استشهد في دمشق المجاهد عماد مُغْنية "الحاج رضوان"، أحد محرري لبنان من الوجود العسكري الأميركي والفرنسي عام 1983، ومن الاحتلال الصهيوني لجنوبه عام 2000، وأحد قادة الانتصار في حرب الثلاثة والثلاثين يوماً عام 2006 الحرب العدوانية التي شنها الكيان الصهيوني على لبنان وانتصر فيها حزب الله.. استشهد مغنية في الساعة22 و35 دقيقة من يوم الأربعاء 13/2/2008 بتفجير لغم تحت مقعد القيادة في سيارته من نوع "باجيرو ميتسوبيشي" في الحي السكني "كفر سوسة" بدمشق في عملية إرهابية أرسلت رسائل سياسية وأمنية في عدة اتجاهات من جهة، وتركت صدمة وحيرة وألما شديداً وإشارات استفهام ووعداً ووعيداً من جهة أخرى.. فدمه "سيخرج إسرائيل من الوجود" كما قال السيد حسن نصر الله في تأبينه. في الكيان الصهيوني تكلموا عن ارتياح وتهاني متبادلة، وسجلوا ابتهاج أولمرت وإقبال النواب عليه في الكنيست، وعن إعلان مكتبه: "ملزمون بأن نحافظ على كبح الجماح.. كل ضجة من شأنها أن تكلفنا دماءً" في محاولات غبية لرد الاتهام عنهم،..وأكدت صحافتهم يوم 14/2/2008 في إشارات دالة جداً أنهم وراء الجريمة، فقد جاء في صحيفة يديعوت أحرنوت "..إن الأيدي التي نفذت اغتيال شقيقي مغنية فؤاد وجهاد قبل سنوات في لبنان هي ذات الأيدي التي عملت أول أمس في دمشق"، وأن "الأيادي التي شغلت في ظلمة الليل العبوة الناسفة اختفت وكأن الأرض السورية ابتلعتها دون أن تخلف أثراً"./ترجمة المصدر السياسي العدد 1425/13 شباط (فبراير) 2008، وذكرت بالمناسبة جملة الاختراقات التي تمت للأمن في سورية منذ الضربة في "عين الصاحب" حتى اغتيال مغنية مروراً بالقصف الجوي قرب دير الزور. ولدى الأميركيين فرح وتأييد، وحسب شون مكورماك الناطق باسم الخارجية الأميركية: "العالم هو مكان أفضل الآن دون هذا الشخص"، والفرنسيون يغلِّفون فرحتهم بورق "السلوفان" فهم شركاء الأميركيين في الطرد من لبنان بعد العمليات الاستشهادية التي خطط لها وأشرف عليها الشهيد مغنية عام 1983.. معسكر الأعداء والمحتلين يبتهج ويستشعر نصراً بتصفيته بطلاً لاحقه أكثر من عشرين سنة ورصد خمسة وعشرين مليوناً من الدولارات لمن يدل عليه.. إنه فرح بما توصلت إليه أجهزة استخباراتهم وعلى رأسها الموساد وال C.I.A ومن يتعامل معها وتجندنه في صفوفها.. لكن المعسكر يدرك جيداً أن الاغتيال على فداحة خطب المقاومة به لن يزعزعها ولن يشكل إجهاضاً لها ولن يكسر شوكتها.. ومن المؤكد أن العكس هو الذي سيحصل، ومن المؤكد أيضاً أن دم القائد مغنية الذي يقطر من أيدي الصهاينة يبشر بدم سيقطر ويستقطَر من قلبوهم بعد حين.. فمصداقية أهل الوعد الصادق لا شك فيها عند الجماهير العربية والمحتلين الصهاينة على السواء، وهي على المحك الإيجابي.. بمعنى الحضور والتفوق في كل مواجهة إلى أن يتحقق نصر حاسم ونهائي على العدو المحتل.. والمقاومة سوف تتعاظم بعد هذا الحدث الحاد، لأن الذين قادهم ودربهم القائد الشهيد مغنية والذين يعرفونه ويعرفون قيمة الأعمال التي قام بها ويذكرون دوره وفضله وما قام به من بطولات سوف يتابعون دربه ويعززون مسيرته وينخرطون في المقاومة بكثافة وشجاعة وإيمان عميق بالنصر على دربه ودرب زملائه بعد أن رفعوهم رموزاً. معسكر مقاومة العدوان والاحتلال والعملاء يبدي الاستعداد الكبير