بلقاسم القاسمي الحسني الحمد لله الملك الوهّاب، غافر الذّنب و قابل التّوب شديد العقاب، أحصى الخلائق بلطفه عددًا، و جعلهم بمشيئته و قُدرته طرائق قِددًا، كُلّ يعمل على شاكلته في دُنياه لِآخرته، حَمْدَ صِحّة الاعتقاد، و قُوّة الافتقاد، و وُجود الانتقاد. و الصّلاة و السّلام الأتمّان الأكملان على صفوته من أنبيائه و رُسله مُحمّدٍ، سيّد الخلق أجمعين، به خُتمت الرِّسالة، و عليه أُنزل التّشريع، عَلَّم و هَدَى و أَرْشَد و نَصَح و بلّغ على خير ما يكون التّبليغ، و على آله الحائزين مرتبة الشّرف و مكارم الأخلاق، و على أصحابه المرضيين الجامعين لِأجمل صُور الفضائل و المناقب، المُستحقِّين لِكلمة التّقوى، و على من سَلَك مَسلكهم، و نَهَج مَنهجهم، و لَزم غرزهم، إلى يوم الدِّين. ثمّ أمّا بعد : فليس من الإنصاف و الموضوعيّة الّتي يجب أَنْ يتحلّى بها أهل الفضل، قبل غيرهم، و الّتي صارت شِعارًا فضفاضًا فارغًا، عند الأكثرين من النّاس، و منهم آخرون تبجّحوا بها، و هُم دُونها اتّصافًا و تطبيقًا، أن يُبخس أو يُترك أو يُختزل ما قدّمه رجالٌ، ممّن كَرَعوا لِبان التّعليم العتيق، و تصدّوا لِحمل رسالة التّربيّة و التّعليم و ما أثقلها من رسالة، و ما أعوصها من مهمّة بُعيد استرجاع الجزائر حُرِّيتها. لقد جلب إلينا خطّنا الّذي التزمناه، مُنذ زمنٍ، و هو التّعريف و التّنويه بتاريخ حاضرتنا الجلفاويّة (الجلفيّة)، المُتراميّة النّظر، و قد تجاوزت حُدودها الإداريّة، إلى أراضٍ، بلغها أولاد سيدي نايل، أهل المجد و الكرم، بخفّهم و حافرهم... و قد عَمروها و بنوا عليها، كما هُو مشهود و مُشاهد، تجد ذلك بِشرقي ولايتي تيارت و الأغواط، و شَمالي ولايتي ورقلة و غارداية، و غَربي ولايتي المسيلة و بسكرة..كثيرًا من اللِّقاءات و المجالس، مع أهل الفضل و الخير فيها، و قد قمّشنا ما سمعناه منهم، و بيّضناه و نشرنا بعضه، عبر إنفو جلفتنا (جلفانا)، و تحدونا في ذلك رُوح النّصفة، مع من يُوافقنا منهجًا، و يُوالينا مشربًا، أو يُخالفنا مسلكًا، و يُباعدنا مذهبًا و فكرًا و رأيًا، و لا نُحابي في قول الحقيقة، إن تيقّنّاها و تأكّدنا على ثبوتها بالأدلّة، بلسانٍ عفٍّ سليمٍ حسن المُراد و الغاية. إن شاء الله. و قد وفّقنا الله في هاته الأيّام الأخيرة، إلى الاجتماع و الجُلوس إلى أحد البقايا الصّالحة من آل القاسميين، من وَلَد الشّيخ ابن عزّوز (بنعزّوز) القاسميّ (ت 1984 م)[1]، ببيته و مَكْرَمه[2]، بمدينة بُوسعادة العريقة الجميلة، ذات الأغلبيّة النّائليّة[3]من السّكّان. و قد وجدته رغم عُلو سنّة مُفعمًا بالحيّويّة و النّشاط، و مُشبعًا بالأسمعة و المرويات، و ذاكرته مُترعة بالتّورايخ و الحكايات، و لِسانه يسحّ بالطّرائف و النِّكات، و عينه تطرب طرب البُكاء إلى حديث الصّالحين و الزُّهّاد الثِّقات، و هو موتورٌ و مُتأسّفٌ على ما آل إليه الحال في مَعاشنا، و في جميع مناحي حَياتنا، و في ما هُو آت، بعدما تشلّحت الأُمور، و تصحّرت