إن ما تشهده الجزائر من تنويع في مصادر التعاون الدولي، عبر الاتفاقيات الكثيرة التي وقعتها مؤخرا مع دول من آسيا، وأوروبا، وأفريقيا، وبعض الدول العربية، هي إشارات على المُضي في الاتجاه الصحيح، بعدما كانت مقتصرة على دول محدودة، قبل أزمة أسعار النفط، هذا هو التوجه الذي أزعج فرنسا بالتحديد، ولم تكن تتوقع بحث الجزائر عن اتفاقيات تعاون في الشرق والغرب. وإن التعاون مع الاتحاد الأوروبي، ليس وليد اليوم، بل هو موجود منذ أمد طويل، وكان في كل مرة تتخلله بعض التعديلات تماشيا مع التحولات التي يعرفها العالم وخاصة في مجالي السياسية والاقتصاد، لكي تحافظ الجزائر على مصالحها، ونستفيد من تحويل المعارف والتكنولوجية من الدول الأوروبية حسب الاحتياجات . فللأمانة وللتاريخ، فإن مصطلح الديمقراطية التشاركية، جاء في عهد الوزير الأسبق نور الدين زرهوني، خلال سنة 2007، هذا الرجل الشهم الغيور على وطنه، حيث وجه تعليمات إلى الولايات والبلديات من أجل إشراك المواطن في التسيير عن طريق السماح له بحضور المداولات التي تهم حياته اليومية داخل الأحياء والمداشر، وبالأخص في ما يتعلق بأولوية برمجة المشاريع وضرورة ربط هذه الأولوية باحتياجات المواطن، وكلما تم توسيع الاستشارة، كلما تقلصت الخسائر، وكان الاختيار جيدا ومفيدا للصالح العام . إذ من المعروف أن لجان الأحياء الجادة والنشطة، هي من تعيش الواقع، وتمثل سكان الحي، وبالتالي، فأثناء برمجة أي مشروع في حي ما، فإن إشراك هذه اللجان يسهل عملية الاختيار، وتكون مسؤولية اللجان من خلال اختيارهم، وهذا ما يُقلل من الاحتجاج والسخط على المسؤولين، وتكون المسؤولية جماعية تشاركية. ورغم أن مسألة حضور المواطنين بصفة ملاحظ لأشغال مداولات البلديات، موجودة منذ نشأة هذه الأخيرة، ولا يمكنه التدخل طبعا، وله الحق في أخذ نسخة من المداولة على حسابه، إلا أن هذا العملية بقيت بدون ممارسة، لسببين وهما، عزوف المواطن عن الحضور من غير أن يتدخل أو يبدي رأيه، ونقص الإعلام، وعمل أغلب المنتخبين في جلسات سرَية . ومع حلول شهر جوان 2011، رجع مصطلح الديمقراطية التشاركية، من بوابة المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي، حيث تبنى هذا المصطلح كشعار للجلسات، من خلال تنظيم الجلسات العامة الأولى في نادي الصنوبر، وقد تمت دعوتي من طرف رئيس المجلس للمشاركة في هذه الجلسات بصفتي خبير إقليمي في برامج الاتحاد الأوروبي في الشق الخاص بالدعم المؤسساتي، وتكوين إطارات الجماعات المحلية، وكخبير سابق في المعهد الدولي للدراسات المقارنة في باريس، ولمدة 3 أيام كان هناك نقاش مع الخبراء وفعاليات المجتمع المدني على المستوى الوطني، وشخصيا تقدمت بعدة اقتراحات منها، ضرورة عدم الاكتفاء بهذا اللقاء، بل إقامة جلسات إقليمية على المستوى الوطني، لأنه كلما تواصلنا مع المجتمع المدني، كلما كان هناك تكفل أمثل بحاجياته، والعمل بكل شفافية، وكنت قد اقترحت أن تكون لقاءات دورية بين المسؤولين