لازالت مدن ولايتي الشلف وعين الدفلى محرومتين من فضاءات السهرات وفترات الحركة الليلية التي ظلت تسجل تناقصا وتراجعا منذ أزيذ من 25 سنة خلت، حيث تكاد تنعدم تنقلات السكان بالموازاة مع غلق المرافق التجارية والخدماتية إبتداء من الساعة السادسة، مما يجعلها تقترب من مدن الأشباح، يحدث هذا أمام السلطات المحلية التي لم تهتد إلى أساليب ناجعة وتحسيس من طرف المجتمع المدني و الجمعيات لتدارك الوضع. هذه الوضعية التي تلقى استياء بين أوساط السكان والعائلات المتذمرة مما آلت إليه المدن بولايتي الشلف وعين الدفلى، خاصة تلك التي كانت لها تقاليد خاصة وفضاءات مشهورة وأجواء مميزة عرفت بها منذ السبعينيات إلى غاية التسعينيات كما هو الشأن بمدينة الشلف وتنس وبوقادير وواد الفضة وواد السلي وبني حواء والمرسى بخصوص ولاية الشلف ومدن بعين الدفلى كما هو الحال بمليانة والخميس والعطاف والعبادية وجندل وعين الدفلى والعامرة والروينة. لكن سرعان ما اختفت تلك الحركة الليلية والسهرات العائلية التي ظل السكان يحنون إليها، وهو ما أوضحه الأستاذ الجامعي بخميس مليانة محمد طايبي، الذي اعتبر أن خلو مدن الشلف من هذه الفضاءات وقلة الحركة أو انعدامها خاصة في فصل الشتاء بعاصمة الولاية الشلف وتنس وبوقادير وبني حواء ومناطق أخرى يعود في الأساس الوضع الذي عاشته هذه المناطق من تدهور أمني وتعامل السكان مع هذه المستجدات التي لم تخدم رغبة هؤلاء في الخروج إلى الشوارع بالكيفية التي ألفوها جراء هاجس الخوف أو التعرض لأي مكروه، وهي حالة شعورية كانت أكثر وقعا لدى العنصر النسوي بفعل طبيعتها. فيما حددت أستاذة اللغة الفرنسية بذات المؤسسة الجامعية بخميس مليانة عزيزة قرآن في حديث سابق لها مع «الشعب»، أن مدينة خميس مليانة تعتبر ملتقى للطرق والإتجاهات نحو ولايات أخرى كمنطقة عبور وتبادل تجاري نشيط ليلا ونهارا، كانت من المدن الأكثر حركة في عين الدفلى، غير أن هذه الميزة سرعان ما اختفت ولم يبق منها سوى بعض الملامح المحتشمة تضيف محدثتنا، التي أوضحت أن الممارسات السلوكية تناغمت مع الواقع المعيشي لسكان المنطقة التي تعد أكبر تشكيل سكاني بعين الدفلى يقارب 90 ألف نسمة حسب ذات الإطار الجامعي التي كانت تأمل من حركة الطلبة الجامعيين تغيير ظاهرة وجه المدينة وتنشيط حيويتها التي عرفت بها خلال السنوات الفارطة، وهذا رغم قلة الفضاءات كالحديقة العمومية وقاعة الحفلات بالقرب من مقر البلدية القديم. نفس الشيء تعيشه مدينة مليانة عروسة زكار، المتواجدة منذ الحقبة التركية، حيث كانت عاصمة الأمير عبد القادر مسرحا لنشاط متميز استمر إلى غاية الإستقلال حيث اكتسبت المنطقة تقاليد خاصة استقطبت الزوار ومحبو السهرات الليلية والحفلات الاندلسية بحديقتها المعروفة بنافورتها وساحة علي عمار وبأثارها المرتفعة. هذه الخصوصية جعلت من المنطقة لا تنام ليلا آنذاك، لكن سرعان ما تلاشت هذه المظاهر، جعلتها من المناطق الميتة التي أضيفت إلى قوافل المدن التي فقدت ملامح الترفيه والحركة ليلا تقول الأستاذة الجامعية عزيزة قرآن عضو بالمجلس الشعبي الولائي خلال العهدة المنصرمة. ونفس الإعتقاد لمسناه عند البرلماني مصطفى ناصي، الذي أكد لنا أن إعادة تنشيط هذه المدن يجري التخطيط له وفق برامج تنموية تسهر على تجسيدها السلطات الولائية رفقة المجلس الشعبي الولائي ومقترحات أعضاء البرلمان بغرفتيه بالتشاور مع المجتمع المدني والجمعيات والمصالح المختصة، يقول ذات النائب البرلماني المعروف بحيويته ونشاطه. أما بولاية الشلف كما أكد لنا ذلك الأستاذ الجامعي محمد طيبي، فنكبة الإرهاب وأحداث زلزال 10 أكتوبر 1980 كانا لهما الأثر الكبير في عدم اهتمام المنتخبين والجهات المختصة بالمساحات الخضراء والحدائق وانجاز الفضاءات، مما انعكس على يوميات المواطن، باعتبار أن حركية السكان ترتبط في الأساس مع وجود هذه الفضاءات هذا من جهة ومن ناحية أخرى فإن حركية السكان مرتبطة بتموقعهم وإستقرارهم، حيث لازالت لحد الساعة مظاهر وجود السكان والعائلات بكل من بلدية الشطية والأحياء الجديدة التي تم انشاؤها غاداة زلزال 10 أكتوبر 1980 كأولاد محمد والشرفة ولالة عودة وحي النصر وغيرها، والتي استقر بها السكان بعيدا عن موقع وسط المدينة التي مازال لحد الساعة شبه خال من المساكن، الأمر الذي جعل المدينة تموت بحركة بطيئة جعلت منها مدينة الشبح ليلا، حيث أن ممارسي التجارة يقطنون في الشطية والأحياء الجدية والبلديات القريبة من الشلف كواد السلي وأم الدروع وواد الفضة وسنجاس. هذا التقسيم الجديد الذي فرضته المعطيات الجديدة التي حدثت منذ حوالي 25 سنة صنعت هذا الواقع الأليم لمدينة فقدت عذريتها وحيويتها الليلية، بالإضافة إلى نقص المرافق وانعدام الخدمات ليلا. هذه الوضعية تتطلب جهودا من المجتمع المدني والجمعيات والسلطات المحلية للتفكير في رد الأجواء التي عرفت بها هذه المدن، مع برمجة فضاءات من شأنها خلق أجواء مميزة تعيدنا إلى الزمن الجميل بهذه المدن.