منذ ثلاث سنوات تقريبا بدأت العمل في هذا الملحق الثقافي بحب كبير، وأشعر الآن أنه لا بد من توديعه بنفس الحب الكبير، وأن الحب هو الشعور الوحيد الذي سأترك به ''الأثر'' ليس أثري فقط، ولكن كل من جمعتهم به أيضا علاقة الحب نفسها، لقد كانت قناعتي ولا تزال، أن هناك أشخاصا، مواقفا، أمكنة وحتى ملاحق ثقافية لا يمكن في سياق كسياقنا نحن إلا أن نشعر نحوهم إما بالحب أو الكراهية، لا موقف ثالث على الإطلاق، وكان يعجبني عدم الحياد إزاء ''الأثر'' كملحق مختلف وكنت أفرح بالمواقف المتطرفة في حبه كما بالمواقف المتطرفة في كراهيته، ليكن، ليس الحب ولا الكراهية بالأمور التي يمكن التحكم فيها، إنها شأن شخصي خاص بكل فرد. لا أشعر بالأسف على أي شيء، لقد كانت تجربة ومختبر بالنسبة لي، شأنه شأن تجارب أخرى خضتها بنفس الإيمان المقدس والحب الكبير، أي بالعمل على تقديم الأحسن والأجود، والتأكيد على أنه يمكن فعل ذلك حتى لو كنا لا نعرف الطريق في ضجيج الألسن التي لا تتوقف ولو للحظة واحدة عن الرغي والكلام السيء، والنميمة السامة والطعن في الظهر، تلك أخلاق محيطنا الثقافي للأسف الشديد، وعلى من يعمل إما أن يتركها خارج نظرته أو يقبلها كمعطى من معطيات الواقع الذي لا مفر منه. وصلت مع ''الأثر'' إلى هذه اللحظة بالذات، فعلى مدار السنوات الثلاث لم يتوقف ''الأثر'' عن الظهور إلا في مناسبات قليلة لم أكن أنا طرفا فيها، ولكن اقتضتها مسببات خارجية لا غير، لا أشعر مع ذلك كله بأنني أديت واجبي على أكمل وجه، لقد خذلني الوقت والإحساس بأن الأحلام كانت دائما أكبر من الممكنات. لقد نفرت دائما من المشاكل التافهة والصراعات الخسيسة بالرغم من أن البعض كان يحاول أن يجر الملحق إليها في كل آن، أودع ''الأثر'' وأنا سعيد بعض الشيء، وبدون حسرة، لقد قمت بدوري وكفى، وكان يمكن أن يكون أحسن من هذا بكثير لو كانت الظروف مختلفة والإمكانيات متوفرة أكثر. لقد كتب إلياس خوري الروائي اللبناني، مؤخرا، وهو يودع ملحق النهار الثقافي بأن الكاتب هو الذي يصنع المكان وليس المكان هو الذي يصنع الكاتب. لقد وصلت إلى لحظة الوداع لقراء ''الأثر'' الذين سعدت دائما بتجاوبهم الكبير معي، فشكرا لكم، شكرا لكل من ساهم معنا في هذه المغامرة ولكل من حلم وآمن بصدقه وروحه التي هي أكبر من كل شيء، وأغلى من أي مال أو منصب. أودعكم جميعا على أمل أن ألتقي بكم في مغامرات أخرى، وأن أعود لما كنته دائما، الكاتب الذي همّه الكتابة قبل كل شيء· إلى مدير الجريدة استقالة أقدم لك استقالتي على أن لا تعتبرها رد فعل بقدر ما صارت عندي قناعة اليوم بأنني لا أستطيع أن أعمل في جريدة لا تحترمني بهذا الشكل وتضع اسمي مع اسم شخص اعتدى عليّ بصورة وقحة ومخزية، في نفس الخانة· وإذا كان الأمر لا يعني لك أي شيء، فهو يعني لي الكثير ويسيء إليّ أكثر مما تتصور، أريد فقط -كما جرت العادة في الجرائد المحترمة- أن يخرج هذا الافتتاح في العدد القادم من الأثر والذي بطبيعة الحال لم أعد مشرفا عليه شكرا. ومع السلامة