الأوضاع. و لا حول و لا قُوّة إلّا بالله. هُو بلقاسم (أبو القاسم) النّجل الثّاني للشّيخ أبي أحمد بن عزّوز (بنعزّوز) بن الحاجّ المُختار بن الحاجّ مُحمّد القاسميّ الحَسنيّ، صاحب النّسب الشّريف، من الشّرفة من عرش البَوَازِيد. و أمّه فاطمة بنت بلقاسم القاسميّ. وُلد في حُدود سنة 1931 م[4]، بمدينة الهامل، و نَشأ و تَربّى و شَبّ عن الطّوق، بجهة التّغانيم، شمالي مسقط رأسه. تأدّب و تعلّم و حَفظ القُرآن، و حفظ في العربيّة القَطر لابن هِشام، و الأَلفيّة لابن مالك، و في الفقه المُرشد المُعين لابن عاشر، على يد الشّيخ معمّر (امعمّر) حاشي (ت 1986 م)[5]، و تلقّى الشُّروح على ذلك، و على غيرها من العُلوم و الفُنون اللُّغويّة و الشّرعيّة، الّتي كانت تُدرّس بالزّوايا في ذلك الحين[6]، من الشّيخ المُومى إليه الّذي لم تنفكّ مُلازمته له تَلقّيًا و إِفادة، إلى غاية سنة 1950 م[7]، و من والده أيضًا. ثمّ ارتحل في بداية الخمسينيات، رُفقة والده المذكور، إلى مدينة حاسي بحبح، لِأسباب يثقل إيرادها في هذه القَالة[8]، و عَافس بها صلاة التّراويح للنّاس، بشهر رمضان، مُدّة أربعة عشر عَامًا (14) ؛ من 1951 م، إلى 1964 م. و أثناء الثّورة ضد المُستدمر الفرنسي، شَارك و نَاضل و دَعَّم و شَجَّع، و زَوَّد الثّوار بنقل الأخبار، و ما يحتاجونه من طَعامٍ و لِباسٍ، و غيرها. و اُختير عُضوًا في المكتب السّرّيّ، للمدينة المُشار إليها آنفًا، مع كربوعة جلّول، و كربوعة مُحمّد، و صادقي عمر،... و برئاسة خذيري بن علية (بنعلية)، و تحت أعين جيش التّحرير، الّذي كان يقوده بتلك الجهة حاشي عبد الرّحمان، و تحت إمرته سعيداني أحمد بن عطيّة، و من بعده عُمر إدريس. و قد دامت مُشاركته هذه من سنة 1956 م، إلى غاية سنة 1962 م. و كان قبل اندلاع الثّورة في نُوفمبر 1954 م، قد انضمّ إلى الحركة الوطنيّة بزعامة القائد الكبير مصالي الحاجّ (ت 1974 م)[9]. و في سنة 1964 م دَخَل التّعليم الرّسميّ، عندما استفاد من تكوينٍ، لدى مدرسة بُوزرِّيعة للمُعلِّمين سنة 1963 م، و وُظِّف مُعلِّمًا بمدارس مدينة حاسي بحبح، بعد ما كان قد مَارس نفس الوظيفة بها، من سنة 1958 م، إلى سنة 1962 م، في إطار ما يُسمّى في ذلك الوقت بالتّعليم الحُرّ. و ظلّ على هذه الحال، إلى أن انتقل إلى مدينة الجلفة البَهْجَة، مُستشارًا مًكلّفًا بالإدارة، سنة 1968 م، و بعد مُرور تسعة مواسم دراسيّة، أي في سنة 1977 م، توجّه تِلقاء مدينة بُوفاريك، بمتِّيجة، بالشّمال الجزائريّ، بمحض إرادته، و لِنفس الغاية، و بقي بها مُدّة، حَوَّل بعدها وِجهته إلى مدينة بئر التّوتة، الّتي كانت تابعة وقتئذٍ لِولاية البُليدة، ثمّ صارت ضِمن مُدن الجزائر العاصمة، و ظلّ بها إلى أن أُحيل إلى التّقاعد (المعاش)، بِرتبة مُدير ابتدائيّة، سنة 1994 م. و هُو مُنذ ذلك الزّمان يقطن مدينة بُوسعادة. و قد عُني بالكِتابة في فترة شَبابه، و نَشَر مقالة بعنوان " ما تُريده الأمّة منّا "، في جريدة