بعد أيام على رحيل صوت اليسار السوداني (1948-2014)، توفي أول أمس الملحن والمؤلف الموسيقي السوداني/ اليمني ناجي القدسي في العاصمة اليمنية صنعاء. إشتهر محجوب شريف، الذي وُلد بمدينة أم درمان 1948، بالتعبير عن كفاح الشعب ونضاله من أجل الديمقراطية والحرية والعيش الكريم، عبر أسلوبه الخاص والمميز في نظم القصيدة بالعامية في السودان، الأمر الذي أدى لاعتقاله مرات عدّة أبرزها في عهد الرئيس الأسبق جعفر نميري، حيث سجن ثلاث سنوات، وكذلك مع بداية حكم الإنقاذ في 1989 نتيجة مواقفه المناهضة للحكومة. ومن أشهر قصائده: "يا والدة يا مريم، السنبلة، الحرامي، الغويشة، مساجينك، صباح الخير مسا النور، أوعك تخاف"، وآخر قصيدة للشاعر محجوب شريف "تلاتة كباري وشارعين وسد"، وغنى المطرب المصري محمد منير بأغنيته ذائعة الصيت "الشعب حبيبي وشرياني إداني بطاقة شخصية"، وبرز محجوب شريف كشاعر إنساني وضع بصمته في خارطة الشعر بعد أن أثرى الساحة الثقافية في بلاده بالأغنية والقصيدة الوطنية، يلتقط محجوب المفردة البسيطة الموحية من أفواه الناس وسجالاتهم اليومية ليعطيها من روحه وموهبته ما يحيلها إلى أنشودة يتغنى بها الجميع، وتحولت نصوصه العامية إلى حامل أكبر للهم السياسي. ويشير نقاد ومتابعون، إلى أن قصائده التي تغنى بها الفنانان السودانيان محمد وردي ومحمد الأمين، أسهمت في تشكيل خارطة الغناء الوطني في السودان. أما "ناجي القدسي" فقد ولد في مدينة عطبرة شمالي السودان سنة 1944 من أب يمني جاء إلى السودان من محافظة إب (وسط اليمن) في ثلاثينيات القرن الماضي، وأم سودانية تنتمي إلى الأسرة الميرغنية. سجّل أول مقطوعة موسيقية من تأليفه للإذاعة السودانية عام 1961 بعنوان "آمال"، وكان وقتها في حوالي السادسة عشرة من عمره، وفي ذات السنة أنشأ فرقة غنائية في حي الهاشماب بأم درمان، ولحن مجموعة من القصائد سُجِّلت للإذاعة السودانية، لحّن القدسي أعمالاً لعدد من المطربين بين عامي 1962 و1966، قبل أن يذيع صيته في العام 1967 باللحن الأشهر في مسيرته الذي رفعه إلى مصاف الملحنين الكبار، أي لحن أغنية "الساقية" التي تحمل مضامين سياسية مخبأة طي رمزيتها العالية، وغناها المطرب حمد الريّح، وهي الأغنية التي جعلت من القدسي نجماً في سماء الموسيقى السودانية يتغنّى بألحانه كبار المطربين ويسجل مقطوعاته الموسيقية بانتظام في الإذاعة، لما حازته من قبول شعبي عالٍ. كما أصدرت شركة "منصفون" للإنتاج الفني، جميع ألحانه المغناة بصوتي المطربين أبوعركي البخيت والتاج مكي، على أسطوانات طبعت بجودة عالية في اليونان. في يوليو/ تموز 1971، أعتقل القدسي بسبب استخدام مناوئي النظام لحن "الساقية" خلفية لهتافاتهم، خلال تداعيات انقلاب الضباط الشيوعيين، بقيادة الرائد هاشم العطا، على الرئيس جعفر نميري. اعتقاله استمرّ ثلاثة أشهر، خرج الموسيقي بعدها ليجد نفسه على هامش المشهد الفني السوداني لأسباب سياسية، فقد ابتعدت حناجر المغنين عن ألحانه خوفاً، مما أدخله في أزمات نفسية حاول علاجها بانغماسه في التصوف، ثم لحّن عدداً من القصائد ذات النزعة التأملية لأبي العلاء المعري والشاعر السوداني محمد الفيتوري. «أوعَك تخاف " يا من تموت بالجوع وقدامك ضفاف والأرضِ باطنها ظلَّ مطمورة سواك عطشان وقد نزلت عليك أحزان مطيره مُزَن سماك الدنيا أوسع من تضيق قوم أصحى فِك الريق هتاف إن الذين أحبوا روحهم ضيَّعوك وبيَّعوك أعز ما ملكت يداك أوعَك تخاف الخوف محطه محطه ما سكَّة وصولك للطريق إن الأيادي الحُرَّه ما بْتشعِل حريق تبْ ما بْتقيف تستنَّى قدامها بْتشوف يَحْتِل غريق تلو الغريق ما تنسى إنك كنت صاحب راي وبيت أهلا حباب لو دقَّ باب عندك مخدَّه وعنقريب هبَّابي، لمَّه وقهقهات تصحى وتنوم وتقوم معطَّر بالنشاط تنعس وقع في لحظه من إيدك كتاب وقلم كما برق السحاب يتهادى ما بين السطور كان سر جو كرسي الخيزران عند المغيرب رادي بغ بِنْ المزاج يدخل من النفَّاج عليك عثمان حسين يا عُشرة الأيام تمام أهو دا الكلام يا سلوى جك المويه أعملوا لينا شاي الأسره ممتده وحِداك جيران لطاف بي جاي وجاي جار المسيحي سكن إمام إلفه ومودَّه وقرقراب والناس قُراب ناس من نيالا وآخرين من وين ووين هسَّع جهنم في الحقيقه معسكرات من أين جاءكَ هؤلاء ما جونا من قيف السراب أو جونا من خلف الحدود بل جونا من جوّانا هم حُترب هنالك باقي في حلق الكلام تلك البذور الراكده في قاع الجُراب ما اتنفَّست فلق الصباح نفس الأزقة الفيها سكَّتنا الكلاب.. ولكم وكم غلب الغُنا السمح النباح كم نحن أحياناً شربنا المويه من كاس الجراح من بين أصابعنا المخدَّره بالسُكات من بين مسامات العيوب.. يا الله مين جلَد البنات جلداً موثق في القلوب وسكتنا ساي جُوّانا منْ فصل الجنوب هم عَسَّموك وقسَّموك خلُّوك مشتت في الدروب حدَّادي مدَّادي الوطن قد كان حليل الأغنيات يا أيها الأسف الشديد أكتب نشيد من تاني أجمل أمنيات لا للشهيد تلو الشهيد إلا إذا خطأً وصدفه تِحِتْ هدير التنميه موت الله ساي حتماً أكيد أو جانا من خلف الحدود وطن الجدود وطن الجدود نفديك بالأرواح نذود من بعد ذلك يا جميل أحلم بما لك من حقوق كشك الجرايد في الصباح، كيس الفواكه والملابس والكراريس والحليب نكهة خبيز والدنيا عيد إنسان عزيز وطن سعيد والشعبِ حر وطن التعدد والتنوع والتقدم والسلام حيث الفضا الواسع حمام والموجه خلف الموجه والسكه الحديد حرية التعبير عبير تفتح شهيتك للكلام النهر ما بِستأذن الصخره المرور جهراً بِمُرْ نحو المصب أمواجو تلهث من بعيد أكتب نشيد راسخ جديد الشمسِ تشهد وبرضو أستار الظلام