من المنتظر أن تنطلق السبت القادم بالقاهرة أعمال المؤتمر التأسيسي للتجمع العربي والاسلامي لخيار المقاومة في أجواء الانتفاضات في عدد من الدول العربية وأجواء سير قافلة الحرية الثانية لكسر الحصار عن غزة، وهي قافلة ذات طابع دولي تصب في اتجاه دعم الحركات الشعبية المقاومة للاحتلال الصهيوني لفلسطين. ويبدو من أوراق المؤتمر المذكور أن اتجاهات المقاومة العربية والاسلامية - فضلا عن اتجاهات المقاومة الوطنية في كل قطر- قد نضجت لتلامس شتى الخيارات المدنية كالإعلام والثقافة والفكر والمجتمع المدني والأداء البرلماني في الغرب. وتسير الجوانب الاقتصادية في سياق دعم خط المقاومة ولو متأخرة بسبب طبيعة الأنظمة التجارية العربية والاسلامية في علاقاتها بالسوق الاسرائيلية من جهة وبالأسواق الخارجية الداعمة للعدو من جهة ثانية. فإلى أي حد تشكل الفكرة التجارية ساحة لتطوير المقاومة الذكية؟ وهل تصلح تلك الفكرة لإعادة ترتيب التوازن الاستراتيجي بين أطراف الصراع في فلسطين الحبيبة؟ اقتصاديات اسرائيل يرتبط إقتصاد إسرائيل بالأسواق الخارجية بنسبة تصل الى 50 بالمائة من الناتج الداخلي الخام ويعني ذلك مرونة شديدة الى العالم الخارجي، وتتحدد مرونة الإقتصاد الإسرائيلي الى العالمين العربي والإسلامي بمرونة هذه الأخيرة الى الأسواق الخارجية، حيث يعاد تصدير المنتوجات الإسرائلية الى الدول العربية والإسلامية عبر اتفاقيات التجارة الحرة. ونفس الشيء بالنسبة لسوق العمل، حيث يتحدد نمو الوظائف الجديدة بمستوى الطلب الخارجي على الصادرات التي تشكل العمود الفقري لإقتصاد إسرائيل، والأمر ذاته بالنسبة للجباية وتمويل الموازنة، حيث يشكل العامل الخارجي محددا رئيسا في برنامج الإنفاق الحكومي والدين العام وبالتالي في وضعية العجز المالي للخزانة الإسرائيلية. وتؤكد إحصائيات الإقتصاد الكلي الإسرائيلي هذا المعنى على خلفية الأزمة الإقتصادية الأخيرة (( 2009 - 2008 كما تدل على ذلك البيانات التالية والخاصة بالنصف الأول من سنة 2009. فقد تراجع الناتج الداخلي الخام بنسبة 3.6 بالمائة بعد أن لامس مستوى 173 مليار دولار العام 2007 ، وتراجع النشاط التجاري بنسبة 4.2 بالمائة، وتراجع الطلب الداخلي بنسبة 4.2 بالمائة، وتراجعت الصادرات بنسبة 42 بالمائة كمعدل سنوي، وتراجعت الواردات بنسبة 61 بالمائة كمعدل سنوي، وارتفعت نسبة فقدان الوظائف الى حد قياسي بلغ 7 بالمائة كمعدل سنوي، وتراجعت الجباية الضريبية خلال العام 2009 بفارق 10 مليار دولار عن التقديرات. المستهلك العربي يدعم اسرائيل اعتمدت جامعة الدول العربية قرار مقاطعة المنتجات الإسرائيلية العام 1945 وتأسس بدمشق مكتب المقاطعة الإقتصادية لإسرائيل العام 1951 وظلت المقاومة الإقتصادية للإحتلال شعارا شعبيا بين جميع سكان المنطقتين العربية والإسلامية الى غاية ظهور مفردات التطبيع ومسارات السلام والتسوية وحرية التجارة العالمية. وحتى عندما قررت مصر العربية تصدير جزء من غازها للسوق الإسرائيلية تحركت الآلة الشعبية منددة ومازال الجذب بين الأطراف الممانعة والمطبعة حول ملف الغاز المصري الموجه للإستهلاك الإسرائيلي قائما لحد الساعة. وبلغة الأرقام خسرت إسرائيل أثناء فترة المقاطعة أي لغاية العام 2000 ما حجمه 90 مليار دولار وهو رقم مهم بالنسبة لإقتصاد ضيق يعيش على المساعدات ولا يتجاوز ناتجه الداخلي الخام 100 مليار دولار. ولو استمرت المقاطعة بالشكل الذي رسم لها منذ العام 1922 تاريخ بداية هذا الخيار من الجانب الفلسطيني لأمكن الضغط على الكيان