لا ينكر أحد الدور الكبير الذي تلعبه المهرجانات والفعاليات الثقافية في التعريف بالمخزون والتراث السياحي لأي بلد، حيث تساعد على اكتشاف ابناء ذات الارض لما تزخر به مختلف جهات الوطن، ومن جهة أخرى دعوة الاجانب لحضور تظاهرة ما لتكون فرصة لهم لمعرفة تاريخ وسياحة تلك البلاد المحتضنة للحدث. المعروف أن كبرى التظاهرات والمهرجانات الثقافية تقام بالعاصمة، هذه العادة التي خرجت هذا العام عن المألوف في الجزائر، حيث احتضنت تلمسان أكبر حدث ثقافي لهذه السنة وهي “تلمسان عاصمة الثقافة الاسلامية 2011”، وبالتالي تكون المرة الأولى التي تستضيف فيها مدينة غير العاصمة الجزائر احتفالية بهذا الحجم، وبعيدا عن كل الأسئلة التي قد تُطرح حول هذه التظاهرة فإن تنظيم مدينة خارج العاصمة لتظاهرة من هذا الحجم في بلد اعتادت عاصمته أن تستضيف كل الفعاليات والمهرجانات الكبيرة من تظاهرة “الجزائر عاصمة الثقافة العربية”، وصولا إلى “المهرجان الثقافي الإفريقي الثاني”، مرورا بعدة مهرجانات دولية كانت الجزائرالعاصمة هي المحطة التي تحط بها ثقافات مختلف الدول وفي مختلف الميادين الابداعية رحالها ، وهنا يمكن القول أن هذه الالتفاتة هي مكسب حقيقي نحو صناعة عواصم ثقافية بعيدة عن عاصمة البلد المحتضن للتظاهرة الثقافية ، الشيء الذي يساعد إلى الدخول في عمق البلاد واكتشاف خبايا مناطقها بأجملها، فجاءت هذه المرة تلمسان، لتنتج هذه الالتفاتة فكرة العواصم الثقافية خارج العاصمة الحقيقية للبلد، ولما لاتكون في المرات القادمة مهرجانات أخرى بهذا الحجم في ولايات أخرى من الوطن، خاصة وأن الجزائر تحوي ولايات ومناطق عديدة لها من الارث الثقافي ما لايستطيع الحبر كتابته، كبجاية، قسنطينة وغيرها من الولايات الاخرى التي تمتد من الشرق إلى الغرب. اختير لانطلاق فعاليات تلمسان عاصمة الثقافة الاسلامية 16 أفريل، وهو يوم الافتتاح الرسمي لهذه التظاهرة في حفل ضخم، وهذا التاريخ له وقع وأثر كبير في تاريخ الجزائر، وسمي بيوم العلم، اليوم الذي فقدت فيه الجزائر أحد أهم رجالات العلم والشريعة إنه الشيخ عبد الحميد بن باديس، كما تم من خلال الفعاليات التي سطرت تحت برنامج العرس الثقافي الكبير بجوهرة المغرب العربي، حيث لم تخل التظاهرة من الرمزية، فنظم بعاصمة الزيانيين الملتقى الدولي حول صدى أعمال محمد ديب، ابن مدينة تلمسان وأحد أهم كتاب الجزائر الذي لا يزال الاهتمام بأدبه متوارثا عبر الاجيال. هناك فعلا اهتمام كبير بكتاب ومثقفين تركت أقلامهم الأثرالكبير في الزاد التاريخي الفكري والمعرفي الجزائري، إلا أننا نلمس بعض الاهمال لأدباء ومبدعين آخرين في مختلف الميادين الثقافية والفنية، أمثال مالك حداد ابن مدينة الجسور المعلقة قسنطينة، ومفكرين آخرين من مختلف ربوع الوطن، والتاريخ هو الشاهد الأكبر على ماجادت أناملهم، عقولهم، أفكارهم وأقلامهم. وفي هذا الصدد أكد الكثيرون ممن تابعوا الفعاليات التي احتضنتها عاصمة الزيانين خلال قرابة أربعة أشهر من عمر العرس الثقافي الكبير الذي يبقى مستمرا طيلة السنة أكدوا أن التظاهرة الثقافية كانت أقرب إلى فعاليات مهرجان محلي أو جهوي منها إلى تظاهرة بحجم عاصمة لأكثر من مليار ونصف مليار من المسلمين، حيث بقيت الفعاليات ليست محصورة في تلمسان فحسب بل حتى