-- إذا كان سيغموند فرويد قد نظّر لمفهوم قتل الأب بمعناه الرمزي والذي تم تعميمه لاحقا وبشكل مكثف في الأدب، فإن الأب هنا ليس بالضرورة أن يبدو أباً بيولوجيا، (أو خاضعا لتقدير فوارق السن والتجربة)، يكفي أن يكون موجهاً أو داعماً أو محفزاً، أخذ بيد الكاتب وقاده نحو قارعة الكتابة الأولى ودهشتها، ليبقى هاجسا في ذهنية "الإبن المفترض" الذي يرى فيه "الشاهد الأوحد" لمسيرته، وبالتالي فإن هناك ضرورة ملحة لاغتياله معنويا حتى لا يبقى شاهدا على البدايات المتعثرة حتى لو شق الإبن طريقه نحو "المجد" المتخيل!... -- عندما حاورت الروائية أحلام مستغانمي، منذ ما يقارب العقد من الزمن، لاحظت انزعاجها التام من دراويشها ومريديها أكثر من منتقديها، وكنت مندهشا ومنزعجاً من أوصافها في حقهم..! الآن بتُ مقتنعاً أنها كانت على صواب تام، حيث لم يتجاوز هؤلاء دائرة "دروشتهم" التي تعيد صياغات أحلام بطرق مبتسرة. -- الكتابة لحظة وعي .. وعندما تتجاوز هذا المعنى فهي تصبح مجرد خربشات هواة على صفحات الافتراض الذي لا يصمد طويلا أمام تحديات الواقع. -- عندما زرت مغارة سرفاتيس، في أعالي العاصمة، حيث كتب ميشيل دي سرفاتيس أولى الروايات في التاريخ الحديث (دون كيشوت)، تساءلت كيف لسجين في هذه المغارة أن يبدع مثل هذا العمل الذي استشرف واقعنا الأليم، (قبل أكثر من 400 سنة).. وكيف لمن يتمتع اليوم بكامل الحرية في الديمقراطيات العتيقة، أن يبقى عاجزا عن فك شفرة هذه الرواية حيث يعيد إنتاج الحروب الوهمية ذاتها وهو يعارك طواحين الهواء؟! -- الذين فشلوا في أن يكونوا أبطالا حقيقين في الواقع، أصبح في إمكانهم اليوم -نتيجة تطور وسائط الاتصال الحديث-فرصة، أن يمثلوا أدوارا مزيفة لأبطال افتراضين على المواقع. -- المفكر السوداني منصور خالد كتب منذ عقود كتابه المرجعي "النخب السودانية وأزمة إدمان الفشل" أضحى من الضروري اليوم أن يعمم المفهوم ليشمل "نخبا أخرى" بدت قادرة على إدمان الفشل وإعادة إنتاجه أكثر من غيرها. -- بعض "الشفويين" حسب تعبير الكاتب المصري "مأمون فندي"، لا يمكنهم أن يتجاوزوا واقعهم المأزوم، وبالتالي فغاية ما يفعلونه هو تطبيق المثل الإيطالي القائل: الرجل الغبي لا يمكنه أن يرى ورقة بيضاء دون أن تثير حنقه! -- راح صديقي الافتراضي على مساحة الأسفير، يبعث إلي برسائل عاجلة على "الإنبوكس"، وعندما وجدته "أونلاين" بادرني بالسؤال: هل قرأت المقال الفلاني ..قلت: أي مقال وفي أي صحيفة؟ رد: ذلك المكتوب في الموقع إياه.. ضحكت من كل قلبي وشكرته على حسن ظنه.. ثم سألته هل تعتقد أنني أملك كل هذا الوقت حتى أصرفه لمتابعة ما يكتب في مواقع لا يجيد مسيروها كتابة جملة واحدة -غير مفيدة- بطريقة صحيحة؟!.. ضحك وضحكت وانتهت المحادثة. -- ثمة مسافة واضحة بين من يكابد قدر الكتابة من أجل تلمس أوجاع الناس، ومن يدغدغ مشاعرهم من أجل نيل بعض من الرضا، الأول معني بترسيخ الوعي، والثاني معني بترسيخ الحالة القائمة، فقط لأنها تحقق له فرصة المتاجرة بالأوجاع.