تواصلت المظاهرات ومسيرات الاحتجاج فى عدد من المدن التونسية لإنهاء أي دور لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي -الذي كان حاكما- في الحياة السياسية رغم إعلان الحكومة المؤقتة القطيعة مع النظام السابق. كما نظم عدد كبير من أفراد قوات الأمن التونسي صباح أمس تجمعا احتجاجيا أمام مقر الحكومة المؤقتة بالقصبة في العاصمة تونس ومسيرة جابت شارع الحبيب بورڤيبة الرئيسي بالعاصمة نفى خلالها المشاركون مسؤوليتهم عن عمليات قتل وقعت خلال الثورة. يأتي ذلك في وقت طالب فيه الاتحاد العام التونسي للشغل بحل الحكومة الحالية، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني بالتشاور مع مختلف القوى السياسية والنقابية والمدنية. وتجمع مئات المتظاهرين أمام مقر وزارة الداخلية بتونس العاصمة رافعين شعارات منها: الشعب يريد إسقاط الحكومة والسفاح في السعودية والحكومة هيّ هيّ والرحيل الرحيل يا عصابة إسرائيل. وشارك مئات في مسيرات سلمية باتجاه قصر الحكومة التي طالبوا برحيلها، في وقت انضم عدد من رجال الأمن في جانب آخر للمتظاهرين تضامنا معهم. وأحرق المحتجون شعار التجمع الدستوري، وحملوا لافتات تطالب برحيل الحكومة. وشاركت بهذه المظاهرات اتجاهات سياسية في مقدمتها الاتحاد التونسي للشغل، وسط إجراءات أمنية مشددة بينما حلقت مروحية للجيش فوق المتظاهرين. وبالإضافة لتونس العاصمة وعدد من المدن الكبرى، نظمت بلدات تونسية أمس لأول مرة منذ الإطاحة ببن علي احتجاجات تدعو إلى إزالة بقايا النظام السابق. وفي خضم ذلك طالب الاتحاد العام للشغل بحل الحكومة الحالية وتشكيل ما أسماها حكومة إنقاذ وطني ائتلافية. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصادر بقيادته أن الاتحاد قرر سحب وزرائه المرشحين من الحكومة المؤقتة، وعدم المشاركة فيها إلى حين تنفيذ مطالبه. وجاءت هذه التطورات رغم تعهد رئيس الوزراء المؤقت محمد الغنوشي بأنه سيعتزل العمل السياسي عقب انتهاء المرحلة الانتقالية الحالية، والإعداد للانتخابات التشريعية والرئاسية. وقال الغنوشي في لقاء مع التلفزيون التونسي يوم الجمعة: إن دوره هو الخروج بالبلاد من هذه المرحلة الانتقالية التي ستقود إلى انتخابات برلمانية ورئاسية، مؤكداً أنه حتى لو رُشح لخوض الانتخابات فسيرفض ويترك الحياة السياسية. كما تعهد بإجراء انتخابات شفافة وديمقراطية تكون الأولى منذ الاستقلال عن فرنسا عام 1956، مضيفاً أنه سيتم إلغاء جميع القوانين غير الديمقراطية خلال مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية، ومن بينها قوانين الانتخابات ومكافحة الإرهاب والإعلام. وكان الغنوشي قد تعهد في وقت سابق بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في غضون ستة أشهر، لكن لم تحدد تواريخ لإجراء تلك الانتخابات، في حين ينص الدستور التونسي على أنها يجب أن تقام في أقل من شهرين. ولم يشفع للغنوشي استقالته قبل أيام مع الرئيس المؤقت فؤاد المبزع من حزب التجمع. كما لم يشفع للحكومة إعلانها القطيعة مع النظام السابق وإقرارها في أول اجتماع لها يوم الخميس جملة من التدابير بينها العفو التشريعي العام الذي يشمل كل السجناء السياسيين وسجناء الرأي. ويُذكر أيضا أن الحكومة اعترفت أيضا خلال ذلك الاجتماع بكل الحركات والأحزاب المحظورة، ومن بينها حركة النهضة الإسلامية، إضافة إلى استعادة الممتلكات العمومية التي استولى عليها التجمع وإنهاء تفرغ كوادره، وذلك في إطار فصل الدولة عن الحزب. ومن جانبه أعلن وزير الداخلية بالحكومة المؤقتة أحمد فريعة أن عددا من رموز النظام السابق محتجزون لدى الشرطة. وذكر أن من بين المعتقلين عماد الطرابلسي ابن شقيق زوجة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وكذلك الرئيس السابق للأمن الرئاسي علي السرياطي. وأشار فريعة إلى أن بعضا من أفراد عائلتي بن علي وزوجته فروا من تونس قبل ساعات من فرار الرئيس. مؤكدا أن الهروب