وفعاليات المجتمع كل شهرين، وتزويدها بكل الأرقام وما تقوم به أجهزة الدولة من مجهودات، وتقديم الأسباب ووضعها في الصورة، لكي نتفادى الانتقادات السلبية نتيجة عدم معرفة حقيقة الأوضاع، ومعالجة الاختلال، وبالفعل جاءت تلك الجلسات التي عرفت مشاركة كبيرة من خلال الورشات والتوصيات، لكن لم يؤخذ بالشق الثاني من الاقتراح . وأذكر أنه، وعلى هامش الجلسات العامة الأولى، تم تشكيل لجنة إعداد مُسوَدة ميثاق المجتمع المدني، وكنت من بين نواب الرئيس لتلك اللجنة التي ترأسها الوزير الأسبق الدكتور "مصطفى شريف"، وكان من بين الأعضاء ممثلين عن الجالية في أوروبا وكندا، ونساء ورجال قانون، لكن المؤسف له، عدم ظهور هذا الميثاق للنور، وبقي المشروع حبيس الأدراج، وعلم ذلك عند رئيس المجلس. وهاهي الاتفاقية الأخيرة الموقعة بين الجزائر، والاتحاد الأوروبي و برنامج الأممالمتحدة للنماء، في شهر ماي 2016، تعيد بعث برنامج الديمقراطية التشاركية، و تقوية القدرات البشرية والمؤسساتية، وترقية مشاركة المواطن وكل الفاعلين من أجل تنمية محلية متطورة، وكذا تسيير المخاطر والكوارث الطبيعية، وهذا هو اختصار لتسمية البرنامج ب كابدال، CapDel، هذا المشروع الذي يشمل 10 بلديات نموذجية، هو ثنائي التمويل للاستفادة من معارف الأوروبيين، وخبراء الأممالمتحدة، حيث تقدم الاتحاد الأوروبي بمبلغ : 08 ملايين يورو، و3 ملايين دولار عن الجانب الجزائري، لمدة 4 سنوات، ويساهم برنامج PNUD، بالمشاركة في التأطير. وإذ أشكر من اختار بلدية مسعد لكي تستفيد من هذا البرنامج، الذي سيُغير من وجهها نحو الأحسن، باعتبارها أقدم بلدية في ولاية الجلفة، حيث كانت تعد الأكبر من حيث المساحة، وقد وصل توسعها الجغرافي إلى غاية حي بوتريفيس بالجلفة مدينة، وذلك قبل سنة 1985. فإنني أتوجه بالتحية إلى الزملاء من الخبراء المشرفين على تأطير البرنامج، وعلى رأسهم الأخ محمد دحماني مدير البرنامج. في الأخير، أتمنى تعميم هكذا برامج على مستوى بلديات الولاية وخاصة المحرومة منها، وأرد على كل من شكك في البرنامج، وأنه جاء في إطار حملة انتخابية، بأن هذه البرامج تنفذ دوريا، ثم يتم تقييمها، وبعدها يتم توسيعها إن نجحت التجربة، وأن هناك اتفاقيات وبرامج مماثلة منها ما تم إنجازه ونجح، مثل برامج الشراكة مع وزارة العدل، ووزارة التضامن، و وزارة السياحة، ومنها ما هو في طور الإنجاز مثل الذي استفادت منه وزارة الثقافة، و وزارة الفلاحة والصيد البحري، كلها تدخل في تحويل المعرفة أو ما يعرف ب Le transfert du savoir faire, et de la technologie. وهنا، تجدر الإشارة، وإلى غاية ظهور ثمار هذا البرنامج، على الإذاعة الإقليمية أن تلعب دورها، وتواصل زرع ثقافة إعلام المواطن عن الإنجازات، وعن الصعوبات ليواكب إدارة الجماعات المحلية، ولا يركن إلى الانتقاد، وزرع بذور الإحباط وتثبيط العزائم، والانتقاص من المجهودات المبذولة في كل القطاعات . (*) خبير إقليمي لدى برامج الشراكة للاتحاد الأروبي