الرُّوح[10]، الّتي كان يقوم بتحريرها الشّباب القاسميّ[11]، و تصدر مكتوبة بخطّ ناسخها الشّيخ حاشي معمّر[12]، دون طِباعتها، خلال سنة 1948 م. و في أيّام الخمسينيات من القرن المُنقرض، ألّف رواية حول الزّعيم مصالي الحاجّ الّذي التقاه أكثر من مرّة، استعمل فيها الخيال، و سمّاها " بين الزّعيم و الحُرّيّة "، لم تُنشر بعد. و أثناء إقامته بمدينة بئر التّوتة، جمع نُكَتًا و طُرَفًا كثيرة العدد، و رُبّما تجاوز المِئة (100)، في كتابٍ مُستقلٍّ، ضاع أكثره في السِّنين الأخيرة، حينما تولّى ترتيبه و تصفيفه قريبه أحمد بن الأزهريّ (لزهاري)، و قد أخذ منه الكاتب رابح خدوسي، قُرابة الأربعين، أو أكثر، بين نُكتة و طُرفة... و هُو لا يُجيد الشِّعر كما أخبرني هُو بذلك. و إِبَّان حَديثه إليّ أَبَان عن حُبّه لِأولاد سيدي نايل، و بخاصّة منهم أولاد سي محمّد (بالفتح) الّذين تربّى بين ظَهرانيهم[13]، و هُو حبٌّ مُفعمٌ بالتّقدير و التّبجيل، و قال لي إنِّي أُشيد بخِصالهم و فَضائلهم و فِعالهم، في كُلّ محفلٍ و نادٍ، و أنّهم أهل الله، فيهم الشّرف[14]و المجد، و فيهم الشّجاعة و الشّهامة و النّخوة و الإباء... يفرحون بالضّيف، و يُؤْوُون الغريب، و يَعُولُون الكَلَّ، و يدفعون الضّيم، و يُطعمون الطّعام للقاصد و المارّ، و هُم في خدمة العُلماء و الصّالحين و أهل الفضل، شُيوخًا و رِجالاً و نِساءً و وِلدانًا، أبًا عن جدٍّ، و كابرًا عن كابرٍ، توارثوا ذلك، و اجتمعوا عليه[15]. لله درّهم... سَيُبقي الله يَدَهم عُلْيَا بِمشيئته و قُدرته. آمين. و قد أملى عليَّ مِن عِزَازه، ما جاء في وصيّة الشّيخ مُحمّد بن أبي القاسم (ت 1897 م)، مُؤسّس الزّاوية المعلومة بالهامل، قبل موته، بخصوص مَن يتولّى شُؤون الزّاوية المُشارة.. (الّذي يتولّى شُؤون الزّاوية بعدي الأكبر سنًّا التّقيّ الورع، الّذي يشفق على الفُقراء و المساكين، و يُحافظ على الحبوسات[16]، و يستوصي بالطّلبة خيرًا، أو قال : يكون عليهم رحيمًا.) اه. و ممّا جرى بيني و بينه من حديثٍ، أنِّي سألته عن حال مكتبة والده (رحمه الله)، فأجهش باكيًا، و قد وكفت دُموعه على وَجنتيه، و قال لي لا تسألني عنها..... لقد تقسّمت بين الورثة، لِلذّكر مثل حظّ الأُنثيين، و كان نصيبه منها نحوًا من الخمسمئة (500) عُنوانًا، بين توحيدٍ و تفسيرٍ و فقهٍ و حديثٍ و سيرة و تاريخٍ، و غيرها، مُعظمها مطبوعٌ. أمّا عن علاقته بأهل العلم و الفضل، فهي موصوفة بالمحبّة و الامتنان و الرِّعاية، و هي واسعة النّطاق[17]، تشمل أهل التّصوّف الحقيقيّ، و أهل الإصلاح معًا... و قد تعرّف إلى طائفة منهم، على غِرار عبد الحيّ الكتّانيّ (ت 1962 م)، الّذي سمع عليه غير ما مرّة، و أفاد عنه حِكمًا و فوائد[18]، و مولود قاسم نايت بلقاسم (ت 1992)، و أحمد حمّاني (ت 1998 م)، و عبد الرّحمان الجيلالي (ت 2010 م)، و عبد الرّحمان شِيبان (ت 2011 م)، و أبي القاسم (بلقاسم) سعد الله (ت 2014 م)، و مُحمّد الشّريف قاهر (ت 2016 م)، و