رحيل تيتو كان آخر ورقة لحماية السينما الذهبية ليوغسلافيا تعتمد البلدان في الحفاظ على ذاكرة تاريخها وإبرازه للعالم بطرق مختلفة كالمجلات والكتب وغيرها، لكن يوغوسلافيا فضلت السينما لتحتفظ بذاكرة النضال والثورة لعقود من الزمن، بفضل رئيسها الراحل جوزيب بروز تيتو الذي استغلها إلى غاية وفاته سنة 1980 لخدمة تاريخ بلاده التي لم يعد لها وجود سوى في الشاشة. قالت المخرجة الشابة ميلا توراجليتش، على هامش العرض بأنّ عملها يعني الإشارة إلى الرابط القوي بين السينما والبلد يوغزلافيا عاصمته ”بلغراد” سابقا، التي تضم اليوم بعد توحيدها مع بداية الألفية الثالثة، ”جمهورية صربيا والجبل الأسود”، كما أنّ المواد والأرشيف الذي ضمها الفيلم تقريبا تلك التي عرفتها السينما الجزائرية التي قاومت الاستعمار بطريقتها الخاصة وعبرّت عمّا عاناه الجزائريون بسبب الاحتلال الفرنسي. وأشارت المتحدثة ميلا بأنّ من الوسائل التي وظفت في اعدد هذا الوثائقي شارك الجزائريون في صناعتها على غرار الأستوديو الذي ظهر في إحدى لقطات الفيلم الأولى، والذي يعود إلى الطلبة الجزائيين الذين ذهبوا لدراسة السينما بيوغزلافيا، خلال عهد الرئيس الراحل تيتو الذي توفى ماي 1980، الذي احتضن الطلبة الجزائريين وسمح لهم بالتكون في مجال الفن السابع. لكن أكدت بأنّ دولة صربيا اليوم قامت ببيع مبنى الأستوديو، حيث اشتراه أحد الأشخاص وهذا بدوره حوله إلى مركز تجاري خاص بالتسوق. كما عملت على إضاعة أرشيف مهم كان يخص السينما اليوغزلافية التي عرفت عصرا ذهبيا امتد لأكثر من 30 سنة، توج بأزيد من 800 فيلم، بمعدل من 30 إلى 50 فيلم يتم انتاجه في السنة. حيث تم الإعلان سنة 1947عن إنشاء أولّ قرية سينمائية تضم ثلاث استوديوهات وغرف مختلفة. هذا وقدمت المخرجة الشابة ميلا توراجليتش من صربيا فيلما الوثائقي الذي حمل عنوان ””سينما كومونيستو”،أول، أمس، بقاعة الموقار، بالعاصمة، روت فيه تاريخ يوغسلافيا السينمائي الذي أرخ لنضال شعب طوال سنوات القرن الماضي، سيما فترة الكفاح الحاسمة من 1941 حتى 1945 ضد الألمان والفكر الفاشي. لكن اليوم حشب ما حلمه الوثائقي لم يعد لها وجود اليوم إلا في الشاشة بعد رحيل ورقته الأخيرة الرئيس السابق تيتو بروز جوزيب، الذي شاهد أكثر من 800 فيلم في حياته. اعتمدت المخرجة في معالجة الموضوع بهدف العودة إلى تاريخ الذاكرة السينمائية الفذة التي حماها تيتو، على شهادات حيّة قدمها رفاق الراحل منهم ليكا كونسنتينوفيتش، مبرمج أفلام تيتو الخاص طيلة 32 عاما، لإبراز سلسلة من الوقائع من خلال استعراض أرشيف نادر ضم مجموعة من الحقائق التاريخية، سواء صور الرئيس تيتو وهو يشاهد الأعمال السينمائية أو لقطات من أفلام وأخرى عن كيفية التصوير والوسائل المستعملة من ملابس التمثيل والدروع وغيرها. من مواقع التصوير ولحظات العمل تحت أعين الرئيس الذي لم يتوانى لحظة في دعم الفن السابع ببلاده ومبدعيه لا للشيء سوى أنّه يرى بأنّ السينما مرآة تاريخ يوغزلافيا وهو الهدف المحقق من طرفه وحلم الشعب اليوغزلافي الذي كان يتمناه. حيث لا يزال أرشيفها محفوظا في رفوف مؤسسة ”أفالا فيلم” للإنتاج، بينما أتلف أرشيف مهم بسبب آخر الحروب التي ضربت منطقة البلقان، أواخر التسعينيات والتي شهدت قصف إقامة الراحل تيتو ذو النزعة الاشتراكية، كما تسببت في تهديم عدّة معالم تاريخية كالمسارح والمنشآت باختلاف أنواعها ونشاطاتها. من جهة أخرى أبرز الفيلم بأنّ السينما اليوغسلافية تمكنت من ترجمة التاريخ ومختلف الأحداث السياسية والثورية بصدق في أفلام عديدة تجاوزت 8801 فيلم في مدة لم تتجاوز 35 سنة، لقيت نجاحات باهرة بفضل الدعم المقدم من الرئيس تيتو، المولع بالفن السابع، لدرجة كبيرة جعلته يشرف على تشييد قرى خاصة بالسينما ويوفر عتاد ضخم لها، ناهيك عن كونه لم يعارض ولا مشروع حول انجاز فيلم سينمائي كيف لا وهو على قيد الحياة ويتابع أعمالا تنجز عنه وبحرية واسعة عكست شغفه للشاشة بالأسود والأبيض. كما أشارت المخرجة في فيلمها إلى اغتصاب الذاكرة السينمائية اليوغزلافية جراء عدم الاهتمام بها وبمبدعيها بعد وفاة الرئيس تيتو، فأدت الحرب وتوحيد البلد إلى لا مبالاة الأنظمة الجدية بما صنعه تيتو من سينما وتاريخ نضال طويل. وهو الذي قال يوما ”الأمم التي لديها شباب مثل شبابنا لا تخاف أبدا من المستقبل ومستقبل بلادنا مرهون بهؤلاء ومستقبلنا سيعود”.