الصهيوني بشكل أقوى في موضوع الإستيطان وتهويد القدس وحصار غزة. وتفيد آخر الأرقام أن إسرائيل ماضية في عملية تهويد المدينة المقدسة بميزانية سنوية حجمها 1.25 مليار دولار، تمول جلها الأرباح المتأتية من التجارة ومساهمات رجال الأعمال اليهود النشطين عبر العالم والمساعدات الغربية. وفي نفس الوقت تزداد الأوضاع الإقتصادية بين الفلسطينيين سواء لتطال البطالة 67 بالمائة من الفلسطينيين القادرين على العمل ويأتي الفقر على 15 بالمائة من السكان. وتبلغ المفارقة ذروتها بين الجانبين الإسرائيلي والعربي، عندما يعجز "صندوق دعم الأهالي المهددين بهدم منازلهم" عن توفير أكثر من 50 مليون دولار لهذا الغرض. وتفيد أرقام إستهلاك السجائر في الوطن العربي من الماركات الداعمة للكيان الصهيوني ومشتريات السلاح من الدول الحليفة للمحتل بأن ما يصل للخزانة الإسرائيلية من ريع هذه الأسواق وحدها كاف لتمويل ميزانيات حربية بأكملها، إضافة الى توفير المال اللازم لتوسيع المستوطنات وضرب المقاومة المسلحة. أين المقاطعة ؟ وبلغة الأرقام يضعنا خطاب المقاطعة الإقتصادية لإسرائيل أمام تناقض حقيقي، حيث يشير مدير معهد التصدير في إسرائيل "دافيد أرتزي" الى أن المبادلات التجارية لإسرائيل مع بقية العالم يشمل عددا كبيرا من الدول العربية والإسلامية سواء بطريق مباشر أو غير مباشر، وأن رجال أعمال اسرائيليين يملكون مصانع في عدة دول عربية. وبالفعل، بلغت المبادلات التجارية بين اسرائيل ودولة مصر العام 2008، حجما قدره 292 مليون دولار وبزيادة قدرها 18 بالمائة عن العام 2007، بينما لم تتجاوز التجارة البينية بين الجزائر وليبيا على سبيل المثال 40 مليون دولار العام 2009. مما يجعل من مصر ثالث دولة تشارك اسرائيل تجاريا من حيث الترتيب. ويتميز الميزان التجاري بين اسرائيل ومصر بفائض لصالح الإقتصاد الإسرائيلي بحجم 28 مليون دولار العام 2008، حيث صدرت اسرائيل الى مصر 160 مليون دولارا ما يعادل 3 بالمائة من اجمالي الصادرات الإسرائيلية. وتساهم في دعم التجارة البينية بين اسرائيل ومصر 575 شركة منها 300 شركة مصرية. وتستورد مصر 200 منتوج من اسرائيل بواسطة عدد من المصدرين الاسرائليين عددهم 321 مصدر يعملون على الساحة المصرية. وتصدر إسرائيل الى مصر المنتوجات الزراعية والأسمدة والمواد الطبية والأجهزة الصناعية في مقابل النفط والغاز والسكر والمنسوجات. وتحتل العراق موقعا متقدما في التجارة الخارجية لإسرائيل بنسبة 43 بالمائة من إجمالي المبادلات الإسرائيلية العربية. وتستورد الأردن من إسرائيل سنويا سلعا بقيمة 60 مليون دولار بواسطة 1800 مصدر، مما يجعلها تحتل الرتبة الثانية في المبادلات الاسرائيلية العربية. أما بقية الدول العربية والإسلامية، فتمارس الشراكة التجارية مع إسرائيل من بوابة الشركات الأجنبية ومكاتب الإستثمار المنتشرة في الوطن العربي أو عن طريق إعادة التصدير والإستيراد من دول أخرى أو بالتحايل على شهادات المنشأ. وخلاصة المبادلات التجارية العربية الإسرائيلية العام 2008، حسب دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية تفيد بأن حجم الصادرات الإسرائيلية الى 16 دولة عربية وإسلامية بلغت 2.1 مليار دولار، وأن حجم الواردات الإسرائيلية من 9 دول عربية وإسلامية لامس سقف 3.24 مليار دولار، أي أن أرقام التجارة العربية الإسرائلية تتفوق حتى على التجارة الثنائية بين الدول العربية ذاتها. من قال إذن أن العرب والمسلمين قد استنفذوا أدوات الصراع من أجل تحرير الأرض التي مر منها الأنبياء.