سعيد شيبان، و الطّاهر آيت علجت، و عمّار طالبي، و حَضَر مُلتقيات الفكر الإسلاميّ، الّتي كانت تنعقد في فترتي السّبعينيات و الثّمانينيات من القرن الفائت، على أرض الجزائر، و اكتحلت عيناه برُؤية عُلماء المشرق، من أمثال مُحمّد الغزاليّ (ت 1996 م)، و سعيد رمضان البُوطيّ (ت 2013 م)، و يُوسف القَرَضاوي، و غيرهم. و من طَريف حديثه معي، أنّه عندما تذكّر شيخه معمّر حاشي، أثنى عليه بالغًا، و ترحّم عليه واسعًا، و قال هو من عُلماء أولاد سيدي نايل.. قرأنا عليه و أخذنا عنه، و استفدنا منه غاية الاستفادة، جزاه الله عنّا و عن المُسلمين كُلّ خير، ثمّ قال ضاحكًا : بِضاعتنا رُدّت إلينا.. عَلَّمه وَالِدُنا، و هُو عَلَّمَنا... و قد كتب الله له أن يقوم بحجّتين و عُمرة. و هُو مُتزوّجٌ، و أبٌ لِتسعة أولاد كُلّهم أحياء، من زوجتين، الأُولى تُوفّيت، و الثّانية على قيد الحياة (حفظها الله)، و تُوفّي له في وقت مضى اثنان من الولد. و مِن المَلَاحِظ الّتي بدت لي من خِلال تَرانيم كَلامه الشّيّق، أنّه نادمٌ على ما فاته، و على ما ضيّعه من الفُرص، و الآن قد علا سنّه. و الأحرى به كما قال لو أنّه واصل مشوار طلب العلم، و يَمَّم وجهه إلى مَظَانِّه، و بلغ في ذلك الآفاق، و تجشّم العَناء و الوَصب في لُقْيَا العُلماء، و الجُلوس عِند أقدامهم و رُكَبهم، و يكون بذلك قد أنجز شيئًا طيّبًا. و لكن قدّر الله و ما شاء فعل. و لكنّي أقول له : إنّ في ما تَحملونه بركة و خيرًا. إن شاء الله. و قد صحّ و ثبت ما جاء في هذه الجلسة على عجلٍ. و الحمد لله في البدءِ و الخِتام، و الصّلاة و السّلام على سيّدنا مُحمّدٍ الّذي أُنزل عليه القُرآن و مثله معه، و على آله و صحبه أجمع. و الله نسأل أن يجعل خير أعمالنا خواتيمها، و خير أيّامنا يوم لِقائه، و أن يرفع مقته و غضبه عنّا، و ألّا يُؤخذنا إن نسينا أَو أخطأْنا، و أن يغفر لنا و لإخواننا الّذين سبقونا إلى رحمته و رضوانه، و لِجميع المُسلمين. آمين. بندقية أثرية للشيخ بلقاسم بن بنعزوز هوامش 1 راجع كتابنا المُعنون ب " من فُضلاء منطقة الجلفة من 1861 م إلى مطلع القرن الحادي و العشرين "، و هُو في طبعته الرّابعة إن شاء الله. 2 بعد ظهيرة يوم الثّلاثاء 18 صفر الخير 1439 ه، المُوافق 07 نُوفمبر 2017 م. 3 أولاد سيدي نايل الموجودون بها يتمثّلون في (ترتيبًا حسب أكثريّة الوُجود) : أولاد فرج، و أولاد عامر، و أولاد عمارة، و أولاد سيدي زيّان، و أولاد أحمد، و أولاد رابح، و أولاد خالد، و أولاد قرونة. أمّا غير أولاد سيدي نايل، فيُوجد بها : أولاد سيدي إبراهيم، و أولاد ثامر، و الحوامد (الحواميد)، و الشُّرفة البوازيد، و منهم صاحب الجلسة. و الله أعلى و أعلم. 4 في الوثائق الرّسميّة (الإداريّة)، وُلد في عام 1933 م. و الله أعلى و أعلم. 5 الّذي رُوّيته من طريق الثِّقات أنّ الشّيخ معمّر لم يُدرِّس بزاوية الهامل بعدما دَرس فيها و لا بالمعهد القاسمي أبدًا، إنّما شَرُف بتأديب و تعليم أبناء