يشكل الدبلوماسي، الشاعر والكاتب اللبناني صالح ستيتي هذه الدلالة الجميلة للإزدواجية الثقافية المعبرة عن ذلك التفاعل بين الثقافات واللغات، وبين تلك التجارب الإبداعية التي يتشكل من خلالها الفنان الإنسان.. وهو من خلال تجربته الفكرية والإبداعية أدرك برغم خصوصية كل ثقافة، أن الثقافة في أصلها هي انتصار للإنسان ضد العدم، والقبح والباربارية.. إنه بتمكنه الخلاق في ممارسة اللغة الفرنسية وتحويلها إلى شكل من أشكال التعبير الإبداعي عن ذاته اللبنانية، والعربية الإسلامية فتح نوافذ شتى على الذات والآخر في حالة لقائهما المثير والخصب، وينطبق الأمر على عدة من المثقفين والمبدعين اللبنانيين والمغاربة الذين اغترفوا من ثقافتين مختلفتين وأبدعوا بلغة الآخر، بل ينطبق ذلك أيضا على المثقفين والمبدعين التوانسة مثل الكاتب والشاعر مؤدب وهشام جعيط وإلا أننا في الحالة الجزائرية لم نعش مثل هذه التجربة خلال السنوات الماضية، فالذين كانوا يكتبون بالفرنسية عاشوا حالة من الاغتراب والنفي والرفض المتبادل من كتاب اللغة العربية، بحيث تحولت الساحة الثقافية وكأنها تعيش إقصاما وتصد وصراعا بدل أن تعيش قوة التنوع والثراء.. وانعكس ذلك بشكل خاص بعد الإستقلال على سلوكات المثقفين والكتاب الجزائريين.. بحيث تحولت الإزدواجية إلى لعنة بدل أن تكون مكسبا ثقافيا وإبداعيا وظلت آثارها مؤثرة على وجهة الثقافة والأدب في الجزائر، وهذا برغم أن الجيل الجديد لم يكرر إلى حد ما، هذا الداء الذي ابتلي به أسلافهم... ومع ذلك نقول إن الحوار بين الكتاب باللغة الفرنسية والعربية مازال ناقصا وخامدا، ولا نطلع على آثار بعضنا البعض إلا نادرا.. ومع ذلك نرى أنه حان الوقت لإستعادة أعمال كتابنا الذين كتبوا بالفرنسية، لأنها تشكل رأسمالا رمزيا للثقافة الجزائرية، وهي جزء من تاريخ الإبداع والثقافة الجزائريين، على أجيالنا الشابة أن تطلع عليه..