خيم الموت صباح الثلاثاء على اشهر كتاب الرواية في العالم العربي، انه الروائي والكاتب السوري حنا مينة، بعد معاناة مع المرض في الفترة الاخيرة من حياته، ظل يكتب الى ان اذاعت وكالة الانباء السورية سانا خبر وفاته، وهو الاديب الذي اوصى في وصية كتبها الى عائلته قبل وفاته، بأن لا يذيعوا خبر وفاته، ويتركون الجنازة تمر عادية، دون خبر تتناقله وسائل الاعلام والصحافة والمواقع الالكترونية، ولكن موت في حجم هذا المجدد في تاريخ الرواية العربية، لن يمرعاديا فهو شخصية ملك للثقافة الوطنية و العربية و العالمية وجدير بالمشهد الثقافي والسياسي ان يعلن خبر الوفاة، كيف لا و قد ساهم الفقيد في رسم ملامح المشهد الثقافي، مع البدايات الاولى للهياكل والهيئات الثقافية في تأسيس رابطة الكتاب السوريين واتحاد الكتاب العرب. بدأ حنا مينة الكتابة في سن مبكرة واستطاع ان ينفذ من الفقر، الذي قال عنه انه رفيقه، لازمه منذ نعومة أظافره،فكون موهبة ابداعية متميزة في الكتابة ووضع يده على مواطن التجديد في المتن الروائي، فأستحق بذلك كل الالقاب، محولا الاعمال التي كتبها الى اضخم الاعمال السينمائية ، ودخل بها العالمية اذا كان حنا مينة قد انخرط في الكتابة في سن مبكرة، فانه الانسان الذي تحمل مشاق الحياة وهو لايزال طفلا يافعا يبحث عن لقمة العيش بعدما اضطرته الظروف الاجتماعية الى البحث عن مصدر رزق، فعمل الطفل الفقير حمالا في ميناء اللاذقية، ثم امتهن بعدها حرفة الحلاقة، ليشتعل بملامح المبدع في احدى المحلات يجيد مسك المقص ومداعبة هيولى الشعر، ثم انتقل بعدها الى البحر فأختار مهنة البحارة وغاص في ملكوت الملح الاجاج بحثا عن الخبز ولقمة العيش وليس للصيد والسفر، وعلى متن السفن والبواخر التجارية كانت الاميال تختزل عمر ذلك الصبي القادم الى عالم الكتابة دون ان يدري ،فبدأ وعي الرواية يشغل باله ، نتيجة التراكمات الثلاثية التي مر بها، وكان يقابلها بالسيجارة والكأس والكتابة، ثلاثية الحياة في انسانية الروائي حنا مينة . في ريف اللاذقية قدم الى الحياة سنة 1924 بعد ما عاش حنه مينة طفولته في إحدى قرى لواء اسكندرون على الساحل السوري، عاد الى مدينته التي احبها واحب بحرها سنة 1939 وبدأ في كتابة مسلسلات اذاعية باللغة العامية، ومنها، بدأت تتجلى موهبة القاص فعانق السرد القصصي، وبدأ رحلة الكتابة في فنون القصة الطويلة والقصيرة ثم الرواية . حنه مينة الكاتب الصحفي والسينمائي اشتغل نهاية الاربعينيات بجريدة «الانشاء» موظفا خبرته من كتاباته الاولى بصحيفة « صوت الشعب « اليسارية وحصصه الاذاعية في صقل موهبة الصحفي، الى ان اصبح رئيس تحرير جريدة الانشاء، في نفس الوقت اشتغل بكتابة القصة والرواية و السينما . من أعماله الادبية المنشورة : نهاية رجل شجاع، المصابيح الزرق طبعت سنة 1954 وتعتبر هذه أولى رواياته الطويلة كتبها سنة 1954، الياطر سنة 1975، الشراع والعاصفة سنة 1966، الأبنوسة البيضاء، القطاف، بقايا صور، ..المستنقع، .. الدقل، ..حكاية بحار صدرت 1981.كما صدر لحنه مينة العديد من الاعمال الروائية الاخرى، قاربت ال50عملا ، بالاضافة الى العديد من المقالات والدراسات التي كتبها وكتبت عن اعماله . منها رواية (الأرقش والغجرية) و(البحر والسفينة) و(عروس الموجة السوداء) و(نهاية رجل شجاع) التي أنتجت مسلسلاً حصد شهرة كبيرة في تسعينيات القرن الماضي. ورواية (المرفأ البعيد) و(المرصد) و(بقايا صور) و(الشمس في يوم غائم). وأبدع في الكتابة عن البحر بروايات فيها الكثير من الصدق والعمق والمعاناة والكفاح والواقعية والحب والجمال.