دارت بدار الثقافة عبد القادر علولة، - على هامش الصالون الوطني للكتاب في طبعته الثالثة بتلمسان - أشغال الجلسة العلمية الموسومة بالتجريب في الرواية الجزائرية بحضور أسماء وازنة لها مساهمات في دنيا السرد الجزائري الحديث. وكانت الانطلاقة مع الروائي والباحث الأكاديمي د . حسين علام صاحب رائعة «خطوة في جسد» وكتاب «العجائبي في السرد « والنقاش حول «مصطلح التجريب: طبيعته وماهيته وحدوده وإمكانية تحققه بالإضافة إلى طرح مآزقه ورصد تجلياته في المتن الروائي الجزائري الراهن. تلاها مداخلة، د سعيد، بوطاجين الذي توقف بإسهاب عند «مفهوم السرد كما ظهر في الغرب وعن ظروف نشأته في غضون الحرب العالمية الثانية وما تولد عنها من إحباط قاس وتراجع مرعب لصوت الفلسفة وكذا مقاصد التجريب وأهدافه». فالتجريب، يقول د.بوطاجين «لم يكن محض صدفة ولا حركة عبث عابرة وإنما كان أنصاره يرغبون في التأسيس لتقاليد أدبية جديدة من خلال ابتكار طرائق وترقيتها إلى أقصى الحدود وذلك لجعل السرد أكثر وظيفية من خلال ارتباطه بالحقيقة والعلاقات الإنسانية». وأشار الباحث أيضا إلى «أن التجريب تمخض في حقيقة الأمر عن أسئلة غير يقينية كعلاقة النقل بالعقل. إن التجريب عند الغرب كانت تحكمه مقولات فلسفية وجمالية نقدية كمقولة التشظي وعلاقة الزمن المركب بالزمن الكلاسيكي وعلاقتهما معا بالمجتمع، بالإضافة إلى مقولة البنية المضادة في مقابل البينة القائمة». وكان من ضمن ماجاء في سياق الحديث مسألة انتقال مصطلح التجريب من تربة ثقافية غربية لها خصوصياتها وسياقها التاريخي إلى بنية عربية لها هويتها المفارقة وهنا مكمن العطب في ضبط الجهاز المفاهيمي لسلسلة من المصطلحات التي عبرت إلينا من وراء البحر كالحداثة وما بعد الحداثة ومفهوم الجيل. للإشارة تعاني هذه المصطلحات من ضبابية وغياب في الدقة وبالرغم من هذه الحالة التراجيدية التي تريد أن تنسف مراحل التجريب انطلاقا من القراءة وصولا إلى الفهم والتمثل والفهم والتجاوز كمحطة أخيرة، فإن الباحث يصر بوجود إشراقات روائية بلغت فيها درجة التجريب مبلغها على النحو الذي نشهده عند التونسي المسعدي في تحفته الرائعة حدث أبو هريرة قال الذي استفاد من طرائق السرد الثراثية وكذلك رواية الجازية والدراويش لعبد الحميد بن هدوقة، فقد كان، يقول «هذان الرائدان عارفان بالجملة السردية ومفهوم الوظائف والمستويات السردية وغيرها من متطلبات الجنس الروائي. أما في مداخلة د مخلوف عامر المعروف تساءل حول الجوانب التي مسها التجريب في الرواية الجزائرية كاللغة والأشكال السردية، مشيرا أن الرواية الجزائرية فتية وأن الروائي الجزائري كائن عصامي والمنظومة التربوية لم تزوده بخبرات الكتابة وآلياتها. وأضاف أن الخطاب الروائي ظلّ شديد الارتباط بالتحولات الاجتماعية لهذا كان قائما على الإيديولوجيا. ومن مظاهر التجريب في الرواية الجزائرية حسبه اشتغالها على التاريخ والتصوف والسخرية واللغة الشعرية والعامية ضاربا المثل براويات الطاهر وطار بوجدرة والحبيب السايح الواسيني لعرج وعبد الوهاب بن منصور وأسماء أخرى. ...وآخر حول واقع القصة القصيرة جدا في الجزائر - تعاني من جهتها القصة بشكل إجمالي والقصة القصيرة جدا تحديدا في الجزائر غبنا مضاعفا. ولعل الشعور بهذه الوضغية التراجيدية لهذا الجنس الأدبي كان حافزا لبرمجة ندوة عن القصة القصيرة جدا في الجزائر على هامش فعاليات الصالون وذلك قصد مدارسة شؤون المشهد القصصي في شقه القصير وتحديد مواصفاته الجمالية وسائر انشغالاته. فأشار كل من الإعلامي والروائي محمد بن زيان ود عبد القادر لصهب من قسم الفنون والقاص والمترجم عبد القادر زيتوني إلى طبيعة مصطلح القصة القصيرة جدا قائلين أنه «مصطلح زئبقي لا يثبث على حال يتزيى بكل اللبوس بحيث تفرق دمه في عدة مسميات فهذا الخطاب الأدبي ينعت بنعوت شتى: القصة القصيرة جدا - القصة الومضة - القصة اللوحة - القصةالمشهد -القصة السندويش. وبالرغم من كون بعض المتحمسين في الثقافة العربية يصرون على أن هناك جذورا جنينية لهذا اللون الكتابي في تراثنا ك «شذرات أبي حيان التوحيدي»، إلا أن الحقيقة الساطعة تقول إن «القصة القصيرة جدا في الجزائر فن وافد إلينا بفضل حدوث فعل المثاقفة». والشواهد في آداب الأمم الأخرى كثيرة فتجارب بورخيس في الأرجنتين وهنمغواي في أمريكا ونتالي ساروت في فرنسا كلها عينات تؤكد وتثبت بالدليل القاطع حقيقة الريادة والسبق لهؤلاء الرواد. أما بخصوص نشأة القصة القصيرة جدا فيرجعها الكثير من الدارسين إلى انتشار وذيوع اللون الكتابي الياباني المعروف بالهايكو وطبيعة العصر القلق والوتيرة السريعة لتعاقب الأحداث جراء التطور التكنولوجي المرعب بالإضافة إلى طموح القصاصين في ضرورة استعادة القصة عافيتها بعد ان سحبت الرواية البساط منها. هذه المؤشرات كلها ستنعكس لا محالة على جماليات فن القصة القصيرة جدا التي ستركن إلى التكثيف وبناء بنية مشهدية والارتماء بين أحضان الترميز دون ان تطيح بالحدث كليا لكونه مكونا من مكوناتها الأساسي. بعد هذه الجولة في استحضار تاريخ القصة القصيرة جدا في العالم انصب الحديث عنها هنا بالجزائر واعتبر الضيوف أن تجربة محمد الصالح حرزالله الذي أبدع مجموعته القصصية الطفل يجمع شتات ذاكرة رائد ا في هذا المجال ثم توالت التجارب مع أسماء أخرى مثل علاوة جروة وهبي وعبد الكريم ينينة وسعيد موفقي ورقية هجرس وبختي ضيف الله ومحمد دريدي. لكن رغم هذا الحضور الإبداعي اللافت فإن القصة القصيرة جدا في الجزائر تعاني من عدة مشكلات كغياب المنابر والملتقيات والمتابعة النقدية الرصينة مع وجود استتثناءات كمبادرة د علاوة كوسة في انطولوجيته حول القصة الجزائرية فقد أحصى الرجل 60 اسما من مبدعي الجزائر الذين يكتبون القصة القصيرة جدا.