كشفت مصادر مطلعة أنه يرتقب إعلان الرئيس بوتفليقة عن تعديل حكومي عميق، مباشرة بعد ندوة الإطارات السنوية نهاية جانفي الجاري، حيث سيكون التعديل حسب المصادر بخلفيات لها علاقة بملفات الفساد التي ظهرت في قطاعات وزارية عديدة· قال وزير المالية، كريم جودي، مؤخرا '' لن أتوانى في تحويل أي ملف مهما كان صاحبه في الدولة الجزائرية، إلى القضاء، في حال اكتشاف شبهات مالية في مؤسسات الدولة التي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالقطاع''· وقبلها لم يكن تصريح الرئيس بوتفليقة في خطابه الأخير الافتتاحي للسنة القضائية، بقرب دخول آلية وهيئة مكافحة الفساد قريبا لتعالج نقاط سوداء، تصريحا عرضيا أو بريئا، بل كان كلامه مقصودا وممهدا لمرحلة حساسة من عهدته الثالثة، بدليل ظهور فضائح في سونلغاز وسوناطراك ووزارة الأشغال العمومية، وهي كلها ملفات كانت موضوعة على مكتب الرئيس تم التحقيق فيها من قبل مصالح الأمن· مما يعني أيضا أن كريم جودي يكون قد تلقى الضوء الأخضر لنفض الغبار عن كافة الملفات المشبوهة والتحقيق في أخرى· وتشير معلومات جديدة تحصلت عليها ''الجزائر نيوز'' من المحيط الحكومي، أن ملفات الفساد التي نزلت على مكتب الرئيس، هي التي جعلت التغيير الحكومي الذي كان يفترض أن يعلن عنه مشروعا مؤجلا ''وليس معطيات أخرى تتعلق بتجاذبات في أعلى هرم السلطة''· وتفيد المعلومات أيضا، أن الرئيس قد لا يعلن عن التغيير إلا بعد ندوة الإطارات المقررة نهاية الشهر الجاري، التي سيعطي فيها الخطوط العريضة لنظرته التي ستتمحور في العهدة الثالثة حول فتح ملفات الفساد ومحاسبة أصحابها· علامات التعديل يدرك بوتفليقة جيدا بأنه من الضروري أن يطابق أفعاله بأقواله التي كانت تأتي على لسانه خلال حملته الرئاسية الاخيرة. وتأتي المعلومات شبه المؤكدة حول إقدام وشيك للرئيس على تغيير تشكيلة فريقه التنفيذي في وقت استنفذت فيه الجزائر كل استحقاقاتها الانتخابية، وتأتي أيضا في فترة قطعت فيه شوطا كبيرا في المجال الأمني بانقطاع العمليات الاستعراضية للجماعة السلفية للدعوة والقتال، واقتصارها على دعاية إعلامية بعد تضييق الخناق حولها· كل ذلك يمثل ظرفا مناسبا لكي يعلن الرئيس عن فريق جديد، تفيد المعلومات بأنه سيكون فيه حظ الطاقم السياسي، أوفر من الطاقم التكنوقراطي، حيث يرتقب أن ينتقل رموزه الحكوميون أمثال عبد الحميد تمار وشكيب خليل، إلى جانبه كمستشارين في قصر المرادية، بينما سيبقى قائد الجوق التنفيذي أحمد أويحيى في منصبه على أن يغادر عمار غول بشكل شبه رسمي وزارة الأشغال العمومية، ليدشن بوتفليقة بذلك عهدته الثالثة على وتر طالما تحسس منه الجزائريون·· الفساد وما أدراك ما الفساد· عبد اللطيف بلقايم ------------------------ مكافحة الفساد·· محرك التغيير القادم؟! غداة تتويج بوتفليقة بعهدة ثالثة، راح الكل ينتظر التغييرات الجديدة·· لكن الرئيس لم يحرك ساكنا، فمعروف عنه ميله إلى