تطور مفهوم ذوي الاحتياجات الخاصّة في الزمن الماضي كان يطلق على أيّ شخصٍ توجد فيه إعاقةٌ اسم المُقعد، ثمّ تطورّ بعد ذلك حتى باستخدام اسم ذوي العاهة دلالةً على الشخص الذي توجد به إعاقةٌ، بعد ذلك أُطلق عليه اسم العاجز، فكانت النظرة في الزّمن الماضي تدور حول تلك المسميّات. لكن بعد ذلك أصبح هنالك فرقٌ في تلك النّظرة على اعتبار أنّ أفراد تلك المجتمعات هم الّذين عجزوا عن تقبلّ تلك الفئة، واستثمار قدراتهم، خاصّةً أنّ تلك الفئة من الممكن أن تكمن لديها قدراتٌ ومواهبٌ يمكن الاستفادة منها، وتطويرها لتكون فئةً فاعلةً في المجتمعات، وربّما تتميز تلك الفئة عمن حولها من الفئات، والتسميات القديمة توّلد في نفس ذوي الحاجة الخاصّة شعوراً بالإحباط، مما يؤثرّ على حياته وعلاقته مع المجتمع، لذلك وجدت التسميات الجديدة، التي تبعث في نفوسهم الإيجابيّة والحيويّة؛ كتسمية ذوي الاحتياجات الخاصّة، وتسمية ذوي الصّعوبات، وحثّ الإسلام على أن يُنادى الإنسان بأفضل الأسماء وأحسنها.[1] حقوق ذوي الاحتياجات الخاصّة في الإسلام أوصى الله -تعالى- في عددٍ من الآيات الكريمة في القرآن الكريم بضرورة الإحسان إلى النّاس، ومنهم ذوي الاحتياجات الخاصّة، فإنّ كيفيّة تعامل النّاس معهم يؤثر عليهم بشكلٍ كبيرٍ، ولذلك وضعت مجموعةٌ من الحقوق التي تعنى بتلك الفئة، وفيما يأتي بيان بعضه. .. النظرة السويّة إنّ الأشخاص ذوو الاحتياجات الخاصّة لهم حقٌّ في نيل الاحترام من المجتمع، والنّظر إليهم نظرة عزٍّ، لا نظرة شفقةٍ ودونٍ؛ لأنّ تلك النّظرة الفوقيّة سوف تشعر ذوي الاحتياجات الخاصة بالإحباط واليأس، وبأنّهم لا يشكلون أيّ شيءٍ في المجتمع، بل يجب النظر إليهم على أنّهم أشخاصٌ أقوياءٌ قادرون على مواكبة العصر ومستجدّاته، وإن تأخروا في ذلك لظروفٍ منعتهم، ويجب النّظر إليهم نظرة احترامٍ تتخلل معاني الحبّ والرأفة والطيبة. .. حفظ ممتلكاتهم إنّ من حقِّ ذوي الاحتياجات الخاصّة أن تحفظ أموالهم وممتلكاتهم، ومنع التّصرف فيها دون وجهٍ حقّ، وعدم استغلال تلك الفئة بسبب ضعفٍ معيّنٍ فيهم. التفاعل معهم: يجب على المجتمع بأفراده أن يقدموا المساعدة إلى ذوي الاحتياجات الخاصة، والحرص على دمجهم في المجتمع، وعدم استبعادهم، وذلك بإشراكهم في الأعمال التي من الممكن أن يشاركوا فيها، والحرص على حضورهم الفاعل في المناسبات العامّة، ممّا لذلك من أثرٍ ونفعٍ كبيرٍ عليهم بالنّفع. ..احترام الأماكن المخصصّة لهم إنّ بعض الأماكن والطّرق والمحالّ مخصصةٌ لذوي الاحتياجات الخاصة، كما وتوجد بعض الشواخص التي تدل على أماكنهم، فيجب على المجتمع بأفراده احترام تلك الأماكن، وعدم الوقوف بها، وإعطائهم حقّ الطّريق، فقد نهى الرّسول صلّى الله عليه وسلّم أن يؤذي الإنسان غيره. ..