انتشرت، خلال السنوات الأخيرة، سلوكات خطيرة وسط الأسواق، وهي الغش والاحتيال الذي يمارسه بعض التجار، الذين يغيب عنهم الضمير المهني، في قضية أصبحت، اليوم، ظاهرة عالمية خطيرة، تضرب اقتصاد الدول، وتهدّد استقرارها. والدليل على خطورتها تحريم الإسلام تلك السلوكات المستهجنة، واتّفاق جميع قوانين الدول، على أنّ تلك الأعمال جريمة يحاسب عليها. ووصفها الكثيرون بجريمة القرن الحديث؛ باعتبار أنّها في تزايد مثير للقلق. وأصبح الكثيرون يوظّفون العديد من السبل والإمكانات في سبيل الاحتيال على الزبون، وتحقيق الكسب السريع على حساب سذاجة العملاء. عن هذا الموضوع كان ل"المساء" جولة استطلاعية بين عدد من المواطنين، الذين أشاروا إلى وقوع كثير منهم ضحايا أفعال أشباه التجار، الذين ينتحلون صفة هذه المهنة المباركة، للنصب والاحتيال على المواطنين. وأكّد الكثيرون أنهم وقعوا، على الأقل مرة واحدة في حياتهم، ضحية نصب واحتيال من طرف بائع أو مقدّم خدمة. وأوضح آخرون أنّ هذه الظاهرة أصبحت منتشرة بشكل مثير للقلق، جعلت الجميع على تأهب؛ خوفا من الوقوع في محاولة نصب؛ ما يجعل مجال الشك مفتوحا دائما، وتغيب بذلك الثقة بين الزبون والتاجر في كثير من المرات. وبين رفع الأسعار وتقديم بضاعة فاسدة وعدم تسليم البضاعة وغير مطابقة السلع للمعايير الموصوفة، وتغيير السلعة عند التسليم، كثيرة هي مظاهر النصب والاحتيال. وأجمع محدّثو "المساء" على أنّهم كانوا ضحايا واحدة من تلك السلوكات، التي أصبحت تمارَس، حسبهم، بدم بارد دون خوف ولا تردّد، بل أصبحت عند البعض سلوكات "عادية". وفي هذا السياق، رصدت "المساء" رأي الإمام محمد لعزوني، الذي أشار إلى أنّ ظاهرة الغش باتت تأخذ أبعادا خطيرة. وأصبحنا، اليوم، نشهدها بشكل عادي في أسواقنا؛ إذ لا يجد البعض من أشباه التجار، حسبه، حرجا في الخروج علنا بتلك الأفعال. وقال الإمام إنّ الغش والاحتيال هو كل فعل يأكل مال الغير بالباطل؛ بتقديم سلعة أو خدمة غير مطابقة للمقابل الذي يأخذه من الزبون. كما إنه كل محاولة احتيال على مال الغير بطريقة معيّنة؛ كلاسيكية كانت أو مبتكرة، تمسّ الأساسيات أو الكماليات؛ مالا قليلا أو كثيرا، وهو كل ما يخالف القواعد التي تحكم العلاقة بين التاجر والزبون، ويأتي بضرر على المستهلك. ويواصل الإمام بالتأكيد على أنّ ديننا الحنيف نهى عن الغش في المعاملات التجارية، بل جعل الله التجارة من الأعمال المباركة. وتغيّرُ التفكير وتحوُّله إلى الماديات جعل الكثير من الأشخاص يحاولون الاحتيال والنصب على الناس؛ فالغش "حرام"، يقول الإمام، مهما كان صغيرا كبيع فاكهة فاسدة، أو الغش في الميزان، أو رفع سعر سلعة بغير قيمتها الحقيقية، أو بيع بضاعة فاسدة أو غيرها؛ فالغش من الكبائر. ويضيف المتحدّث: "فاعله فاسق، وتُردّ شهادته؛ فهو غير هيّن عند الله. ولا يجب الاستهتار بهذه الأعمال أو تصغيرها؛ فأكل أموال الناس بالباطل حرام" . والدليل على ذلك قول الله تعالى: "وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ. الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ. وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ. أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ. لِيَوْمٍ عَظِيمٍ" . ويقول تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ" . ويقول تعالى: "وأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا". فالوزن بالعدل، وتقديم بضاعة سليمة، وتحديد السعر في الأوّل وغيرها من التفاصيل، يوجبها الدين؛ من أجل مبادلة تجارية سليمة بعيدة عن الغش والاحتيال. وأوضح الإمام أنّ من حق الزبون الرجوع عن عقد البيع إذا وجد في سلعته أو خدمته عيبا أو عطبا غير متّفق عليه، ولم يصرح به التاجر من قبل. وفي الأخير، حذّر الإمام لعزوني من تلك الأفعال التي أصبحت تهدّد مجتمعنا، وتسيء للقيم التي تربط العلاقات بين الزبون والتاجر، داعيا إلى التفكير بمنطق أن كل تاجر هو زبون من جهة أخرى؛ فهل يقبل أن يصاب بما أصاب زبونَه؟ وبالتالي القضاء على الأنانية، والتفكير المادي الذي يُدرج صاحبه مع الفُجّار يوم الحساب، وعدم جعل الطمع والرغبة في تعظيم الأرباح يحرك أفعالنا، ويقيّد تصرّفاتنا مع الغير.