، (طفلة للبيع) عام 1946. من بين أشهر الاسماء التي لقب بها : حمل مينة لقب «أديب الحقيقة»..» شيخ الروائيين «... «أديب البحر الأول في الثقافة العربية المعاصرة» «كاتب الحرية الإنسانية»، «أشهر الروائيين السوريين والعرب».... «عملاق الكتابة الروائية في الوطن العربي» ، «حنا مينة .. ناصر الفقراء والبؤساء » وصيته قبل وفاته: لا تذيعوا خبر موتي كتب الروائي حنامينة وهو في السنة ال84 من عمره وصيّته الشهيرة بخط يده قائلا في مقدمتها : « عندما ألفظ النفس الأخير، آمل، وأشدّد على هذه الكلمة، ألا يذاع خبر موتي، في أية وسيلة إعلامية، فقد كنت بسيطاً في حياتي، وأرغب أن أكون بسيطا في مماتي» ،ونشرها في الصحافة بشكل علني. حيث تمنى فيها حينها ألا يحتفى به ميتًا وألا يبكيه أحد ولا يحزن عليه أحد وألا تقام له حفلة تأبين، مصرا على جنازة «بسيطة جدًا» مثل حياته، يحمل نعشه فيها أربعة أشخاص «غرباء»من دائرة دفن الموتى، ثم يهيلون التراب على جثمانه وينفضون أيديهم من بعد وكأن أمرًا لم يحصل، وبعد أن يتقدم بالاعتذار، إلى جميع أقربائه وأصدقائه، يطلب منهم أن لا يحمَل نعشه، إلا بوساطة «أربعة مأجورين» من دائرة دفن الموتى أو من الكنيسة التي سيتم تأبينه فيها، إلى إهالة التراب عليه، في «أي قبر متاح» ثم ينفضون التراب عن أيديهم، كما شدد في الوصية، ويعودون إلى بيوتهم: «فقد انتهى الحفل، وأغلقت الدائرة». أراد جنازة بعيدا عن الاضواء ولا حضور فيها للمعزين وهذه الوصية هي اسقاط شامل على شخصية حنه مينة لانه عاش بعيدا عن الاضواء في حياته،ولم يكن قريبا من دوائر السلطة والسياسة، صفته التواضع والزهد في رؤية الاشياء، ماجعل من شخصيته تحمل صفة الرجل المناضل الذي لا يعترف بقوانين الدوائر ومثلها عنده كمثل قوانين الكتابة التي لا تحدها، الجغرافيا ولا يمنعها من النفاذ التاريخ، فيكفيه في ذلك ان اعماله تطبع بالآلاف وقراءه يتزايدون يوما بعد يوم، وأعماله تترجم الى اللغات العالمية ، ويدخل الاوطان كاتبا لا سائحا، وإذا كان الرجل قد أوصى بعدم نشر خبر وفاته في اية وسيلة اعلامية مهما كانت، الا ان وكالة الانباء السورية اول من اذاعت خبر وفاته في بيته ثم نقله الى المستشفى، ثم تناقلت وسائل الاعلام الاخرى خبرالوفاة، واذ يعترف حنه مينة أنه كرّس أدبه في صالح «نصرة الفقراء والبؤساء والمعذبين في الأرض».مؤكدا أنه لا يريد أي حزن وأي بكاء وأي تعاز، من أي نوع، كما قال، وشدد على أنه لا يريد حفلة تأبين له. موضحاً في الوصية بعض تفاصيل ملكيته التي ترك بعضها لزوجته، وبعضها الآخر ل»من يدّعون» أنهم أهله،. علاقته بلواء اسكندرون كغيره من ابناء الريف والقرى والمداشر اولئك القادمون من سكينة المكان الى فوضاء المدينة، تسكنهم عزة النفس وروح المقاومة، لا يرضون بانتظار الصدقات ولا يعيشون على شبح التهميش وغبن الحياة، بل تجدهم يطلقون أوطانهم الاولى والحبر السري يظل ممدودا نحوها مهما تقدم العمر الطويل بهم،واذا كانت طفولة الروائي حنه عاشها بين لواء اسكندرون الخاضع للسلطات التركية ومدينة اللاذقية ومن خلال وصيته نكتشف تلك العلاقة المتينة بينهما وكيف بقطار الحياة يجبره على توقيف تعليمه الابتدائي سنة 1936 بحثه عن عمل يقيه قساوة الحياة تلك، ولو تحتم الامر ان يمتهن العمل اجيرا لكن قطار الحياة لم يمهله البقاء في لواء اسكندرون بعد فرض تركيا سلطتها عليه غادرموطنه وغصة في قلبه يشتعل لهيبها كلما تذكر الجدران والاسماء واحس بأن قمر الامكنة قد غادر مداره ولن يسافر العشاق اليه ثانية، وشيئا فشيئا بدأت شخصية الطفل تظهر للعيان متشبعة بالفكر اليساري مباشرة بعد انخراطه في خلايا النقابة داخل الميناء الذي عمل به حمالا، ثم نشيطا يساريا يوزع صحيفة « صوت الشعب « في شوارع المدينة، ووقف في وجه الاستعمار الفرنسي لم تمنعه قسوة الحياة الانخراط في المقاومة وتنقل بين عدة بلدان سافر إلى أوروبا ثم إلى الصين لسنوات. أعمال حنا تضاهي روايات همنغواي، غارسيا، جوركي وغيرهم ولعل روايته الشهيرة «الشراع والعاصفة « التي كتبها مطلع السبعينيات، تعتبر من بين اهم الاعمال الروائية التي احدثت شرخا كبيرا في العمل الروائي لانها تضاهي اعمال غابريال غارسيا ماركيز، مكسيم جوركي، إرنست همنغواي، ...وغيرهم ، فكيف بالرجل لم ياخذ حقه من النجومية مثل اترابه ؟ ولعلها الاسئلة التي ظلت تطرح نفسها في كل مرة ، وقد ارجع البعض اسبابها الى تحفظ الكاتب حنه من الشهرة التي كان ينبذها،بالرغم من عالمية اعماله ، ويصف مينه نفسه أنه ينتمي للمدرسة الواقعية ألاشتراكية مشيراً إلى فارق ضروري بين واقعية الواقع وواقعية الأدب والإبداع، فلذلك كان يدعو لعدم إقحام ألسياسة في النص ألإبداعي إلا إذا كانت مستلهمة من تجربة الكاتب الذاتية ومعاناته المباشرة في الحياة.