أكدت المخرجة الصربية ميلا تيراجليك، أن أرشيف يوغسلافيا سابقا، يوجد في أسوأ حال، ومازال محجوزا بسبب عدم تحديد انتمائه إلى إحدى الدول المشكلة للجمهورية المفككة. وخصت بالذكر الأفلام الوثائقية التي تروي صفحات مهمة من تاريخ تلك الأرض، فيما أبانت الجماهير عن رغبة في استهلاك الأعمال الخيالية الكلاسيكية، وبدأت الأجيال المتعاقبة تكتشف سحرها ومضمونها. ميلا تيراجليك حاضرة بالجزائر في إطار المهرجان الدولي للسينما المخصص للفيلم الملتزم، وشاركت بفيلم بعنوان "سينما كومينيستو" (110 د)، عادت فيه إلى دور الرئيس تيتو في استخدام الفن السابع لتصوير كل الحياة الاجتماعية و الاقتصادية والسياسية والثقافية ليوغسلافيا. وقد كان تيتو شغوفا بالشاشة الفضية، ويشاهد كل ما ينتج عبر العالم، وكان له عارض أفلام مكرس لخدمته فقط. وهي الشخصية التي عثرت عليها المخرجة الشابة، بعد سنتين من البحث في الموضوع، وهو رجل ظل يعيش في الخفاء، يحتفظ بكل التفاصيل الخاصة بحياة الزعيم تيتو، ميولاته الفنية، خياراته، وكيف كان يستعمل السينما كأداة دبلوماسية، بحيث كان -حسب الفيلم- يخصص جلسة عرض لدى زيارة أي شخصية سياسية ليوغسلافيا، وكان يستقبل المشاهير من هوليود وغيرها، بل كان يعشق الممثل الأمريكي كريك دوغلاس، وأفلام الوسترن. هي معطيات تعرف عليها الجمهور الجزائري، بفضل وثائقي حرصت مخرجته الشابة، على أن يكون فرصة لطرح إشكاليتها: هل الأفلام التي أنجزت في عهد تيتو هي خيالية أم تسجيلية؟ في إشارة منها إلى الخلفية السياسية التي كانت تدفع الزعيم اليوغسلافي إلى تشجيع الإنتاج السينماتوغرافي. عن دوافع إنجازها الفيلم قالت المخرجة: "ليس الحنين الذي دفعني إلى هذا الإنجاز، بل هو الغضب"، و تضيف شارحة: "عندما تتجول في شوارع بلغراد اليوم، كل شيء تغير، أسماء الشوارع والأحياء والأعياد الوطنية، ثمة إرادة حقيقية لمحو كل شيء متعلق بالماضي وبالذاكرة اليوغسلافية"، لم يعد حسبها جيل اليوم يعرف عن تيتو شيئا، ولا عن ما قدمه من خدمة للفن السابع، بغض النظر عن خلفياته السياسية، وهو الوضع الذي شجعها على البحث عن تراث ثقافي يروي في نهاية المطاف كل التاريخ السياسي لسكان يوغسلافيا سابقا الذين يتوزعون اليوم على دويلات مثل سلوفينيا، كوسوفو، صربيا، البوسنة، مقدونيا، والجبل الأسود. إلا أن ميلا لا تستبعد وجود ذلك الحنين الى الماضي، كغيرها من السكان، الذين يشعرون بما يعرف عندهم ب "اليوغونستالجيا"، تقول: عرضت الفيلم في الدول التي كانت تشكل في السابق يوغسلافيا، الكل يحن إليها سواء من عرفها ومن لم يعرفها، وهم يقارنون وضعهم الحالي بما كانوا عليه في السابق، أعتقد أنه كان يمكن ليوغسلافيا أن تكون بلدا نفتخر به جميعا".تنتمي ميلا توراجليك إلى أسرة محبة ليوغسلافيا سابقا، إلا أنها لم تكن مع الخيار الاشتراكي للدولة، هكذا تعرف نفسها للجمهور، واليوم هي مؤمنة على حد تعبيرها: "بفتح النقاش حول ماضينا". الوصول إلى الذاكرة بكل تفاصيلها ليست مهمة سهلة في صربيا أو غيرها، وفق المتحدثة، لأن الأرشيف موزع بين دويلات لا تريد أن تطلع على ما تركه تيتو وعهده: "من الصعب الوصول إلى الأفلام الوثائقية التي أنجزت في تلك المرحلة، الإمكانات قليلة لتكريس أساليب المحافظة على الأفلام، من جهة، ومن جهة أخرى تسعى الحكومات إلى وضع عراقيل بحجة أن تلك المادة لم يحدد مالكها بعد، لا نعرف إلى أي جهة تنتمي، وعمليات حصر وجمع وترتيب هذه المواد، لم تبلغ يوما نهايتها". وفي الوقت الذي بدأ الناس يكتشفون سحر الأفلام الكلاسيكية، من خلال فضائيات خاصة، بدأت تنفض الغبار على الماضي الفني ليوغسلافيا سابقا.