الحفاظ على استقرار الطاقم الحكومي·· لكن الرسائل المشفرة التي سمح الرئيس بظهورها من خلال كشف الغطاء عن أكثر من فضيحة تتعلق بالفساد والرشوة، تجعل من التغيير القادم مسألة منتظرة وضرورية· وإذا ما صدقنا مصادرنا، فإن خطة التغيير كانت مبرمجة منذ الشهور الأولى لعهدة الرئيس الثالثة، ولم تكن هذه الخطة مرتبطة فقط بتغيير الرجال، بل كانت ترتكز أساسا على إحداث تغييرات عميقة في بنية النظام نفسه، وكانت بدايتها بوضع نقطة فاصلة للسلطة المزدوجة التي كانت متمثلة في التداخل بين الجهاز التنفيذي وصلاحيات رئيس الجمهورية·· وهكذا باشرها الرئيس بتعويض منصب رئيس الحكومة بالوزير الأول··· ويرجع مطلعون عدم مباشرة رئيس الجمهورية تلك التغييرات الجذرية في بنية النظام إلى ارتباطها أساسا بأجندة سياسية، ففصل إزالة العقبات ليأخذ التغيير سيره الطبيعي وغير الصادم، وفي نفس الوقت السهر على تحضير النفسيات لمثل هذه التغييرات حتى لا تكون مقاومتها شديدة، وهنا يكون الرئيس راهن على عامل الزمن من أجل أن يوحد حوله كل الأطراف من داخل وخارج النظام· ويشير نفس هؤلاء المطلعين، إلى أن رئيس الجمهورية حاول أن يمنح الفرصة إلى أقصى حد للمسؤولين الذين كانوا مكلفين بمهمات كبرى ورئيسية ليبني على أساس موضوعي تقييم ما توصلوا إليه· وفيما يتعلق بطبيعة توجهات التغييرات المنتظرة، فإن ما سيميزها هو اعتمادها على مكافحة الرشوة وتبديد المال العام، وهذا هو الحصان الذي سيركبه بوتفليقة في العهدة الراهنة من أجل إعادة بناء الثقة بين الحاكم والمحكومين، ورغم أن البعض يقول أن هذه التغييرات ستركز على الكوادر التكنوقراطية، إلا أن المؤشرات المتوفرة تقول أن بوتفليقة سيبقى وفيا للأحزاب التي ساندته وهي الأفلان والأرندي بشكل خاص، بينما سيبقى الحمسيون يحتفظون بثقة الرئيس، إلا أنها ليست ذات الثقة التي كان يضعها فيهم في العهدة السابقة··· عبد الحميد الشاوي -------------------- هيكل: بومدين كان يستطيع أن يقول كلاما لا أحد يستطيع قوله! شرعت صحيفة ''الشروق الجديد'' المصرية، في إعادة نشر عدد من الشهادات التي أدلى بها الصحفي المصري الكبير، محمد حسنين هيكل، وذلك بمناسبة إصدار ''دار الشروق'' مجموعة الأعمال الكاملة لهيكل تحت عنوان ''عمر من الكتابة''· وفي الوقت الذي اتهم فيه بعض المعارضيين ''هيكل'' بتعمد عدم نشر بعض الكتب المثيرة للجدل ضمن المجموعة الكاملة لأسباب سياسية، وعلى رأسها كتابه الأهم ''خريف الغضب'' الذي يتناول دور العامل السلوكي في صنع السياسات الداخلية والخارجية، فضلا عن تقديمه نقدا لاذعا للحكومات التي أعقبت فترة عبد الناصر في حكم مصر، فإن ''دار الشروق'' تؤكد مجددا أنها بصدد إعادة نشر الإصدار في المعرض الدولي للكتاب، لينضم الى قائمة ال 26 كتابا التي تضمها المجموعة· إلى ذلك، شرعت ''الشروق المصرية'' في انتقاء الشهادات المهمة ونشرها على شكل حلقات متوالية، وفي الجزء الخامس الذي نشرته في