي وأفتى للناس بموجبه حتى وافته المنية. ولكن يبدو لي أن توجه الجزائريين نحو فتاوى الفضائيات نابع من عدم رضاهم عن الفتوى في بلدهم، أليس هذا صحيحا؟ المجتمع الجزائري أصيب بفيروس خطير يتمثل في كونه لا يعترف بكفاءة أبناء مجتمعه ولا حتى بالعلماء، على اعتبار أن الوجهة التي أخذها تضر بكل ما هو جزائري، مثلا فإن أحد الدكاتره الجزائريين هو الذي شرح كتاب "المعونة" للإمام مالك، كما أنه لدينا كفاءات كبيرة لا يلتفت إليهم. هل تعلم أن مستشار الملك السنوسي، الذي مات مؤخرا، هو جزائري، والملك المشار إليه أيضا هو نفسه من أصول جزائرية؟ لدينا علماء لغة في ميزاب وعلماء في الفقه المالكي وغيرهم، ولكن قلة من يعرفهم، ولدينا خبراء في فقه الزكاة والشريعة الإسلامية، تهتم بهم شعوب وحكومات دول إيلامية ولا نعرفهم نحن إلا رمزا، وهذا ما يجعل في نهاية المطاف بعض الفضوليين من الجزائريين يتوجهون نحو الفتاوى عبر الأقمار الصناعية. في رأيكم أين يكمن الخلل في هذه المعادلة.. أليس هو نتاج غياب منظومة دينية متكاملة في بلادنا؟ ليس لدينا بنية في توجه الدولة والحكومة والمجتمع والنخبة في التعريف بتراثنا وتقاليدنا وعلمائنا وثقافتنا وسياحتنا، وبلدنا هو أول البلاد العربية من حيث المناظر الخلابة لكنه لا يعرف تسويق هذه المقدرات، وما ينطبق على السياحة ينطبق على الجانب الديني وغيره، الأمر الآخر يعود إلى أنه ليس لدينا مجمع للفتوى، سواء كان مجمعا فقهيا أو مفتيا للجمهورية، وكيف لبلد مثل لبنان له طوائف متعددة، سواء مسلمين أو مسيحيين، له مفتي من كل منطقة والجزائر بهذا الحجم ولا تملك مفتيا رسميا، ويبقى الصراع بين المجلس الإسلامي ووزارة الشؤون الدينية حول من يتصدر الفتوى ويرعاها رسميا، والمجتمع يغرق في قضاياه اليومية مثل الميراث والعقار وغيرها من القضايا، ولذلك يلجأ بعضهم إلى الشاشات من أجل الاستفتاء، وحتى يعرف المستفتي خطر الفتوى من بلد إلى بلد، نورد ما سألت به سائلة جزائرية أحد علماء الحجاز على الهواء حول فتوى الذهاب إلى الحمام، وهي كانت تقصد الحمامات المعروفة عندنا مثل الحمامات المعدنية، غير أن الشيخ اندهش لأن الحمام عنده يعني دورة المياه، والاختلاف في الألفاظ جعل هذا المفتي، مع قدرته، لا يدرك الألفاظ الموجودة في مجتمع آخر، وهذا هو المقصود من كون الفتوى لها أوطان ولها مناخ. لكن لماذا لم يتم إلى حد الآن تأسيس مجمع فقهي أو تعيين مفتي للجمهورية؟ ليس لدينا معطيات الصراع، وفي بلد كالجزائر، بعد أكثر من نصف قرن أصبح لزاما علينا أن تكون دولتنا دولة مؤسسات، ومن أعظم المؤسسات هي المؤسسة الدينية التي تحمي المجتمع وتعمل على ترصيص صفوفه والدفاع عن هويته ودينه وقيمه، من طرف أناس أئمة علماء وفقهاء يحفظون له الفهم الصحيح الذي يتماشى مع الشريعة، وأي صراع سياسي وإداري نجعله في المرتبة الثانية حفاظا على الجزائر وأمنها ودينها. أريد أن أطرح سؤالا.. من المستفيد من عدم وجود ذلك؟ وأنا قلت حتى وإذا لم نجد شخصا، نوجد هيئة ونجنب المؤسسة الدينية الهزات. ربما لم يحن الوقت بعد وربما الأمر يتعلق بما هنالك من صراع تحدثتم عنه، نريد جوابا مباشرا من فضلكم؟ ربما، ولكن نحن ندرك أهمية وجود مثل هذه المؤسسات.. أعلنتم عن انضمامكم إلى المركزية النقابية ولكنكم تقولون في الوقت نفسه إنكم مستقلون كتنسيقية، كيف ذلك؟ أغلب النقابات المستقلة تحمل الأفكار والأيديولوجيات أو الانتماءات إلى تيارات وأحزاب سياسية ونحن لا نتهم أحدا بأنه غيرمستقل. نحن ذهبنا إلى الباب العريض أي المركزية النقابية التي لها رصيد تاريخي لا يوجد عند غيرها، وهي هيكل والخطأ في الأفراد وليس في الهيكل من باب أنه لا يمكن أن تكون المركزية خالية من النقائص، ونحن ندعم الجهد الوطني، كما أنه لأول مرة نؤسس نقابة وليس لدينا رصيد ولذلك لجأنا إليها فضلا عن كونها الشريك الاجتماعي الوحيد للحكومة. أريد أن أقول أيضا إنه لدينا استقلالية وعندما طرحنا المطالب طرحناها نحن وليس المركزية النقابية، وهي داعمة لنا في مسارنا النقابي، وهناك حاجة متبادلة بيننا، وإذا سدت السبل في وجوهنا قد نتعاون في تفعيل أساليب الاحتجاج بمعنى أنه تتضامن معنا النقابات المنتمية لها في دعم مطالبنا، وأريد القول في نهاية الإجابة عن هذا السؤال بأن من يرمينك بعدم الاستقلالية فهو الغير المستقل. دعني أطرح عليكم سؤالا محرجا نوعا ما رغم أنه بعيد عن السياسة، فرغم أن الإمام ورجل الدين عموما معروف عنه التجرد إلا أن مطالبكم الاجتماعية يتم طرحها مرارا وتكرارا، أليس هناك مفارقة في الموضوع؟ الفهم لهذا الموضوع فيه جزء صحيح وجزء غير صحيح، والعالم خلال العصور الإسلامية القديمة، كان يأخذ من بيت المال ما يريد ومثلما يفعل القاضي حاليا في بريطانيا، ثم إنه لا يمكن أن يكون من يعاون الناس ويأويهم أن يجد نفسه محتاجا، ومن العيب أن يكون أدنى أجر هو الذي يعطى للإمام رغم دوره التاريخي وشهاداته العلمية ودوره الثوري والتجديدي والتربوي والاجتماعي. تحدثتم أيضا عن مسألة جعل وزارة الشؤون الدينية تابعة لرئاسة الجمهورية، ما هي مبررات هذا الطرح؟ قلنا ذلك بالنظر إلى ما يحدث في المساجد التي فيها عدة أطياف، وكل يريد السيطرة على المسجد، ومن أجل إخراج المسجد من حلقة الصراع ينبغي أن يكون إمام المسجد تابعا لرئاسة الجمهورية على اعتبار أن المسجد من الأشياء التي لا يتاجر بها في السياسة، فيكون المسجد أعلى من كل هذا حيث يكون الدين من القضايا الكبرى التي تتبع رئاسة الجمهورية أي أعلى الهرم، وعندما تصبح الوزارة وزارة ثقيلة تبعا لذلك، فإنه لن يتدخل فيها أحد على غرار ما يحدث مع وزارة الدفاع ووزارة العدل، ويكون هناك استقرارا. هل يمكن لكم حصر مطالبكم ونحن على مشارف نهاية هذا الحوار؟ لقد أصبحنا هيئة معتمدة، وبعد النقاش مع الوزارة الوصية، فقد فهموا أغلب مطالبنا المؤسسة بخصوص كل ما يتعلق برسالة الإمام والمسجد والموظفين والمرجعية الدينية وغيرها، وسوف يصدر خلال الأيام المقبلة بيان رسمي يضمن هذه الحقوق، وقد أصبحنا شريكا فعالا ومؤسسا في الوزارة. تتحدثون كثيرا أيضا عن مسألة حصانة الإمام، هل هناك دواعٍ وجيهة لذلك؟ هذه الحصانة التي تحدثنا عنها هي مثل حصانة القاضي، وذلك حتى يتم حماية الإمام ويكون هذا الإمام متمكنا محملا بالشهادات ونتاج مسار تكويني قوي أيضا، وتكون له حصانة القاضي حتى لا يكون أداة للمضايقة أو أن تستعمل ضده أساليب ضاغطة. وهل ضويق أئمة فعلا؟ نعم لقد ضويقوا.. ما هو موقفكم من التنظيمات المطلبية الأخرى التي تناضل في المجال نفسه؟ هم إخواننا وتجمعنا وظيفة الإمامة، ونحترم كل الأفكار والمرجعيات ونتعاون بآداب الإسلام. نحن نملك من التجربة ما يمكننا من التعامل مع الآخر بشرط الالتزام بالحد الأدنى من الأخلاق، ونحن نحمل هم القطاع وهم الدفاع عنه بكل موضوعية وبأساليب راقية والبيان ومعرفة الحقائق، والتوجه برسالة الإمام ومعلم القرآن والمرشدة الدينية والمفتش، نحو كون هذه الرسالة نبيلة تهدف إلى إصلاح المجتمع ومعالجة آفاته وأمراضه.