احترام قدراتهم وذلك من خلال عدم تحميلهم ما لا يطيقون، وعدم تكليفهم بأعمالٍ من المستحيل أن يقوموا بإنجازها، وذلك لأنّ تلك الأعمال لا يكون باستطاعتهم وقدرتهم فعلها، فيجب احترام القدرة التي أوزعت فيهم، حتى لا يصابوا بتأثرٍ، ممّا يؤدي إلى شعورهم بأنّهم غير قادرين على الإنجاز والعمل، بل إذا أنجزوا العمل الذي يناسب قدراتهم، فإنّهم سيشعرون بالفخر والسّعادة. ..تعامل الإسلام مع ذوي الاحتياجات الخاصّة إنّ الشّريعة الإسلاميّة ذات منهجٍ صحيحٍ متكاملٍ، يعنى بكلّ الوقائع والأحداث والأمور، فلم يُترك مجالٌ إلّا وكان للدين الإسلاميَ بيانٌ ورأيٌ فيه، فقد اعتنى الإسلام بكلّ فئات المجتمع، ومن تلك الفئات التي اعتنى فيها؛ فئة أصحاب ذوي الاحتياجات الخاصّة، فحثّ الإسلام النّاس على احترامهم، واحترام حقوقهم، والأخذ بيدهم، ومعاونتهم في جميع ما يحتاجونه في أمور حياتهم، وكلّفهم بما يستطيعون فعله من الأحكام الواجب فعلها، حسب قدرتهم، فلم يكلّفهم ما فوق طاقاتهم وقدراتهم، ودليل ذلك قول الله تعالى: (لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ)، وكما رغبّ الإسلام في دمج تلك الفئة في المجتمع مع الفئات جميعها ليتشاركوا مع بعضهم البعض، فإنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بيّن في الأحاديث الشّريفة أنّ الإنسان في المجتمع إذا اضطر إلى أن يخالط بعض المرضى، فلا بأس في ذلك ولا خوفٌ منه، وكان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يجعل المرضى والضّعفاء قادةً عندما يخرجوا في ركبٍ، فكان أثر ذلك كبيراً على أصحاب ذوي الاحتياجات الخاصّة؛ لأنّهم أعطوا ثقةً في أنفسهم، وتمّ دمجهم في المجتمع الذي سيخافون منه لو كانوا مبعدين عنه. وبيّن الدين الإسلاميّ أنّ النّاس سواءٌ لا فرق بينهم، إلّا بتقوى الله تعالى، فالتقوى هي المعيار الذي يحاسب عليه العبد يوم القيامة، وعلى الإنسان دائماً أن يتذكر ذلك الأمر، ودليل ذلك قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)، وبينّ الإسلام أيضاً أنّ أصحاب ذوي الاحتياجات الخاصّة وما تعرضوا له من ابتلاءاتٍ لا يؤثرّ عليهم من حيث منزلتهم بين النّاس، وبين فئات المجتمع جميعها، وإنّ ذلك لا يقلّل من قيمتهم شيئاً، فحثّ الدّين الإسلاميّ وبيّن طرق معاملة واحترام ذوي الاحتياجات الخاصّة، وأعطى لهم حقوقاً يجب على الفئات جميعها احترامها وتطبيقها، وعلى الإنسان أن يحمد الله -تعالى- طوال وقته على النّعم التي وهبه الله إيّاها، فإنّ الله -تعالى- الذي وهب العبد وأعطاه تلك النّعم، قادرٌ على أن يأخذها منه؛ فهو الرّازق القادر، ودليل ذلك قول الله تعالى: (وَما بِكُم مِن نِعمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيهِ تَجأَرونَ)، وعلى الإنسان دائماً أن يصبر في كلّ ابتلاءٍ يحصل له، وأن يستشعر الأجر والثّواب الّذي سيناله بصبره.