عدد السبت، توقفت الصحيفة عند شهادة هيكل حول موقف الرئيس الراحل هواري بومدين بعد هزيمة ,1967 حيث يشير الكاتب الكبير الى أن الوضع الدولي حينها كان قد أفرز ''وجود حالة من استقطاب قوتين في المنطقة، الأولى هي الاتحاد السوفييتي الذي ساندنا بشكل أو بآخر، والحقيقة، إلى مدى كبير، وقوى كبرى غربية لها عندنا مصالح طائلة لكنها تساعد الطرف الآخر وهو إسرائيل''· وفي تناوله للعلاقات التي كانت قائمة بين العالم العربي والاتحاد السوفييتي ودور الجزائر في ممارسة ضغوط كبيرة على الأخير من أجل تزويد مصر بالسلاح، لا سيما بعد النكسة وما خلفتها من تداعيات، يقول هيكل، أن ممارسة ضغوط على السوفييت كان يتطلب أدوار دولتين ليس لديهما ضغط أرض محتلة وكلتا الدولتين دولة بترولية غنية وكلتا الدولتين موجودة فى موقع حاكم في المنطقة، وهما العراق والجزائر، فالعراق موجودة على رأس الخليج والجزائر موجودة وسط البحر الأبيض، وفي امتداد المغرب العربى ''كقوتين محوريتين، الأمر الذي تطلب سفر كل من الرئيس العراقي عبد الرحمن عارف، والرئيس هواري بومدين إلى موسكو· ويستشهد ''هيكل'' في هذا الجانب بالقول ''لدي محضر المقابلات هناك في موسكو، وأظن أنني كل ما أرجع لأقرأ هذا المحضر، الذي تكرم وأرسله لي الرئيس بومدين - لأنه كان يعرف أنني مهتم - أرى فيه أشياء لم أكن أستطيع أن أقولها في ذلك الوقت''. ويضيف هيكل ''المشهور أن الرئيس عبد الرحمن عارف بطبيعته رجل خجول وهادئ ولا يتحدث كثيرا، لكن بومدين قائد التحرير الجزائري وهو أزهري تعلم في الأزهر وثوري عاش الثورة فى الداخل''، هذا الرجل كان يملك حق القول والضغط· مضيفا ''كان بومدين يستطيع أن يقول كلاما لا أحد يستطيع قوله، فهو الذى دفع ثمن الأسلحة مقدما بشيك بمائة مليون إسترليني وطالب وقتها بالسلاح''. ويعلق هيكل على ذلك بالقول ''هنا كلام بومدين له أصداء نسمعها ونضعها في سياقها وتبدو أمامنا أنها متسقة مع صورة عامة معينة''. ويضيف ملاحظته المهمة بالقول : ''أجد فجأة دون مقدمات والطرف المصري صامت لا يتحدث، تاركا حملات على الاتحاد السوفيتي، ويعيد تقدير موقفه ويحاول فهمه ويترك زعماء آخرين عربا يتحدثون بقوة في هذه الظروف''· وعلى خلفية هذه المحادثات العاصفة والضغوط الشديدة التي مارسها بومدين على الرفاق في موسكو، يذكر هيكل ''أجد هنا فجأة رسالة قادمة والقادة العرب في موسكو من المرشال زاخروف إلى الفريق فوزى يوم 13 تقول، إنهم سيحضرون بعد غد ويطالبون ببدء المحادثات على الفور''. وينقل الفريق فوزى ما قيل له لجمال عبد الناصر ولم تكن هناك مقدمات ''وأرسلت هذه الرسالة من الملحق العسكري في موسكو نحو وزارة الدفاع، وحينها أبلغ وزير الدفاع أن هناك وفدا عسكريا برئاسة المارشال زاخراوف في طريقه إلى مصر، وأنه يريد محادثات على أعلى مستوى فأبلغ الفريق فوزي وأن هذا كله كان خارجا عن القنوات الدبلوماسية''· محمود أبو بكر/ القاهرة ---------------------------------- رشيد