''الحكومة الألمانية لن تكون طرفا في تمويل مشروع ديزيرتك، فالمشروع مبادرة من طرف المستثمرين الخواص، وبالتالي عليهم توفير الميزانية المطلوبة''، هذا التصريح لوزيرة الاقتصاد والتكنولوجيا في الحكومة الفدرالية الألمانية، كريستينا فيتاك، خلال زيارتها للجزائر· قد يكون هذا التصريح بداية لتوضيح الرؤية حول مصير المشروع الضخم الذي أسال الكثير من الحبر، بداية من الحديث عن الميزانية الضخمة التي يستلزمها والتي قدرت بحوالي 400 مليار أورو والممتدة فترة إنجازه لأربعين سنة القادمة· المشروع الذي يتوقع المبادرون به أن يكون النقلة النوعية في عالم الطاقة البديلة النظيفة، بات يثير الشكوك حتى في صفوف المدافعين عن البيئة، فقد كانت حجة المبادرين بالمشروع، التوصل إلى توفير طاقة نظيفة لأكبر عدد ممكن من الأشخاص، خاصة في القارة الأوروبية التي تعد من أكبر المستهلكين للطاقة، فقد تم التسويق للفكرة التي بادرت بها مجموعة روما، وهي منظمة خيرية يشرف عليها عدد من كبار الأثرياء عبر العالم، على أنها مشروع يسعى إلى الحفاظ على البيئة بالدرجة الأولى، غير أن أصوات الناشطين في حماية البيئة للتنديد بالمشروع، ترى أنه يهدف في واقع الأمر إلى استغلال آخر الثروات الطبيعية المتوفرة لدى دول الفقيرة، لا سيما وأن المشروع يسعى إلى تسويق الطاقة الكهربائية الناتجة عن الطاقة الشمسية للدول الأوروبية، بل لم يتردد الكثيرون من ''الخضر'' المدافعون عن البيئة، في اعتبار المشروع استعمارا اقتصاديا جديدا، وهو ما حاولت الدولة الجزائرية التعبير عنه بطريقة أخرى، من خلال تأكيدات وزير الطاقة الجزائري، السيد شكيب خليل، الذي أكد على أن صيغة المشروع الحالية لا ترضي الجزائر، على اعتبار أنه لا يمكن توقع منح سماء الجنوب دون ضمان مصلحة البلاد، في إشارة إلى أن شمس الصحراء بذات قيمة البترول ولا بد من التعامل على هذا الأساس، أي ثروة وطنية يكون استغلالها من منطلق الاستفادة المشتركة· فقد سبق للجزائر أن أكدت على ضرورة التعامل فيما يتعلق بهذا الموضوع على أساس الندية في التعامل، وليس مجرد مساحات يتم منحها للمستثمرين الخواص لإنتاج الطاقة الكهربائية· مع العلم أن يسعد ربراب، الرئيس المدير العام لمجمع سيفيتال الجزائري المشارك في مشروع ''ديزيرتيك'' مع الألمانيين، عبر عن أهمية مشاركة الجزائر في مثل هذا المشروع الأورومتوسطي· اقتصار مشاركة الخواص في المشروع إذن، كانت حجة المدافعين عن البيئة، الذين نددوا برغبة رجال المال في السيطرة على مصادر الطاقة والهيمنة عليها، علما أن المشروع الألماني يعتزم إنتاج ما لا يقل عن 15 ألف ميغاواط من حاجيات القارة الأوروبية من الكهرباء، وهو ما سمح للمشككين في المشروع بالحديث عن تجاهل احتياجات شعوب الدول الفقيرة. غير أن حجج المدافعين عن البيئة ليست الوحيدة التي باتت تشكك في نجاعة المشروع العملاق، فقد تحدث الخبراء في العلاقات الدولية عن أهم إشكالية تخص هذا المشروع، والمتمثلة في كونه يشمل العديد من الدول التي من المفترض أن تشارك في المشروع الطاقوي، على اعتبار أنه يشمل العديد من دول شمال إفريقيا وصولا إلى دول الشرق الأوسط· والمشكلة كما يطرحها الخبراء، تكمن في أن الأنظمة السياسية في هذه الدول تعرف اختلافات حد النقيض ويصعب توحيدها في مشروع ضخم، مثل هذا يتطلب التنسيق والتعاون على قدر كبير لضمان نجاعته· من جهة أخرى، تذهب خشية الخبراء إلى حد الحديث عن احتكار دول الجنوب لمبادر الطاقة، في إشارة إلى الغاز والبترول الذي تستحوذ عليه هذه الدول، ولعل هذا ما يفسر الدعوة إلى البحث عن مصادر طاقة أكثر أمنا للدول الغربية تتمكن من التحكم فيها، على غرار تلك التي يتم توليدها من الزراعة· ويبقى مشروع ''ديزيرتيك'' يثير التساؤلات في الوقت الذي تعتزم فيه الجزائر التوجه جديا نحو بدائل للبترول، بين من يعتقد بقدرة هذا المشروع على أن يكون بداية للتعاون الاورومتوسطي، وبين من يرى فيه مشروعا استثماريا لا يختلف عن غيره من المشاريع الاقتصادية التي لا تبحث سوى عن المصلحة المادية للشركات المستثمرة، بعيدا عن الطابع البيئي الذي يخدم المصلحة المشتركة مثلما يسعى القائمون عليه إلى تصويره·