لمواجهة التحدي بمثله، وللتضحية على طريق الحرية والتحرير.. وهو معسكر من شقين واسعين: حملة السلاح وحملة المبادئ، المقاومون في الخنادق والدرع الشعبي العربي الذي يناصر المقاومة ويرفع راياتها ورموزها وشهداءها عالياً ويتخندق معها في المواجهة ويختارها طريقاً للحرية والتحرير.. المقاومة اليوم تصبح نهج الشعب العربي وخياره المعلن بصراحة وقوة ووضوح بعد تخاذل الأنظمة العربية عن رد الاعتبار للدم والإنسان العربيين. المقاومة اللبنانية والفلسطينية والعراقية والصومالية وأية مقاومة عربية وإسلامية تتصدى للمستعمرين والمحتلين وأعوانهم وتقف في خطوط المواجهة لهم هي اليوم خيار معظم الجماهير العربية والإسلامية التي تعلن وقوفها إلى جانب من يرفض المحتل ويرفع بوجهه السلاح لكي يرحل عن الأرض العربية، ويرفض الاعتراف بالكيان الصهيوني وتطبيع العلاقات معه واعتباره شريكاً في شؤون البلدان العربية وقرارها.. ومن يسمي فعل المقاومة المشروع إرهاباً يعكس المعايير والمفاهيم والقيم والقوانين وأعراف والشعوب ويزور خياراتها وتاريخها ومصطلحاتها المكتوبة بالدم والدمع والعرق والتضحيات والمعاناة.. إنه المعتدي والمحتل وقاطع الطريق هو الإرهابي ومن ينضوي تحت رايته مؤيد للإرهاب ومنتفع منه وموال له.. والاحتلال أسوأ صنوف الإرهاب وعملاء الاحتلال جزء منه. لا يكفي أن يقوم إرهاب الدولة بإرسال جيش أو أن يشكل الإرهابيون جيشاً في دولة أو تحالف دول حتى تسوَّغ أعمالهم وتصبح مشروعة وتنتفي عنهم وعنها صفة الإرهاب.. الإرهاب عدوان على حياة الناس وأملاكهم وأوطانهم وحرياتهم بهدف تحقيق أغراض سياسية أو غير سياسة بالقهر والتخويف والابتزاز والقتل.. وقد يتذرع بذرائع شتى ويتلطى تحت شعارات وقيم يشوه وجهها ومضمونها ليبتز وينهب ويسلب ويقهر ويقتل ويحتل ويهيمن.. ولكنه يبقى العدوان.. والعدوان أعلى صور الإرهاب.. وإرهاب الدولة سقف الإرهاب العالمي، والاحتلال سقف كل إرهاب.. وحين يعتدي جيش على بلد أو يحتله أو يهدد باستعمال القوة ضده فإنه ينضوي تحت إرهاب الإمبراطور ويصنف مع قطاع الطرق أياً كانت الذرائع والادعاءات والأسباب. وما يفعله الصهاينة والأميركيون وحلف الأطلسي في بلدان عربية وإسلامية هو إرهاب مدان يستخدم القوة ضد القانون والحرية وحقوق الإنسان ويستوجب المقاومة ويستدعيها بوصفها دفاعاً عن النفس والحق والعدل والحرية. نحن أمام أحداث مفصلية في تاريخ وطننا العربي الذي يتعرض للاحتلال وتزوير الوقائع والإرادة وتشويه المصطلحات والمعايير والمفاهيم.. نحن أمام احتلال قذر طال أمده وحيال عدوان مستمر متصاعد ومتعدد الوجوه، واستنزاف للطاقة والقدرة والثروة والإرادة والإمكانيات والكرامة.. وكل منا مدعو للتصدي لهذا العدوان السافر والاحتلال المقيم.. ومن يتصدى لذلك ويقاومه يصنفه أعداء الأمة إرهابياً وتصادر حقوقه وحريته وتهدر مصالحه ويلاحق ويستباح دمه.. وقد يقف بعض أهله ضده ويتواطؤون مع العدوان والاحتلال عليه..!! فمن رأى مثل هذا، ومن أقر هذا النوع من الفعل والخلق والحكم في تاريخ البشر وأرضهم؟ نحن تحت الاحتلال والقهر وفي فضاء الخيارات الصعبة وعلى رأسها خيار المقاومة المشروع.. واليوم نجدد تأكيدنا على أن المقاومة ليست إرهاباً، وأنها حق مشروع لكل بني البشر الذين يقعون تحت الاحتلال ويتعرضون للعدوان فيضطرون للدفاع عن أوطانهم وأطفالهم ومقدساتهم وأنفسهم وحقوقهم وأملاكهم وحرياتهم ومستقبلهم.. المقاومة حق والمقاومة واجب، وحرية المواطن من حرية الوطن، وشرط المواطنة الأول الدفاع عن الوطن لتكون مواطنة وتكون سيادة وتكون حقوق في مناخ أمن من جوع وخوف. قد نصنّف محرضين على الإرهاب حين نحرض على مقاومة المحتل وندعم المقاومة التي يسميها العدو المحتل وحلفاؤه وعملاؤه إرهاباً.. أو حتى إرهابيين وفق اللوائح السياسية الأميركية ومن يأخذ بها ويخدم تحت رايتها.. ولكنا أمام اختيار حاسم فإما أن نكون مواطنين في وطن سيد ذي سيادة، مختلف عن المحتل والمهيمن أو مختلف معه، وإما أن نكون أتباعاً وإمَّعات وخدماً عند محتلين ومهيمنين وصنائع لهم. ومن مصائبنا أو نكباتنا الكبرى أن التصنيف والمطلب الصهيوني الأميركي أخذ يزحف على مفاهيمنا ومبادئنا وهويتنا وعقيدتنا ولغتنا وقوانيننا وأنظمتنا في أوطاننا عبر سياساتنا وقراراتها وتوجهاتها وخياراتها .. فقد يدان ويلاحق بعد اليوم أي عربي يؤيد المقاومة التي يصنفها الأميركي إرهاباً.. المقاومة العراقية أو الفلسطينية أو اللبنانية أو الصومالية أو.. وقد يحاسب ويتهم ويلاحق من يؤيد حزب الله أو حماس أو الجهاد الإسلامي أو أي من الفصائل والقوى المقاومة للاحتلال مثلاً التي تتصدى له وترد على إرهابه وجرائمه واغتيالاته اليومية.. وقد يجرم من يقول إن السيد حسن نصر الله على حق في مطالبته بدم عماد مغنية وتحديه للعدو الصهيوني، أو أن خالد مشعل على حق في مطالبته بدماء شهداء غزة الذين يسقطون كل يوم وفي رفع الحصار عنها.. ذلك لأن مجلس وزراء الداخلية العرب انسجم ولو جزئياً مع بعض ما نصت عليه اتفاقيات: كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو وقانون بريمر بشأن العدو المحتل والتحريض على مقاومته والتصدي له، وانسجم جزئياً أيضاً مع التصنيفات والمطالب الأميركية التي تدين وتطلب من الآخرين وفي مقدمتهم العرب أن يصنفوا ويدينوا ويلاحقوا بالتهم والقمع أعمال بعض المقاومة ومن يناصرها أو يدعو لها ويحرضها على التصدي للاحتلال وتسميها إرهاباً بمن في ذلك "فلسطين الرسمية" التي تتهم المقاومة بالخروج على القانون والشرعية وتحكم على عملياتها ضد المحتل الصهيوني بأنها عمليات "إرهابية"، وتطلب تجريدها من السلاح وإبطالها؟ والعراق الرسمي الذي يقاتل المقاومة إلى جانب المحتل الأميركي البريطاني الأطلسي.. فقد أقر مجلس وزراء الداخلية العرب في دورة اجتماعه الخامسة والعشرين بتونس 31/يناير/2008] تعديل المادة الأولى من الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، ليتم بموجب هذا التعديل " تجريم التحريض على الجرائم الإرهابية أو الإشادة بها ونشر أو طبع أو إعداد محررات أو مطبوعات أو تسجيلات أيا كان نوعها للتوزيع أو لاطلاع الغير عليها بهدف تشجيع ارتكاب تلك الجرائم." ولم يشر إلى ضرورة التفريق بين المقاومة المشروعة والإرهاب المدان، وغض النظر عن تأكيد ما جاء في الاتفاقية ذاتها من تفريق بين المقاومة والإرهاب وتأييد للمقاومة وإدانة للإرهاب.. فهذا موضع التأكيد ومناط الفعل العربي المقبول لكي يسوغ التعديل ويفهم جيداً. وقد تبعه مؤتمر وزراء الإعلام العرب لينسجم مع مقرراته ويوجه الرأي العام وفق غاياتها