تلمساني (محلل سياسي) ل ''الجزائر نيوز'': الوزراء يعملون جيدا على إخفاء فضائحهم·· والتغيير الحكومي لا يزال مرهونا بأقطاب التوازنات يرى، رشيد تلمساني، المحلل السياسي والأستاذ بمعهد العلوم السياسية، أن التغيير الحكومي، رغم أنه أكثر من ضروري في مرحلة ظهرت فيها ملفات فساد خطيرة على مستوى الطبقة السياسية الوسيطة (الحكومة)، إلا أن التوازنات السياسية تأتي، دائما، كعنصر مراعاة لإعادة تشكيل النواة التنفيذية، إذ تعد المؤسسة العسكرية والسلطة السياسية الحاكمة سببا مباشرا في التغيير من عدمه· لقد مر على الإنتخابات الرئاسية قرابة سنة دون أن يظهر رجال المرحلة الجديدة في إطار التغيير الحكومي، لماذا في رأيك؟ لا تزال قضية النخبة السياسية في الجزائر لم تتحرر من الطابع الكلاسيكي للنظرة السياسية للسلطة والنظام، وفشلت إلى حد الآن، مع مجيء عديد الوجوه ذات الماضي الثوري على إلى سدة الحكم· ويبدو لهؤلاء أنه من الضروري أن تراعى في التغييرات الحكومية وجود هذه الفئة التي تطالب قوى أخرى من الشعب الجزائري برحيلها عن السلطة لضرورة ضخ دم جديد فكري واستراتيجي، لا بد منه أيضا حتى يتم مواكبة الخطاب السياسي ومحتواه مع الواقع، وهذا أمر مهم جدا أمام الجزائريين الذين يحكمون على الطبقة السياسية من خلال هذه التوجهات، ويحدد وفقا لها مشاركته ومدى انخراطه في العالم السياسي· حتى مع ظهور ملفات فساد لم يظهر من التعديل الحكومي سوى أصداء غير رسمية؟ الرشوة والفساد المالي وغير المالي موجود في العديد من الأنظمة، ومنها الأنظمة الشمولية، وهذا أساسا، لا يمثل عائقا عندما تتوفر الإرادة في التغيير، لكن في الجزائر تراعى العديد من التوازنات السياسية، وليس سرا أن نقول أن النواة الصلبة في النظام لا تزال جزء هاما من هذه التوازنات، التي ينبغي أن تكون حسابا فعالا في المعادلة السياسية، وإلا وقع الإنسداد، وقد يعود بالأساس من بين ما ذكرنا، إلى هذا المعطى، عدم وجود تغيير حكومي إلى غاية اليوم· من دون تلك المعطيات، هل تتوفر الآن إمكانية لدى أقطاب التوازن التي تحدثت عنها لتغيير سلس ذي مصداقية؟ في الفترة الأخيرة، نلاحظ في الصحافة الوطنية كشف العديد من ملفات الفساد التي تمثل دواعي أساسية لإجراء تعديلات في السلطة، ويحدث هذا بالموازاة مع توجه الجزائر نحو خوصصة الوسائل العامة في إطار نظرة إقتصادية جديدة، وهي مرحلة انتعشت معها الصراعات على الريع، وبالتالي أصبحت بيئة مساعدة على انتشار مثل هذه الظواهر، وتتركز أساسا في الطبقة السياسية الوسيطة التي تتموقع بين الأجهزة التنفيذية المحلية والسلطات العليا، وبمعنى آخر الحكومة، وتعمل، هذه الطبقة في خضم ملفات الفساد التي تعني مختلف قطاعاتها، على التغطية ومحو آثار ما يتم ارتكابه من أخطاء، فتظهر بالنسبة للسلطات العليا عدم جدوى التغيير، مما يضع آليات الرقابة، من جهة أخرى، عاجزة على العمل وإظهار قوة حجة التغيير· حاوره :