شيخه ابن عزّوز و منهم صاحب الجلسة بمسكنه الخاصّ بالتّغانيم، شمالي الزّاوية المذكورة، و بعد مُغادرة الشّيخ بن عزّوز المنطقة، جاء هو مُباشرة إلى مدينة الجلفة، خلال سنة 1951 م. و الله أعلى و أعلم. راجع المُدبّج ب " من فُضلاء منطقة الجلفة من 1861 م إلى مطلع القرن الحادي و العشرين "، و هُو في طبعته الرّابعة إن شاء الله. 6 كان العديد من الرّباطات و الزّوايا العلميّة الجزائريّة، في تلك الحقبة، و قبلها بكثيرٍ من السِّنين، تُعدّ بالقُرون، يُدرّس فيها بتعمّق جميع الفُنون الإسلاميّة التّقليديّة ؛ من عُلوم القُرآن، و عُلوم السُّنّة، و العقائد، و السِّيرة النّبويّة، و الفقه، و أُصول الفقه، و عُلوم اللّسان العربيّ جميعها، و عُلوم التّزكية و السُّلوك، بالإضافة إلى عُلوم الوضع و المنطق و الحساب. و يتعاقب الطّلبة (القناديز) في الصّباح و في المساء، على مدى اثنتي عشرة ساعة، أو يزيد، على شُيوخ و مُدرِّسي الرّباط أو الزّاوية، جماعة، أو فُرادى ؛ لتلقِّي الدُّروس الشّفويّة منهم، مُتنقّلين من فنٍّ إلى فنٍّ. و قد يقوم شيخ الرّباط أو الزّاوية وحده، بإقراء هذه العُلوم كُلّها، و إلقاء شرحها على الطّلبة، في اليوم الواحد، دُون أن يضطرب أو يتشوّش، نتيجة لِكثرتها. و أمّا التّلاميذ فحالهم كما قال الشّاعر : تلاميذ شتّى ألّف الدّهر بينهم... لهم همم قصوى أجل من الدّهر يبيتون لا كِنّ ما لديهم سوى الهوا... و لا من سرير غير أرمدة غُبر 7 ذَكر لي أنّ مُلازمته له ابتدأت سنة 1945 م، و قد تكون قَبلها. و الله أعلى و أعلم. 8 منها أنّ الظّروف الّتي كانت قائمة آنذاك، في كثير من المُدن و البلدات و القُرى الجزائريّة، تَبلبلت و تَمعمعت بالخوف و الجُوع، و مُسّت الأموال و الأنفس و الثّمرات، و ضجّت الأحوال ضجّا كبيرًا، و أُخيفت السُّبل و الطُّرق، و اُفتقد الأمن و الأمان، و صار النّاس عِزِين، و كثر المُرجفون و الخرّاصون، قصد بعضُ القاسميين، و منهم المكِّيّ بن المُختار بن مُحمّد (ت 1967 م)، و أخوه بنعزّوز (ت 1984 م)، بمعيّة أنجالهما، عاصمة أولاد سي محمّد (فَتحًا)، مدينة حاسي بحبح، ينتجعون أهلها أمنًا و أمانًا و عافية. و الله أعلى و أعلم. 9 تجلّت الحركة الوطنيّة بقيادة مصالي الحاجّ، في نجمة شمال إفريقيّة (1926 م)، ثمّ حزب الشّعب (1937 م)، ثمّ حركة انتصار الحُرّيات الدّيمقراطيّة (1946 م)، ثمّ الحركة الوطنيّة الجزائريّة، بعد نُشوب حرب التّحرير، ثمّ حزب الشّعب مرّة أُخرى، بعد استرجاع الحُرّيّة المسلوبة، في سنة 1962 م. و الله أعلى و أعلم. 10 في العدد الثّاني (02)، بتاريخ الخميس 26 جُمادى الثّانية 1367 ه / ماي 1948 م. و عُمره إذّاك سبعة عشر عامًا. 11 لقد اطّلعت عليها، و مِن جُملة ما وقع عليه نظري، مقالان. الأوّل للشّيخ معمّر حاشي (ت 1986 م)، مُعنون ب " ما كُلّ بيضاء شحمة "، و مُوقّع بإسم مُستعار " عبد الصّمد "، و منشور في العدد الثّاني (02)، بتاريخ الخميس 26 جُمادى الثّانية 1367 ه / ماي 