في هذا المجال ويوجد آليات مناسبة لتطبيقها.. وفعل ذلك من دون أن يشير إلى موضوع تأييد المقاومة المشروعة التي يسميها الصهاينة والمحتلون ومن يتبع خطوهم من العرب إرهاباً.. ومن دون تأكيد حق مثقفينا ومفكرينا وإعلاميينا وشعبنا كله في المقاومة والدعوة لها والوقوف إلى جنب المقاومين الذين يقدمون دمهم ومستقبلهم ومستقبل أسرهم دفاعاً عن الوطن وقضاياه العادلة، وتأكيد حرية الرأي والموقف المنتمي للوطن والأمة والعقيدة والهوية.. وكل ذلك مستهدَف من العدو، والدعوة لمناصرة شعبنا الواقع تحت الاحتلال والعدوان والتهديد والحصار.. حقه في الحياة والمقاومة والصمود في وجه الاحتلال وتحريضه على ذلك ودعوته للاستعداد للتصدي للاحتلال والعدوان بأشكاله ومنه الاغتيال والتصفيات الجسدية التي يقوم بها العدو الصهيوني في كل وقت.. فهل نصبح ملاحقين في أوطاننا عندما نحرض شعبنا على المقاومة ونرفض القهر والغزو والاحتلال والقتل، ونطالب بتحرير فلسطين من الصهاينة والعراق من الأميركيين والأطلسيين، ونكره المحتل ونتشبث بحق العودة إلى وطننا.؟ إن التفريق بين المقاومة والإرهاب ضرورة وطنية وقومية وإسلامية وإنسانية في هذا الوقت الذي يتعملق فيه العدوان العنصري ويتغول المعتدي الأميركي الخارجين على القانون والقيم والتشريعات المدنية وإنسانية والشرائع الإلهية. الحبل يضيق حول العنق.. مطلب الأميركي الذي بدأ يتسلل إلى مساحات الرأي وساحات صنع القرار السياسي والثقافي منذ 2003 ويطالب بتغيير الثقافة ومناهج التربية والتعليم والمصطلحات والمفاهيم والتوجهات..إلخ بدأ يعطي ثماره في قرارات سياسية عربية جماعية تهدد استقلالنا وسيادتنا وحريتنا وإرادتنا ووعينا.. ويأتي كل ذلك لمصلحة المحتل الصهيوني والاعتراف به وتطبيع معه والاغتراف من النبع التخاذلي الذي خلقه ويسوقنا إليه لنشرب " ونعقل" ونخضع. نحن مع المقاومة وضد الصهيونية والعنصرية والاستعمار.. ضد الاعتراف " بإسرائيل" حتى لو اعترفت بها الدول والحكومات العربية جميعاً.. نحن مع عروبة فلسطين وتحريرها والعودة إليها وإقامة دولة فلسطين فيها وعلى كامل أرضها التاريخية.. نحن مع المقاومة رأس حربة التحرير ومشعل قضية العرب المركزية فلسطين التي لا بد أن يبقى مشعلها مضاءً.. نحن مع الشهداء ومع الثأر لهم.. دمنا ليس رخيصاً ولا ينبغي أن يهدر ويستباح.. لسنا خرفان الأعياد والمناسبات الانتخابية الأميركية والصهيونية.. لسنا الذل ولا الهوان ولا نريدهما لشعبنا ولبنائنا، سنرفع صوتنا مع الحرية والتحرير والكرامة ومع من يمشي على دروبها، ونبقيه مرتفعاً ونحرض على السير فيه لدحر العدو المحتل واجتثاث النزوع العدواني وكسر شوكة الظلم وإبطال التبعية ومنع ووضع حد للتدخل الخارجي في شؤوننا الداخلية.. لن نقف مع من يستدعي العدو لاحتلال أرضنا وصنع قرارنا وتزوير إرادتنا وسنقاوم من يستقوي على شعبه وأمته بالأجنبي المحتل.. خذونا إلى غوانتنامو.. ولا تتعرفوا على جثثنا عندما تلقى إليكم لتدفَن في تراب الوطن الذي يضحي من أجل تحريره وتثويره وتنويره مقاومون يقودهم طلاب نصر أو شهادة من أمثال الحاج رضوان عماد مغنية في بقاع وطننا العربي وعالمنا الإسلامي، رحمهم ورحمه الله وجزاهم عن أمتينا العربية والإسلامية خير الجزاء. والله ولي أمرنا من قبل ومن بعد.