العمل معا لإزالة عوائق ترقية وتسويق وجهة الجزائر السياحية لا تحين فرصة إلا وحرص على توظيفها لصالح السياحة في الجزائر، فبعد تنظيم ملتقى اقتصادي ومالي في نوفمبر الماضي، يسهر إبراهيم جلواجي مدير عام وكالة السياحة «ميد فواياج» على إتمام التحضير لرحلة من بوابة الثقافة تنطلق من مرسيليا إلى الجزائر في الفترة من 11 إلى 17 فيفري القادم يتم خلالها عرض مسرحية على ركح محي الدين بشطارزي تقدمها فرقة من الخارج ضمن شعار العيش معا. ويتحدث صاحب المبادرة الذي لا يتوقف عن الرهان على وجهة الجزائر في استقطاب السياح الأجانب في هذا الحوار عن مختلف الجوانب التي تتعلّق بواقع وآفاق السياحة الجزائرية ويقدم أفكارا للرفع من مكانتها في السوق العالمية. بالنسبة إليه يشكل هذا اكبر تحد في نشاطه ولن يعتبر نفسه قد كسب الرهان حتى تتحوّل وجهة الجزائر إلى مصبّ لتدفق السياح من كافة جهات العالم، عبر البوابات الطبيعية، الثقافية، البيئية، الروحية والتاريخية من خلال إعادة صياغة خيارات بمشاركة الفاعلين في السوق وفقا لمقاربة تعطي للمبادرة مجالا واسعا مع عقلنة في المرافقة لفائدة المنتجين للثروة عبر جسر السياحة. «الشعب»: في أي إطار يندرج تنظيم رحلة للسياح من فرنسا وأوربا بلا شك إلى الجزائر قريبا؟ ابراهيم جلواجي: لقد وضعت وكالتنا للسياحة وجهة الجزائر كمحور استراتيجي ويحظى بالأولوية، وقد أنجزنا دليلنا الورقي حول وجهة الجزائر السياحية منذ سنة 2004، ونحرص على تقديمه لزبائننا وخاصة إلى المهنيين في قطاع السياحة في أوروبا. وكل مشاركاتنا في معارض وصالونات تتعلق بالسياحة تركز أساسا على وجهة الجزائر. للأسف رغم جهود كثيرة نبقى على مستوى سوق تقليدية ومحدودة، ذلك أن هناك كثير من العوائق الموضوعية والذاتية تعرقل بشكل قوي ترقية وتسويق الوجهة التي تخسر كل سنة مرتبها في السوق الدولية بشكل جدي. إن صناعة السياحة تفرض مطالب ومقومات ودفاتر شروط قلما من الممونين لها في الجزائر يمكنهم تلبيتها، ذلك أن أي منتوج سياحي يتطلّب على الأقل سنة من العمل لإنجازه ووضعه في السوق، ويتطلّب بشكل جوهري وجود شركات للنقل الجوي والبحري والبري والسكك الحديدية، ومحطات إقامة من فنادق، مخيمات ودور للضيافة، وبالأخص اقتراح أسعار تنافسية ثابتة وبعض المخصصات مثل المساهمة في أعباء الاتصال والترقية لتجهيز المنتجات السياحية. لكن يوجد العديد من مموّنينا من المتعالمين في السوق يجهلون هذا المسعى البناء لتركيب منتجات سياحية. الملاحظ أن الإدارة القائمة على السياحة على مختلف المستويات تنتهج مقاربة «عقابية»، عقوبات ضد وكالات تعاني من تأخر في تجديد وثائقها الإدارية بدل أن تحظى بالمرافقة والتحسيس والترقية. بالمقابل فإن مكاتب للأعمال، «مقاهي انترينت» تبيع خدمات الحجز بالفنادق وملفات التأشيرة بأسعار مرتفعة تنمو في الساحة، دون أن يزعجها أحد أبدا، ويوصف هذا بشبه التسويق الذي لا تلاحظه نقابات أو توقفه إدارة. الثقافة والتراث محرّكا النمو يظهر جليا أنكم تراهنون على الثقافة، ما هو دورها في تطوير السياحة؟ إن تموقعنا كطرف في السياحة وترويج الأحداث ذات الصلة أمر محوري، ذلك أن السياحة بوجه ثقافي أو غيره عمل مواطني، وهو شكل لمساهمتنا المجتمعية من اجل تسجيل تقدم للوجهة، فالجزائر تتوفر على تراث ثقافي مادي وغير مادي ثري ورائع، وكثير منه مسدل ضمن التراث الإنساني من طرف اليونيسكو، وآخر له أبعاد وطنية ومحلية، إلى جانب التنوع المناخي والتضاريس التي تعطي للمنتوجات السياحية قابلة العرض طيلة السنة، من مواقع حموية، ثقافية لمواقع رومانية، تاريخية لمختلف المراحل من تاريخ الجزائر، إلى جانب الواحات والفضاءات الأخرى في الهضاب والسّهوب والصحراء. في هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى ثقل السياحة الروحية بجميع جوانبها، والتي تمثل محورا يعطي زخما للثروة السياحية التي تعتبر بالنسبة لنا مادة أولية، تضاف إليها الأحداث التي نجسدها مع عالم الفنون والثقافة بتفرعاتها العليمة والرياضية. فنحرص دوما على تنظيم لقاءات علمية، وعرض مسرحيات من طرف فرق أجنبية في الجزائر، ذلك أن السياحة التضامنية نشيطة، وكذا رحلات بين الضفتين من البحر الأبيض المتوسط، وبهذا الصدد نحضّر لتنظيم رحلة بحرية في المتوسط في أكتوبر 2020، حيث تكون الجزائر محطة شرفية، وكل هذا يندرج في صميم ترقية وجهة الجزائر السياحية. اعتمادات أقل من الطموحات برؤية الاحترافي، ما هو المطلوب توفيره من أجل الرفع أكثر من صورة بلادنا في السوق العالمية للسياحة؟ للسوق العالمية قواعدها ومتطلباتها، ولا أعتقد إلى اليوم أننا على درجة عالية لمواجهتها بجدية، فالأمر يتعلّق بإرادة صادقة وحقيقية لبلوغ ذلك، ذلك أن الاعتمادات المالية المخصصة للقطاع تتعارض مع الخطاب المعلن، كما أن القطاع نفسه يعاني من قلة الكفاءات عالية المستوى في وقت لم يعد التأطير بنفس الحيوية التي بدأ بها قبل أربعين سنة. أكثر من هذا ونتيجة عدم الاستقرار على رأس القطاع، فقدنا كفاءات، وليس أدل على ذلك أن 15 وزيرا تولوا حقيبة السياحة في أقل من 20 سنة، إضافة إلى جهل القطاع وغياب مخططات عمل متوسطة المدى إلى جانب ضعف الانسجام بين مختلف الممونين، المنتجين، والموزعين والسلوكات المحلية لتنشيط البرامج المحلية والوطنية والدولية، وأخيرا كثرة الجمعيات النقابية والفيدراليات المهينة لوكالات الأسفار والفنادق، التي تتسابق على امتيازات، حصص الحج، العمرة، حيث يلاحظ ميولهم للتواجد في بلاتوهات مختلف قنوات التلفزيوينة في معارك لا تنتهي، بينما لم أشاهد يوما لقاء لجمع القوى من اجل مواجهة المنافسة الأجنبية، فهل يعقل استقدام شركات كبرى للسياحة والأسفار مع تحمل الكلفة لترحيل سياح وزوار جزائريين إلى وجهات أخرى، والمثل يقول «ايزيد الماء للبحر». «أخام ندزاير» علامة جزائرية توفر السياحة الصحراوية فرصا لتجسدي برامج هامة، أليس المناخ في الظرف الراهن مناسب، خاصة تحت شعرا العيش معا؟ بالفعل تعتبر السياحة الصحراوية محطة هامة لتسويق منتجات ذات مرجعية للجزائر شريطة تحضيرها بدقة وإتقان. يخص الأمر بتحضير المحيط وفضاء الاستقبال مع تشجيع المتعاملين المحليين بكل التحفيزات المالية، والحرص على تكوين بمستوى جيد مطابق لتقاليدنا في الاستقبال، بحيث يمكن الرفع من المستوى بتقنيات عصرية تخصّ اللغات الأجنبية، ومرونة وسائل النقل والإقامة، وتنشيط ثقافي وفني وفولكلوري حول مواقع جذابة مع السهرة على حامية البيئة قبل وبعد مغادرة السياح. وجهة الصحراء تتطلّب خاصة النقل الجوي بالوفرة اللازمة وبأسعار تنافسية، كما يمكن الاشتغال على ملف تنظيم بيوت الضيافة ذات جودة بعلامة جزائرية «أخام ندزاير» كمرجع. ثم إقامة شبكة معتمدة لدى الإدارة