1948 م، يردّ فيه على الشّيخ الإبراهيميّ. و الثّاني للشّيخ خليل القاسمي (ت 1994 م)، بعنوان " من هُنا و هُناك : مُحاورة مع الأستاذ الإبراهيميّ "، و مُوقّع بكُنيته " أبو الضّياء "، و منشور في العدد السّابع (07)، بتاريخ الخميس 03 شعبان 1367 ه / جوان 1948 م. و قد وجدت في هذين المقالين مُجازفة و مُجانفة للحقّ، و فيهما نفسٌ من التّعصّب، و أُسلوبهما ينمّ عمّا كان حادثًا، بين جمعيّة العُلماء السّلفيّة الإصلاحيّة ، و بين خُصمائها، في تلك الحقبة، من تاريخ الجزائر، و ليس هذا الشّأن موضع عِنايتنا في هذه الجلسة، و لكنِّي أقول أنّ مُحمّد البشير الإبراهيميّ (1889 م 1965 م) هُو علّامة خرّيتٌ فِطَحْلٌ، أحد رُكُون العلم و خرائطه في عصره، الّذين أنجبتهم الجزائر الحبيبة، لا يُجارى و لا يُبارى، و قد مثّل السّلفيّة الحقّة أحسن تمثيلاً. لا يُشكّ في عِلمه، و لا في صِدقه و عَدله، و لا في غِيرته على بيضة الإسلام، و لا في وطنيته، و لم تلمس يده شيئًا من المال المعصوم، و لا المشبوه، و لا الحرام. و الّذي يُنكر عليه، حاله كساقية لَاطمت بحرًا. و البحر لا تُكدِّره الدِّلاء، و الماء إذا بلغ القُلّتين لم يحمل الخبث. و الله أعلى و أعلم. 12 لا شكّ أنّ الشّيخ معمّر حاشي كان يمتلك خطًّا جميلاً بَصرته بعيني، و قد استفادت منه زاوية الهامل استفادة عظيمة. و الله أعلى و أعلم. 13 لقد وصفهم بأنّهم مُتصوِّفة على السَّليقة.. أهل أدبٍ و حلمٍ و لينٍ و طاعة و التزامٍ... و الله أعلى و أعلم. 14 من الأدارسة، من ذُرّية الحسن بن عليّ (رضي الله عنهما)، و فاطمة بنت النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم (رضي الله عنها و أرضاها). 15 قال علّامة أولاد طُعبة في وقته عبد القادر بن إبراهيم الشّيخ، المعروف بالمسعدي (ت 1956 م) : بني نائل سُدتم و شُدتم ... صُروح الفضل و النّسب التِّلاد فلو أنّ القبائل من لُجين ... لكنتم عسجدا عند النّقاد 16 أو الحَبُوس، و بعضهم ينطقونها الحُبُوس، و هو جمع حَبْسٍ، و آخرون ينطقونها الأحباس، و هي جمع حِبْسٍ، و الأسلم الأُولى، من فعل حَبَس، أو الحُبُس. و الله أعلى و أعلم. و قد شَهدت زاوية الهامل تحديدًا وُقُوفًا عديدة و مُتعدِّدة، و بخاصّة في زمن المُؤسّس (رحمه الله). و الوقف من فعل وَقّف، و ليس أوقف، كما هو جارٍ على ألسنة النّاس ؛ لأنّ أوقف هي بمعنى سكت، و أمسك، و أقلع، و لا تأتي إلّا لهذه المعاني الّتي ذكرت، في فصيح كلام العرب. و الله أعلى و أعلم. 17 من الجلفة نذكر منهم : حاشي عبد الرّحمان (ت 1958 م)، و حاشي مُصطفى (المصفى) (ت 1980 م)، و جرو الأزهريّ (لزهاي) (ت 1982 م) ، و شيخه حاشي معمّر (ت 1986 م)، و مسعودي عطيّة (ت 1989 م)، و محفوظي عامر (ت 2009 م)، و حاشي العربي (ت 2011 م)، و سالت الجابريّ. 18 منها قوله : مَنْ يمشِ مشية تيهٍ و ينسَ طُرق ذويه... فَسَيَأْتِه زمانٌ يتمنّى الموت فيه. أو قالها بصيغة فعل الماضي (مَشَى، نَسِيَ). و الله أعلى و أعلم.