هو أحد أبرز وجوه النقد الجزائري الشابة، كاتب وروائي مختلف، له دراسات نقدية وفكرية فلسفية عديدة، دكتور في الأدب بجامعة سطيف، إنه الدكتور اليامين بن تومي الذي يفتح قلبه ل "الأثر" ويجيب على أسئلة الشاعر رفيق جلول بهدوء وعقلانية حول النقد والفلسفة وغيرها من التفاصيل في هذا الحوار. يحتاج المنجز الإبداعي إلى ما يسمى نقدا، في رأيكم هل النقد في الجزائر يقوم بدوره كاملا؟ نعرف من دون تفصيل أنه لا يمكن للنص الأدبي أن يتقوم إلا من خلال ما يقوم عليه من النقد، فالنقد هو اللغة الثانية التي يجدر بها أن تكون مرافقة لأي إبداع، فهو الشقيق والرفيق باللغة اليسارية للنص الأدبي، لكن السؤال المطروح هل نملك في الجزائر حركة نقدية قوية تساير ما يصدر من إبداع؟ إن النقد في الجزائر تعرض لملهيات كبرى منعته من الانتشار، وحالت دون قيامه مدرسة شاملة واضحة المعالم، لذلك فنجد الساحة ضعيفة لا تعرف إلا بعضا من الأسماء، وإلا فهي خاوية على عروشها من النقد، الذي كان عليه أن يتعاظم ليصبح حالة عامة. وهذا الأمر لأسباب بنيوية كتبت عنها شخصيا ضمن مقالات سابقة، فمن بينها أن المسار النقدي في الجزائر كان متعلقا بأزمة فصلت في هوية النقد ذاتها بين مصبين أحدهما مشرقي والآخر غربي ما يزال فقط على مستوياته النيِّئة لم يصل لدرجة الاستواء بعد، فهو نقد نظري لم ينزل إلى النصوص إلا في حدود أكاديمية ضيقة، أضف إلى ذلك القطيعة الابستيمولوجية بين النص الإبداعي والناقد، وذلك لأن أغلب النقاد هم باحثون أكاديميون مصابون بلوثة التفوق النظري، ويرون أن معارفهم ليست هملا تنزل لأي كان، ثم إن هذه النوعية استغرقتها خلافاتها الشخصية والمدرسية التي تعبر عن أزمة وعي حقيقي بين النخب النقدية في الجزائر، يعني سأقول لك صديقي إن النقد في الجزائر مأزوم نتيجة تأزم الوضع الثقافي الذي لم يتراكم في شكله الطبيعي. هذه الحالة يعبر عنها الانتفاخ الرهيب في الذات النقدية هذه الاستعلائية الفجة، وهذه الأعطاب جعلت النص الأدبي يتخارج بعيدا عن أي دراسة نقدية. وهناك مسألة أخرى، أن الأسماء الكبيرة أخذت حظها النقدي الأكاديمي والصحفي، وبالتالي حصلت هناك هيمنة لهذه الأسماء، وبالتالي ما يكتب نقديا محصورا فقط في وجه واحد، هم الممثلون الفعليين للمؤسسة الرسمية وجل النقد يدور على كتاباتهم، هذا النوع من النقد جعل جيلا إبداعيا بعيدا عن أي مراقبة نقدية، أو يشبه الطبقة الأدبية التي لم تحز على ريع السلطة الرسمية من النقد، بحكم أن نصوصها ما زالت لم تدخل بيت الطاعة الفني والجمالي وهناك جزئيات كثيرة حالت دوت التأسيس لمناخ نقدي يتساوى فيه الجميع. وهذا ما يجعلني أقرر أن النقد الممارس في الجزائر لا يكاد يخلو من الانتقائية التي تقوم على الولائية والزبونية، وبالتالي يغيب النقد الفعلي الذي تتقومه مدرسة واضحة المعالم والتي يتساوى فيها جميع النصوص باعتبارهم طلبة تحت العناية المركزة. في مقالكم الموسوم ب "النقد أم العقل النقدي.. أيهما أولى" أشرتم إلى أننا في الجزائر لا نملك طبقات اجتماعية قادرة على تأسيس وعي كلي بالأشكال الكبرى للثقافة، فيما تتمثل هذه الأشكال، وهل يمكننا تكوين مجتمع ثقافي واعٍ بها؟ حين نبحث في اللبنات التأسيسية لأي وضع نقدي سليم فعلينا أن نتحدث عن شمولية الخطاب النقدي، لأن النص الأدبي يقرأه جمهور ما من القراء، والنقد بهذا يكون بمقدار انخراط النص في الجامعة القارئة، وشيوع نص من آخر يدل على توافق النص مع أعراف الجماعة القارئة، أو أنه أضاف جديدا إلى التقاليد الجمالية لتلك الجماعة، وهذا يجعل النص يكتسب أهميته من جهة التلاؤم وعدم التلاؤم بحسب النص. وهنا تعمل هذه الجماعة القارئة على فتح نقاش حول النص. هنا نتكلم عن النقد باعتبار فعل جماعي، لأن الجماعة هي التي بإمكانها التوافق على المعايير الجمالية، والفرد باعتباره مفردا قد يخرق تقاليد الجمالية للجماعة القارئة، وهنا يحصل نقاش بين مؤيد ومعارض نتيجة الوضعية التي اتخذها النص الإبداعي، فأهمية النص بمقدار تحريكه لهذه الجماعة بين القبول والرفض، هذه الحركة العامة بقدر ما فيها من المتخصصين الذين يفهمون آليات النقد، بقدر ما هنالك هواة، وبالقدر نفسه هناك أناس محبون للإبداع على سبيل التذوق، وجميع هؤلاء يحكمهم عقل جامع نسميه العقل النقدي، هذا العقل الجمعي لا يمكن أن يتأسس في بيئة غير بيئة الطبقة الوسطى لأن النص الأدبي يصبح بناء فوقيا للتعبير عن أفكارها وطموحها، وبالتالي تنخرط كل الطبقة المتوسطة في التأسيس لليوتوبيا التي يحلمون بها من خلال الوضعية النقدية للنص الإبداعي، باعتباره ما في ممكنه أن يؤسس للوعي العام للمجتمع. لكن كلما تقلصت دائرة الطبقة المتوسطة تقلص الاهتمام بالنقد، ولنا في ذلك مثال وضعية النقد في الجزائر في مرحلة السبيعينيات التي كانت ساحة تغلي بالنقاش والحوار، وأفول ذلك الوضع لأن الطبقة الوسطى تم مصادرتها وجر مساحات واسعة من الشعب نحو الفقر، والأخير لا يؤسس للنزعة النقدية بقدر ما يؤسس لأخلاق العبيد، التي توافق فقط. ومن ثمة لا يمكن لشعب جوعان أن يحلم بشراء النص الأدبي، فوضعية الطبقة المتوسطة تجعلها في وضع يُمَكِّنُها من الانخراط في الأفكار العامة لما تراه في نفسها من أهلية لصياغة مشروع مجتمع، وهي صمَّام الأمان للعلو بهمة الذوق والنقد معا. وهذا موضوع ناقشه الفلاسفة والمفكرين على نحو دقيق. النص المعاصر بين مطرقة الحداثة وسندان التراث والجدل الفكري بينهما لا يزال قائما، في منظوركم الثقافي هل هناك تقارب بين التراث والحداثة؟ السؤال في تصوري لا بد أن يطرح من منظور آخر، لماذا نشعر أننا مسكنون بزمنية التراث برغم عدم انخراطنا فيه، لكننا ننتج باعتبارنا حاملين للجين التراثي، إنها أزمتنا البنيوية التي نعانيها، وعليه لنفهم هذا الحرج من أين ننطلق لنعدل في الوضع، هل يتم البناء في التراث أم البناء هنا؟ أتصور أنه علينا أن نفعل زمنيتنا الخاص بنا وهي "هنا" في الآني، وهنا لننفعل أكثر، علينا أن ننطلق من هنا لنفهم ما يوجد هناك. وهكذا نكون حققنا فضيلة ما يناسبنا من التراث، لأننا وإن كنا محمولون فيه إلا أننا من ناحية أنطولوجية نحن غير هذا التراث / يجتاحنا فقط على مستوى الشعور. أما على مستوى الولاء له أو البراء منه، أي إما أن نُفعِّله في راهننا مع ما يفيدنا منه أو أن نقطع معه كلية، وأنا شخصيا لي وجهة نظر في المسألة تحتاج لتوضيح متعلق بجزئيتين، الكينونة والزمنية. هل نحن نوجد هنا أم هناك؟ فبرغم أننا موجودون هنا ضمن شرائط الوضع العالمي برغم إننا مقحمون لا إراديا في حداثتهم للخصائص المعروفة من كون العالم صار ملتحم الأجزاء إلا أنه على مستوى الكينونة نحمل فينا قيما مختلفة عن قيمهم، إذا نحن أمام عمل مضاعف، أن نُفعل زمنيتنا مع ما يتوافق والحداثة في شكلها العالمي، لأنه لا يمكن أن نعيش خارج التاريخ، ومن جهة ثانية علينا أن نحمل لهذا العالم رؤيتنا الكونية النابعة من قيمنا التي تؤسس للتسامح والتعارف، وهذا يجعلنا في خانة الإضافة لا في خانة المستهلك. ترشحت، مرارا، الرواية الجزائرية لأجيال متفاوتة في عدة جوائز عربية، ما رأيكم في هذا الترشيح هل هو إيجاز عن وعي ثقافي بالمنجز الروائي الجزائري، أم هي مجرد لعبة "بوكر" كما عبرت في إحدى مقالاتك؟ لا شك أن الرواية الجزائرية كشفت عن ساقها في محافل دولية كبيرة وصار لها مكانة، وهذا فيه ما يجعلنا نتباهى بما ينجزه مبدعونا وأنا مع الترشح والفوز بالجوائز. أما "بوكر" فلها حساباتها التي تعمل دائما وفقها وعدم فوز الرواية الجزائرية لا يسقطها من برج تفوقها، وهي قد ترشحت لأكثر من بوكر وبرغم ذلك تبقى الرواية الجزائرية حالة خاصة، فهي تعبر عن مسيرة شعب، وليس عن حالة فردية معزولة عن السياق. في أحد مقالاتكم أشرتم إلى أن المفكر الراحل نصر حامد أبوزيد تعرض في كتابه "نقد الخطاب الديني" إلى الاستعداء الذي جره التعقيل الناتج عن الاعتزال الفردي لحاجة الخطاب الديني، ما هي النتيجة التي توصل إليها الخطاب الديني في دحض الخطاب العقلي؟ لقد قمت بدراسة مستفيضة لمشروع نصر حامد أبو زيد وبينت كيف أن التكفير الذي رُمِيَ به الباحث لم يكن بسبب آرائه وإنما نتيجة لكشفه ألاعيب الخطاب الديني الذي يتدثر بالتدين ليحقق مكاسب مادية لا غير. ولعل هذا الذي يجعل نصر حامد أبو زيد يتبنى موقفا تاريخيا نتيجة الخلاف الجوهري بين المعتزلة وغيرهم. ومجرد انتمائه لهذا الخطاب التاريخي ألب ضده كل الخصوم التاريخيين. أرجعت رسم مسار تطور الرواية عند واسيني إلى مغامرة وقع الناقد في وهم الحصر، هل يستطيع المبدع أيا كان كسر المتوقع من نصه الإبداعي من طرف الناقد، أم هو يخضع أي إلى التوقعات النقدية التي تمارس فيه من قبل الناقد؟ يعني أردت أن أقول إن التجربة الروائية عند واسيني الأعرج أكبر من أن نحصرها في اتجاه محدد لقرائها واختلاف مصباتها، فهي من الناحية الزمنية طويلة نوعا ما وثرية جدا من الوجهة الفنية، فواسيني تقريبا لديه كل سنتين رواية تحكمها أبعاد ومنظورات متعددة وبالتالي علينا أن نكون حذرين في تقييم هذه الأعمال، لأنها محكومة بأنساق وظروف وتطورات في مسار الرجل العلمي والفني، وهذا الذي وسمته بالرواية الورشة، لأنه لا يكتب في قضية محددة فالروائي له اهتمامات وطنية وقومية وعالمية ولكنها تقع في عموم إثراء التجربة الروائية الجزائرية. بصفتك ناقدا يشتغل بالساحة الأكاديمية، هل الجامعة تمارس نقدا للنص الأدبي والإبداعي أم أنها تجعله يخضع إلى مقاييس فشل تقتل النص فور خروجه إلى القارئ؟ لا نملك بجد درسا نقديا أكاديميا، فهو ما يزال درسا تعليميا بائسا، وأغلب المنشغلين به لا يراوحون النظريات دون أن تكون لهم اليد الطويلة في نقد الأعمال الروائية فهناك تفوق واضح للإبداع على حساب النقد. وبالتالي فالجامعة في وادٍ والإبداع في وادٍ آخر. هذا لا يمنع من القول بوجود فرديات تحاول أن تلاحق ما يقال لكن يبقى ذلك التلاحق ضعيفا وقليلا. حاوره: رفيق جلول العرض المغاربي الأول لفيلم "السطوح" للمخرج الجزائري مرزاق علواش.. حين تصبح السطوح مسرحا لصراع الحياة والموت في إطار فعاليات الطبعة الثانية من مهرجان الجزائر للسينما المغاربية، قدم الممثل الجزائري "مرزاق علواش" العرض الشرفي المغاربي لفيلمه السينمائي الطويل "السطوح"، مساء أول أمس، بقاعة الموقار، وسط حشد هائل من المتفرجين الذين احتلوا الدرج كونهم لم يجدوا أماكن تحتضنهم في القاعة. في اليوم الخامس من عمر الطبعة الثانية من مهرجان الجزائر للسينما المغاربية، تم عرض فيلم "السطوح" للمخرج "مرزاق علواش". فيلم يروي أحداث يوم عادي من أيام الأسبوع، تقع أحداثه في خمسة سطوح في الجزائر العاصمة، يقدم للمشاهدين خمس قصص مختلفة لا ترتبط ببعضها البعض بأي صلة، وقد سطرت أبعاده الزمنية أوقات الصلوات الخمسة.. إختار صاحب الأعمال السينمائية "عمر قتلاتو"، "باب الواد سيتي"، "حراقة" و«شوشو"، أن يجعل فيلمه الطويل "السطوح" أشبه بمجموعة من الأفلام القصيرة ليجمعها في عرض واحد، قصص مختلفة لكل منها أبطالها وحبكتها، الشيء الوحيد الذي يربط بينها كونها تجري على سطوح بنايات العاصمة. خمس قصص عاشها جمهور الموقار مع الشخصيات العديدة للفيلم، تركت انطباعات مختلفة فالبعض ضحك على المواقف الكوميدية، وتأثر البعض الآخر بالمشاهد الدرامية، بينما هناك من لم يعجبه العرض إطلاقا. تطرق المخرج خلال عرضه إلى العديد من المواضيع الاجتماعية، منها العنف المسلط ضد النساء، الفساد الاجتماعي والأخلاقي، مشاكل الإرث بين أفراد العائلات، الجماعات الإسلامية المتطرفة، الشذوذ الجنسي، السرقة، المخدرات، أزمة السكن التي نتج عنها ظاهرة البيوت القصديرية،... وغيرها من المشاكل الاجتماعية التي يعيشها المجتمع اليوم. من خلال خمس قصص في يوم واحد قسم زمن روايتها على قياس أوقات آذان الصلوات الخمس. القصة الأولى تروي قصة مجموعة من الشباب الموسيقيين يحاولون جاهدين شق طريقهم في المجال الفني والعواقب التي تواجههم، قصة ثانية تصور رجل مافيا يعذب أخاه حتى الموت بسبب مشكل الإرث بينهما، قصة ثالثة تصور عائلة مفككة تتكون من الأم، الإبن والجدة، لم تجد مكانا يأويها فاتخذت من بيت قصديري على السطح مقرا لها وتتعرض بسبب ذلك إلى المعاملة السيئة من قبل أحد الجيران، الذي يريد إخراج أفرادها إلى الشارع. قصة أخرى تصور فتاة تنتحر بسبب العنف الجسدي الذي يمارسه شقيقها عليها، وقصة أخيرة مبهمة لعائلة تقيد أحد أفرادها والذي كان مناضلا سابقا في زمن الثورة، وتحبسه في السطح كونه يعاني من هلوسات أو نوبات جنون بين الحين والآخر، كلما تذكر ماضيه المضطرب والحقيقة المخنوقة في طيات الزمن... لم يعتمد "مرزاق علواش" في عمله السينمائي على قصصه وحسب، بل ركز على إظهار الجانب الجمالي للعاصمة من علو السطوح ليصور من باب الوادي إلى القصبة والسيدة الإفريقية، مبرزا أهم معالم مدينة إيكوزيوم الجغرافية والأثرية. ورغم إظهاره للعديد من الوجوه السينمائية والفنية المعروفة مثل مراد خان، نبيل عسلي، جميل غولي، حسان بن زراري، عليمة عبادة... إلا أن بنية الفيلم ورسالته بقيت ضعيفة نوعا ما، مقارنة بالجانب الكوميدي الذي حاول أن يطغى على الفيلم السينمائي الطويل الذي تجاوزت مدة عرضه ال91 دقيقة.