كنت أُمسك كتابي وأقرأ حين دخل أبي تناقشنا عن موضوع وفي سياق الحديث علقت «فاقد الشيء لا يعطيه « ابتسم أبي وقال أنا لا أوافقك يا ابنتي - لماذا؟ سأبسط لك الأمور، توفي والدي قبل ولادتي يعني أنني لم أره ولو لثانية واحدة، حُرمت من حنان الأب ومن وجوده كان حلميَ أن امتلك أباً ليوم واحد.. ترك فجوة كبيرة في حياتي ظَلَتْ لليوم، ورغم ذلك أظن أنني أُحسِن دور الأب؟ صعقتني إجابته للحظات - ب.. بل أنت أروع أب صدقني واصلَ كلامه - ولم أدرس يا ابنتي تركت مقاعد الدراسة باكرا كي أساعد والدتي، لكن اليوم افعل ما بوسعي كي تَصلي لأعلى المراتب في دراستك وحياتك، هذين مثالين بسيطين فقدت أشياء وحُرمت منها ولأنني أحسست بمرارة الفقدان فأحرص على توفيرها لك، وافقت بإشارة من رأسي. ماذا عن والدتك؟ تعلمين جيدا أنها عاشت طفولة تعيسة مع والدها الذي كان قاسٍ لكنها تُحسن معاملتكم وربتكم أحسن تربية ولا يوجد ألطف منها صحيح؟ -نعم...!! بقيت أفكر بعدها... أبي معه حقّ كان دائما بطلي يعاملني كأميرته بحنانه المفرط في تعامله معي، هو أكثر من يشجعني على الدراسة يشتري لي كل الكتب التي أطلبها بكل سرور بل ويشجعني على اقتناء المزيد لم يحرمني يوما مما أريد، ووالدتي تعاملني كصديقة لا كابنة لا يوجد أحد بحنانها... فكرت جيدا في حياتنا هناك عدة أشياء تثبت عكس المقولة فنرى امرأة عقيم لكن لو تبنت طفل ستعطي الأمومة ربما أحسن وأكثر من الأم نفسها التي تخلت عنه.. - من خُذل من الحياة وفقد الثقة فيمن أحب ستجده مخلص ومصدر ثقة لمن أحبوه - وتجد من جرب قساوة الدنيا وحرمته من العديد من الأشياء يمكنه إعطائك نصائح من ذهب يعجز من لم يُحْرَم من شيء على إعطائك إياها، ونجد الفقراء أكثر من يتصدقون والعديد من التجارب تثبت أن فاقد الشيء يعطيه ببذخ لأنه جرب إحساس الحرمان، أن تصنع الحب والسعادة والأمل وتلون حياة الكثير رغم حرمانك منهم... فهذا هو العطاء. صدقت يا والدي ف فاقد الشيء هو أكثر من يعطيه.