الوطنية تمنح لها رتبة سفير الوجهة الجزائرية، ومع معايير أساسية، مثل توفير منتجات غذائية طبيعية محلية لمختلف الأطباق والأثاث التقليدي واللّباس المحلي للأعوان والمنشطين تليها في الأخير عملية تسويق المنتوج السياحي الصحرواي. حول هذا الموضوع، من المرتقب أن نقوم بتنظيم في منتصف أكتوبر 2019، قافلة الواحات الجزائرية، تتجوّل عبر الوادي، بسكرة، تقرت، غرداية، تيميمون وتاغبت بني عباس. وينظم خلالها منتدى من 8 أيام عبر ثلاث مراحل في إطار نشاطات المنتدى الدولي للسياحة التضامنية، تحت إشراف المنظمة العالمية للسياحة واليونيسكو والمنظمة الدولية للسياحة الاجتماعية. هذا الموعد سوقف يجمع الخبراء في المجال، وسائل إعلام وفاعلين وطنيين ومحليين من اجل تقاسم وتبادل مختلف التجارب الايجابية المعروفة على مستوى العالم مثل البيرو، المغرب، مصر، عمان، ذلك أن 54 بلدا لديها صحراء مختلفة ومن ثمّة أخذ النماذج الناجحة وتقاسمها مع الزملاء، وبمجرد انجاز هذا العمل البيداغوجي، فإن منتوج السياحة الصحراوية يصبح مثيرا ومطلوبا بالتأكيد، علما أنه منتوج يرتكز على احترام الطبيعة والثقافات. الشمس مقابل العلم هذه السنة الصعبة (قلة الموارد) والطموحة (إرادة رفع تحدي النمو) يمكنها، بلا شك، أن تكون موعدا لانتعاش السياحة، ما رأيك؟ صراحة أنا لست راض عن هذه الوضعية المالية الصعبة، لقد نظمنا في نوفمبر الماضي بالجزائر ملتقى حول المالية والتأمينات، علما أن للجزائر أكثر من 31 بالمائة من مواردها المالية في السوق الموازية. وهو ما يعاجل 45 مليار دولار تحتاج لإعادة ضخها في الاقتصاد الحقيقي والمنتج للثروة. قد يتعلّق المر بقلة الثقة أو نقص في الرؤية، وأدعو من هذا المنبر الإعلامي الموضوعي إلى التفكير في فتح فروع للترفيه، السياحة الثقافية والبيئية لاستقطاب على الأقل 20 بالمائة من هذه الموارد، وذلك من خلال إجراءات محفزة موجهة للمهنيين تعزّزها سياسة مفتوحة على اقتصاد المعرفة والثقافة، ويمكن التبادل مع أصدقائنا في الضفة الأخرى الشمالية عن طريق الشمس مقابل العلم، ذلك أن العنصر البشري يبقى في صميم نشاطاتنا. إشراك الكفاءات الجزائرية بالخارج كافة التوابل للنجاح متوفرة، حسب رأيك، ما هو الأمر الذي يجب إضافته لإطلاق مسار النهوض بالسياحة على مدار السنة لا أوافقك الرأي، إذ أمامنا عمل كبير يجب القيام به في العمق، بحيث في ضوء التطورات الأولى التي أشرت إليها آنفا، يجب أن نلتقي معا، ثم نحرص على تطبيق المخطط الرئيس لتهيئة الإقليم بعد تحيينه، توجيه الطلب للكفاءات الجزائرية خاصة تلك الموجودة بالخارج التي لها علم جيد وتنشط في شركات عالمية تتعامل مع السوق الدولية للسياحة ولديهم ارتباط بالوطن الأم. هؤلاء ينبغي أن نمنحهم وسائل وتخصص لهم عقارات للاستثمارات مع مساعدة وتشجيع المؤسسات الموجودة بالخارج التي تشجع وجهة الجزائر وعلى الأقل تعيينهم كسفراء لوجهة الجزائر السياحية لتعزيز مكانتهما تجاه مجمعات عالمية من أجل إقامة روابط في شكل جسور تنقل صورة الجزائر المضيافة والرائعة، ذلك أن المنافسة تحسم في الخارج، وإذا كانت مؤسساتنا غائبة أو قليلة الحضور هناك فلن نكون أكثر من مجرد عناصر سلبية في انتظار سياح يترقبون الحصول على تأشيرة من قنصلياتنا، التي يقع على عاتقها دور كبير في تجسدي الطموحات التي تحملها السياحة الجزائرية.