يكشف الفنان المسرحي والكوميدي كمال بوعكاز في هذا اللقاء عن الدعم الكبير الذي تلقاه من مدير المركز الثقافي الجزائريبفرنسا الكاتب ياسمينة خضرا في تنظيم جولاته الفنية في باريس، ويعلن لجمهوره عن الحفلة التي سينشطها بمناسبة آخر السنة في قاعة الشرق بمرسيليا في فرنسا، كما يعد محبيه بالمتعة والفرجة في جديده المسرحي الذي سيقدمه في المستقبل القريب تحت عنوان ''أستنى يالرايس''· قدمت مؤخرا في المركز الثقافي الجزائريبفرنسا عملك المسرحي أو بالأحرى كوميديا ''الناعورة'' التي تحولت في السنوات الأخيرة إلى ''وان مانشو''، كيف كانت التجربة هناك من حيث التلقي واستقبال الجمهور؟ قمت في هذه السنة بجولتين فنيتين إلى فرنسا، وفي المرتين قدمت عروضا في المركز الثقافي الجزائريبفرنسا وفي عدد من القاعات سواء تلك المخصصة للعروض الفنية أو قاعات الحفلات. بالنسبة لموضوع تلقي الأعمال الكوميدية في فرنسا من طرف جاليتنا هناك، لم أجد اختلافا كبيرا بين الجمهور هنا في الجزائر والجمهور هناك في فرنسا، طبعا هناك بعض الفروق على مستوى طفيف جدا في بعض الاستعمالات التي لها حضور أكبر هنا في الجزائر، تماما كما ألاحظ دائما وجود هذه الفروق في جولاتي داخل الوطن، فالمتلقي في مدن الشرق الجزائري يختلف حتما عن المتلقي في مكان آخر، وبالتأكيد أنا أشتغل على الجمهور الجزائري بالدرجة الأولى، ولكن أجدني أحاول التأقلم دائما مع الجمهور حسب الظروف والقاعة، دعني أقول إن ''الناعورة'' عمل مفتوح على الجمهور، بل إنه وهو يكسر الجدار معه يورطه في سير العمل· لا أقصد هنا بالضبط الجانب اللغوي بل الإيقاع العام للحياة وارتباط كل جمهور بعوالم تختلف قليلا أو كثيرا، ما رأيك؟ الاختلاف موجود والتباين كذلك كما ذكرت، لأن تلقي الجمهور يتشكل دائما بناء على الظروف المتغيرة إلى جانب الخلفيات الاجتماعية والسياسية والوجدانية كذلك، ''الناعورة'' كسائر الأعمال الكوميدية وبشكل عام تعتمد بشكل أساسي على الموقف الذي يثير فينا الضحك، وليس العكس، فالموقف هو الأساس ثم تأتي التشكيلات الأخيرة الداعمة له، والكوميديا تظل في النهاية عملا شاقا وصعبا للغاية· هل كان العمل ناجحا جماهيريا من حيث الحضور أولا والتجاوب في المستوى الثاني؟ الجمهور تفاعل مع العرض، ليس فقط الجالية الجزائرية والمغاربية التي تفاعلت مع العرض وإنما كان هناك بعض الفرنسيين الذين أعجبهم العرض رغم أنهم لم يفهموا اللغة، العمل يشتغل على المواقف والحالات، وهنا أكيّف العرض دائما حسب نوعية الجمهور، ففي فرنسا مثلا قدمت العمل متجردا من الديكور تماما وليس معي فوق الخشبة سوى كرسي فقط. بالنسبة للتوافد على العرض لم يكن عاليا جدا، وأعتقد أن المشكل ينحصر في ضعف الآلة الإعلامية لأن الترويج للعرض أمر مهم· هكذا يبدو أن العمل صار يعتمد بنسبة 90 بالمئة على الارتجال، هل تجد ذلك أمرا صحيا على المستوى الفني؟ صحيح، العمل أصبح يراعي ما سبقت الإشارة إليه، وبناء عليه فأنا أنظر طبيعة الجمهور قبل بداية العرض، وأسعى في الدقائق الأولى لتسيير العرض وفق المستجد دائما وحسب الظروف المحيطة بي. من هنا يرتفع سقف الارتجال في العمل، هذا من جهة، من جهة أخرى فإن العمل المفتوح على الجمهور بشكل تفاعلي يستوجب آليا حضور الارتجال وفق ما تقتضيه المواقف· في سنة 2009 قمت بجولتين فنيتين في فرنسا انطلاقا من المركز الثقافي الجزائري هناك، كيف تلقيت اهتمام مدير هذا الأخير الروائي ياسمينة خضرا بأعمالك؟ لقد شرفني الكاتب ياسمينة خضرا بدعوته لي أكثر من مرة، وكان دائما يحضر العروض التي أقدمها مبديا إعجابه بها، وهو دائما ما يساعدني في التحضير للجولات الفنية هناك، وطلب مني بطيبته وحسه الثقافي العالي أن أوسع دائرة عروضي أكثر على المستوى العالمي. أنا أشكر له هذا الاهتمام وهذه المساعدة الكبيرة· الارتجال في المسرح مغامرة ومتعة إلى أي مدى يمكن وصف الارتجال على الركح بالمغامرة الفنية الصعبة؟ هذا الوصف صحيح، ولأن الارتجال مغامرة فإنه لم يقاربه من الكوميديين وعلى أوسع نطاق إلا قلة سواء في الجزائر أو في العالم العربي، هو كما يقال ''السهل الممتنع''. عليّ أن أشير هنا إلى أن الارتجال متعة حقيقية، ولكنه في الوقت نفسه مشقة كبيرة وليست لعبة كما يتصور كثيرون لأنه ثمرة عمل ومثابرة وسنوات من العمل، هذا توصل إليه على سبيل المثال لا الحصر قاد المالح والفنان الشهير فلاق· ما سر العلاقة الغريبة بين بوعكاز و''الناعورة''· البعض ينتقدك ويقول إنك لم تستطع تجاوز هذا العمل الذي لقي نجاحا جماهيريا كبيرا منذ عشر سنوات، هل هو الاستثمار في العمل الناجح والخوف من المغامرة الجديدة ركحيا؟ لست أدري لماذا لا يريد عرض ''الناعورة'' أن يكتمل إلى اليوم، أقصد هنا بالاكتمال أن يشرع في فقد العلاقة الصحية بينه وبين الجمهور. ''الناعورة'' تصاحبني منذ 10 سنوات، لعل الأمر راجع إلى إمكانية استيعابها لمختلف القضايا والظواهر ذات الصلة بالراهن اليومي المتسارع، ولعل إقحام الجمهور فيها يشكل دائما روحا جديدة للعمل دون السقوط في النمطية التي تقتضيها الأعمال المسرحية ذات التشكيل الكلاسيكي بالمفهوم الأكاديمي للمسرح· أشعر أنني لن أشارك في أعمال مسرحية جماعية منذ مسرحية ''التمرين'' للفنان الكبير امحمد بن قطاف، لم نشاهد كمال بوعكاز على الركح ضمن أعمال مسرحية جماعية· هل هو خيار أم فرض عليك الأمر في النهاية، لتجد نفسك مستسلما للأعمال الفردية بعد دخولك عالم الكوميديا التلفزيونية من الباب الواسع؟ هذا صحيح، إن أخشى ما أخشاه وهنا سأكون صريحا إلى درجة الصدمة هو ألا أشارك مستقبلا في عروض مسرحية جماعية تحت وطأة ظروف العملية المسرحية بشكل عام. دعني أقول لا يمكنني أن أفضل هذا الخيار أو أن أقتنع به، ولكنني في الوقت نفسه خاضع بنسبة ما للظروف، ومع ذلك لن أغلق هذا الباب نهائيا، فالمسرح هو الحب الأول وهو الباب الأول أيضا. أشعر أن وراء سؤالك شيء من الإدانة اللطيفة بشأن المسرح والتلفزيون، كأنك تريد القول