المواضيع والملتقيات التي جاءت في أجندة برنامج “تلمسان عاصمة الثقافة الاسلامية 2011” تدور في معظمها حول تلمسان أو الولايات المجاورة لها، في حين يمكن القول أن الجزائر تتشكل من 48 ولاية، وكل واحدة منها لها ما يعجز القلم أو أي نوع إبداعي عن الالمام به. هذا الاجحاف في حق الثقافة الجزائرية يثير في كل مرة وفي المهرجانات والتظاهرات الثقافية الدولية أو الوطنية مجموعة من الاسئلة في أذهان الكثيرين، والتي تلتقي في مجملها في نقطة مفادها، إلى متى الجهوية تطغى على مهرجاناتنا وفعالياتنا الدولية؟.. التي تهدف إلى التعريف بالثقافة الجزائرية ككل وليس الزخم الثقافي والمعرفي لمنطقة ما، فمع كل تظاهرة ثقافية بهذا الحجم يسبقنا السؤال الأهم وهو متى ننتج في الجزائر بأنفسنا مثقفينا وكتابنا ومفكرينا ونصدرهم إلى الخارج؟، ولا نستوردهم من عواصم أوروبا أو من عواصم المشرق العربي؟ ومع النقائص التي تعرفها التظاهرة الثقافية الكبرى في شهورها الاولى، إلا أنه يبقى الوقت مبكرا لتقييم ادائها أو الحديث عن اخفاقها أو نجاحها، لأنه نشاط يخدم الثقافة، والسياسة، والسياحة، وكل المجالات المحيطة بها، ف”تلمسان عاصمة الثقافة الاسلامية 2011” هي تخدم قطاع الثقافة والمشهد الثقافي وكل الفاعلين فيه، بشكل أو بآخر، أما مسألة أفق وبوادر نجاح أو فشل هذه التظاهرة في مواكبة المدن السابقة التي احتضنت هذه التظاهرة في شتى أنحاء العالم الإسلامية، هو حديث سابق لأوانه، خاصة إذا ما لاحظنا أن أغلب الفاعلين في الوسط الثقافي، لم يتسن لهم بعد المشاركة ومتابعة الأحداث والفعاليات المقامة هناك، كما أنه ما يزال سابقا لأوانه الحديث عن الإخفاقات والنجاحات والمكاسب وغيرها من الأمور المرجوة من أي فعل ثقافي. وهنا لا يمكن اخفاء عيوب العرس الثقافي الكبير بجوهرة المغرب العربي، حيث أنه لم يلق الصدى المرجو من أي تظاهرة كبيرة، بحجمها، فانحصارها في مدينة واحدة هي تلمسان، صعب من أن تكون الحدث، وهذا راجع للعقلية الجزائرية التي اعتادت على أن تكون أغلب التظاهرات الكبيرة في العاصمة فمع انحصارها في مدينة تلمسان وفقط، جعل أغلب الناس لا يعلمون بفعالياتها ولا يذكرون إلا حفل الافتتاح فيها، فتواجدها وانحصارها في مدينة واحدة، وهي التظاهرة الدولية قزمها، وجعلها لا ترقى إلى مستوى أن تكون تظاهرة دولية لسبب واحد هو أنها انحصرت في محلية قاتلة، إضافة إلى بعض النقائص التي حيرت الكثيرين، وهو الشيء الذي جعل عددا كبيرا من المثقفين والسينمائيين يستغربون هذه التصرفات من اللجنة المكلفة بالتنظيم، حيث أن هناك من المشاركين بأعمال ثقافية أو فنية في التظاهرة لا يتم تلقيهم لدعوة ولو لحضور العرض، وهنا نقول هناك سوء التنظيم. لكن النقائص التي سجلت إلى غاية اليوم حسب المتتبعين في التظاهرة لا يعني أنه فات الاوان لتداركها، بل مازال الوقت لتخطي العثرات وكسر الروتين المعتمد لتجنب الانتقادات اللاذعة التي تعرفها الكثير من المهرجانات بعد اختتامها. كما أنه هناك جانب لا يمكن اهماله، حيث أن تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الاسلامية غير محظوظة هذا العام من ناحية التغطية الاعلامية، بسبب التوتر والثورات التي تشهدها عديد الدول العربية، وبالتالي توجه أنظار الاعلاميين إلى ماهو أهم.