من تونس لا يعني الإفلات من الملاحقة القضائية، لافتا إلى أن بلاده ترتبط مع عدة دول باتفاقيات تبادل وتسليم مطلوبين. وناشد الوزير المواطنين الصبر بضعة أشهر إلى أن يتمكنوا من اختيار الحكومة التي يريدونها. وكان الغنوشي قد أعلن يوم الجمعة أن تونس ستدفع تعويضات لعائلات ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان خلال حكم بن علي. وسترسل مبعوثين إلى دول عربية أخرى لملاحقته. وبدأت يوم الجمعة أول أيام الحداد العام الذي يستمر ثلاثة أيام ترحما على أرواح ضحايا الانتفاضة الشعبية الذين بلغوا وفق ما أعلنته الحكومة 78 قتيلا، في حين قالت منظمات حقوقية إن عدد القتلى تجاوز المائة. وأقيمت بعد الجمعة صلاة الغائب في المساجد ترحما عليهم. ومن جهة اخرى نظم عدد كبير من أفراد قوات الأمن التونسي صباح أمس تجمعا احتجاجيا أمام مقر الحكومة المؤقتة بالقصبة في العاصمة تونس ومسيرة جابت شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي بالعاصمة نفى خلالها المشاركون مسؤوليتهم عن عمليات قتل وقعت خلال الثورة التي أدت لسقوط النظام السابق وفرار الرئيس زين العابدين بن علي. ورفع أعوان الأمن الذين ارتدوا الشارة الحمراء جملة من الشعارات أبرزها: أبرياء أبرياء من دماء الشهداء.. ويا بوليس يا مقهور ولى عهد الدكتاتور. كما هاجمت الشعارات عددا من المسؤولين بوزارة الداخلية الذين اعتبرهم المحتجون مسؤولين عما حصل لهذا القطاع من مشاكل. وأكدت الشعارات المرفوعة كذلك ضرورة تصحيح الصورة الانطباعية السلبية التي أصبح التونسيون يحملونها عن جهاز الشرطة والتي ارتبطت في مجملها بمفاهيم القمع والظلم والرشوة وغيرها. وقال أحد المحتجين: إن أعوان الأمن هم في النهاية أبناء هذا الشعب وهم إحدى فئاته المتضررة من العهد السابق إن لم تكن الأكثر تضررا على الإطلاق. مضيفا: أن كل بيت تونسي تقريبا لا يخلو من رجل أمن من شرطة أو حرس. وأشار إلى أن عددا من الحقوقيين والساسة يشتمون أعوان هذا السلك رغم أنهم يسهرون في هذا الظرف الصعب على أمن البلاد وحتى على أمن السياسيين الذين يسيئون إليهم. مؤكدا أنه من الإجحاف أن يؤخذ جميع أعوان الأمن بجريرة بعض الفاسدين الذين لا يخلو منهم أي قطاع في تونس. وطالب أعوان الأمن المتظاهرون بتأسيس نقابة وطنية لهم كسائر القطاعات الأخرى تتولى الإشراف على شؤونهم ورعاية مصالحهم. مشيرين إلى أن عددا من الأعوان فقدوا شغلهم أو تعرضوا لنقل تعسفي بسبب مواقفهم. وقال أحد المتدخلين: إن غياب نقابة وطنية لعناصر الأمن الوطني جعلهم عرضة لشتى أنواع الظلم والقهر الذي عانوا منه خلال العهد السابق، والذي من أبرز مظاهره تردي أوضاعهم المعيشية وتهديدهم بالفصل إذا رفضوا تنفيذ تعليمات قد تبدو لهم لا قانونية. ويقول منظمو هذه الاحتجاجات إنها تهدف كذلك إلى تصحيح الصورة القاتمة التي يحملها المواطن عن رجل الأمن الذي جعلت منه السياسات السابقة عدوا للشعب، على حد قول أحد المتدخلين الذي أكد أن الأمن ضروري لعملية التنمية التي تحتاجها البلاد لتجاوز هذه الأزمة. وندد المتظاهرون برد فعل سلطة الإشراف حيث لم يقم أي مسؤول بوزارة الداخلية التي اعتصم أمامها الأعوان بمقابلتهم والاستفسار عن مطالبهم. ودعا المحتجون المواطنين إلى مساندتهم في مطالبهم بتكوين نقابتهم على غرار بقية مكونات المجتمع التي لها ممثلون في الاتحاد العام التونسي للشغل، وهي المركزية النقابية الوحيدة بالبلاد. وكانت الأحداث الأخيرة التي شهدتها تونس قد زادت من تعميق الهوة بين المواطن وعناصر الأمن خصوصا بعد رواج أنباء عن قيام مسلحين ينتمون إلى بعض الوحدات الأمنية بإطلاق النار وإثارة الرعب وقنص المدنيين خاصة خلال الأيام الأولى التي تلت سقوط نظام بن علي. ويُذكر أن هذه المظاهرات التي نظمتها قوات الأمن شملت -إضافة إلى العاصمة تونس- عددا من المدن الداخلية على غرار قفصة في الجنوب الغربي والكاف في الشمال الغربي وغيرهما من المدن التونسية.