إن أضواء الكاميرا سرقت بوعكاز من الخشبة. هذا غير صحيح، لأن علاقتي مع الخشبة على أحسن ما يرام. هناك كثير من الأسماء التي تورطت لتغرق في عالم الأضواء التلفزيوينية وحين أرادت الوقوف على الخشبة أضاعت البوصلة وشعرت بالعجز. هذا مؤسف للغاية، ولا أتمنى أن يكون مصيري كذلك· اشتغالك منذ مدة على الأعمال الفردية الكوميدية تحديدا على الخشبة وبنفس ارتجالي عال، جعل الاقتراب لتجسيد نصوص مسرحية خطيرا، في المستقبل من سيكتب لبوعكاز في هذه الحال؟ هذا صحيح، من حين لآخر تأتيني نصوص لا أنكر قيمتها المسرحية والفنية والجهد المبذول فيها، ولكنني لا أجد نفسي فيها، وهو الأمر الذي حدا بي للتفكير بشكل جدي في طلب نصوص من بعض الكتاب المسرحيين الأصدقاء الذين يعرفون عوالمي جيدا ويعرفون إمكاناتي الفنية، هذا معمول به في كثير من الدول، لم لا نحن؟ وهو ما يعرف بالكتابة للنجوم· هل من نص في الأفق أحسه بوعكاز لنراه في المستقبل؟ أشتغل الآن على نص مونودرامي جديد يحمل عنوان ''أستنى يالرايس''، أشعر أنه سيصنع الفرق في عالم المونولوج· بعد ظهور عدد من التجارب المسرحية في نوع ''ألوان مانشو''، لماذا لا يتم التفكير في مهرجان أو أيام مسرحية خاصة بهذا النوع للنهوض به أكثر ومقاربة هذه التجربة فنيا ونقديا؟ هذه ضرورة اليوم. في الجزائر ومنذ سنوات هناك أسماء جادة تشتغل في هذا الحقل، أخص بالذكر هنا العمري كعوان، حكيم دكار، أحمد رزاق ومحمد عباس. هناك طاقات واعدة من الضروري الالتفات إليها للارتقاء بهذا النوع المسرحي الفتيّ في الجزائر· قلة القاعات وضعف التوزيع هو عائق النهضة المسرحية في الجزائر والمسرح الخاص ضرورة يمكنني بالمقابل أن أشعر أنك تدين الجو العام للصناعة المسرحية في الجزائر، وبذلك يكون الانسحاب تدريجيا أو ضعف المردود المسرحي لعدد من الأسماء وأنت منهم مبررا، ما قولك؟ لا أبحث عن تبريرات لواقع صعب ومر، أنا لا أغطي الشمس بالغربال كما يقال، وسبق وأن قلت إنني لا أتصور نفسي بعيدا عن الخشبة. المشكل الأكبر في الجزائر بالنسبة لي على صعيد الإنتاج المسرحي ليس مرتبطا بالعديد من القضايا المثارة في الصحف على أفواه المسرحيين كأزمة النصوص والمخرجين إلى غيرها من القضايا المعلبة والجاهزة. المشكل الأساس هو أنه ورغم الطفرة الملحوظة في الإنتاج المسرحي الجيّد منه والرديء، فإن آلة توزيع العروض معطلة إلى إشعار آخر. الأمر يرجع أساسا هنا إلى النقص الفادح لقاعات العرض المسرحية والسينمائية على السواء، ولذلك ترتبك بشكل منطقي عملية توزيع العروض التي تبقى محدودة للغاية عبر عدد من المسارح في بلد هو قارة، ومن ثم إضاعة الجمهور، ومن دون ذلك لن يرتفع مستوى الإنتاج، ناهيك عن غياب المسرح الخاص، الأمر الذي يلغي التنافسية التي تقدم الجودة، في ظل هذا الجو نسقط دائما في دائرة البكاء على الأطلال، لا أفهم كيف لا نستثمر الآن القاعات الموجودة على مستوى دور الثقافة والشباب وتجهيزها لتكون فضاءات صالحة للعرض المسرحي·