تعتبر «القصور» واحدة من المعالم المميزة للثقافة والتراث الجزائريين، سواء في جنوبنا الكبير أو في منطقة الهضاب العليا، تفرّد لا على مستوى المباني والعمران فحسب، بل أيضا من الجانب اللامادي من عادات وتقاليد غنية وضاربة في القِدم. في هذا الحوار، يحدّثنا الدكتور عبد الكريم شكاكطة، رئيس المكتب الولائي الجزائر العاصمة بجمعية السياحة القصورية والواحات، وأستاذ العلوم السياسية بجامعة خميس مليانة، عن القيمة الثقافية والتاريخية والاقتصادية للقصور، وأهمية تفعيل السياحة المرتبطة لها، لما لذلك من فوائد تعود مختلف القطاعات والمجالات، ومن بينها الاقتصاديات المحلية والوطنية. «الشعب»: هلا عرّفتنا في عجالة على الجمعية التي ترأس مكتبها بالعاصمة؟ د.عبد الكريم شكاكطة: بداية شكرا على الاستضافة، وإتاحة الفرصة لنا للتعريف بجمعيتنا.. الجمعية الوطنية لتنمية السياحة القصورية والواحات، برئاسة السيد محمد بونوة، هي الجمعية الوطنية الأولى الرائدة والناشطة في المجال السياحي، حيث تعطي صورة حقيقة عن فعالية المجتمع المدني للنهوض بقطاع السياحة مع مشاركة الوصاية والمعنيين لترقية هذا القطاع. اعتمدت الجمعية في 17 أكتوبر 2018، من قِبل وزارة الداخلية والجماعات المحلية تحت رقم: 47 ووصل عدد مكاتبها الولائية لحدّ الآن إلى تسعة هي: الأغواط، المدية، بشار، سطيف، البيض، النعامة، الشلف، وهرانوالجزائر العاصمة الذي تمّ تنصيبه بتاريخ: 22 فيفري 2019. وتهدف الجمعية إلى: 1 - إعطاء ديناميكية والترويج للسياحة في الهضاب العليا والجنوب وداخل الجزائر. 2 - رد الاعتبار للسياحة القصورية والواحات. 3- المشاركة في تقديم مقترحات وحلول لتثمين العقار السياحي في الجزائر وحمايته وإعداد المخططات الوطنية لتهيئته. 4 - تنظيم ملتقيات وندوات لتشجيع السياحة في الجزائر مع المتعاملين الوطنيين والأجانب. 5 - المشاركة في الصالونات الوطنية والدولية قصد الترويج للسياحة في الجزائر. ما المقصود بالسياحة القصورية؟ وبماذا يتميز هذا النوع من السياحة عن الأنواع الأخرى؟ المقصود بالسياحة القصورية هي تلك البنايات والقصور، المعابد، المدارس، الزوايا، الأطلال، المتاحف، الحمامات والحدائق والغابات في طابعها المادي، والتي يمكن أن تستغل كمعالم سياحية وتروّج للموروث الثقافي والحضاري الجزائري، كما تشمل كل ما يرتبط بها من تراث لا مادي؛ كالعادات والتقاليد منها فنون الرسم والكتابة على جدران هذه البنايات، الحِرف والألبسة التقليدية، النمط المعيشي، الممارسات والسلوكات المختلفة المرتبطة بالإنسان الذي عمّر بها في فترة معينة. أما أهمية هذه السياحة في الجزائر والدول المجاورة فتكمن في البعد الجمالي لهذه القصور، ووزنها الحضاري والتاريخي، بالتالي يمكن أن تنظم السياحة إليها وفق برامج الإرشاد السياحي، مقابل عائدات مالية تستفيد منها الخزينة العمومية للدولة مباشرة. كما يمكن معها تحريك قطاعات أخرى؛ كالسكن والهندسة المعمارية، من خلال اعتماد برامج إعادة تهيئة هذه البنايات بما يروج لجمالها الحضاري وبعدها التاريخي، وفي هذا الصدد لا نغفل أن هذه السياحة هي أيضا مصدر للثقافة والذاكرة الوطنية بامتياز، خاصة ما يتعلّق منها بمراكز تعذيب أو تدريب أثناء الفترة الاستعمارية أو الحضارات السابقة، كما يمكن معها تنشيط قطاع النقل لتسهيل زيارتها إضافة إلى خلق مساحات للعب لفائدة الأطفال حولها، مع تقديم الخدمات المختلفة للسائحين ودعم النشاط التجاري والفندقي خصوصا. من بين أهداف الجمعية تنمية السياحة القصورية في الصحراء، وهي الفكرة المتداولة.. ولكنكم تتحدّثون أيضا عن منطقة الهضاب العليا.. كيف ذلك؟ نعم، نحن نعمل على تنمية السياحة القصورية في الجنوب، الذي يعتقد البعض أنه خالٍ من هذه البنايات، وإعادة الاعتبار لها سياحيا، ولكنّ الانطلاقة تبدأ من مدن الهضاب العليا المتاخمة لمنطقة الجنوب الجزائري، والتي تزخر هي الأخرى بعدد لا يستهان به من هذه المعالم، لا سيما في ولايات البيض، الأغواط، تيهرت، والجلفة وغليزان... وغيرها كثير. في رأيك، هل نملك المقومات اللازمة لتحويل التراث بمختلف أشكاله إلى مصدر دعم للسياحة الداخلية والخارجية؟ أجل، لدينا كل المقومات الجغرافية الطبيعية والحضارية للترويج للسياحة الجزائرية داخليا وخارجيا، مساحة الجزائر كبيرة تزيد عن 2 مليون كلم مربع، بشريط ساحلي طوله 1200 متر، الجبال والغابات والحمامات في كل مكان، مع انتشار الواحات على كامل ربوع الصحراء الجزائرية ناهيك عن التنوع الثقافي والحضاري داخل المجتمع من حيث الأكل، الحِرف، العادات... وكل هذه المقوّمات يمكن أن نستغلها للنهوض بهذا القطاع كبديل خارج قطاع المحروقات. باعتبار أنّك قد مارست الصحافة من قبل.. كيف ترى دور الإعلام في هذا الصدد؟ الإعلام هو شريك ومرافق لمؤسسات المجتمع المدني والسلطات الرسمية للنهوض بقطاع السياحة في الجزائر، من خلال التحسيس والتوعية بأهمية هذا القطاع، ومرافقة كل الناشطين في توعية المواطنين والمتعاملين بضرورة تبنّي ثقافة استقبال تليق بالسائح الجزائري والأجنبي، وكذا التحلي بالمسؤولية والالتزام بالمقاييس في تقديم الخدمات، وأكثر من ذلك غرس هذه الثقافة النمطية لدى الناشئة مرورا بالمدارس التربوية، حتى نخلق بيئة مناسبة للاستقطاب السياحي في الجزائر. باعتبارك أستاذا جامعيا أيضا.. كيف يمكن للجامعة أن تساهم في حماية التراث من جهة، ومن جهة أخرى تحويله إلى رافد من روافد السياحة؟ وهل تفكر جمعيتكم في الاشتغال على هذا الجانب؟ يمكن للجامعة أن تنخرط في هذا المسار والنسيج السياحي، من خلال تنظيم ندوات فكرية وملتقيات علمية، يتم فيها التعريف بالإرث الحضاري الجزائر والمعالم السياحية بأنواعها، مع إيفاد متخصّصين إلى الميدان، كالباحثين في التاريخ أو علم الآثار، لتسييج القصور والمعالم التي هي في طيّ النسيان، واسترجاعها خدمة للسياحة، بالإضافة إلى اعتماد وزارة التعليم العالي ودعمها لمخابر البحث التي تنشط بهدف الترويج للسياحة في الجزائر، وإعداد دراسات، مذكرات ورسائل بحث جامعية في هذا الإطار يمكن الاعتماد عليها لترقية القطاع. في رأيك، ما هي أفضل طريقة لحماية التراث في الجنوب الكبير: التحفظ عليه وغلقه أمام السواح والوكالات والجمعيات أم استغلاله وفتح أبوابه أمام الجميع؟ وما هي شروط هذا الانفتاح؟ جنوبنا الكبير يزخر بالكثير من المعالم السياحية التي ذكرناها آنفا، كالواحات والقصور والموائد والجبال الصحراوية، على غرار تلك الموجودة بطاسيلي ناجر وغيرها، إضافة إلى الكهوف والمغارات، والتي ينبغي استغلالها لاستقطاب السياح الأجانب ووفود هذه الوكالات السياحية جزائرية كانت أو أجنبية، وذلك بتوفير الأمن حول هذه المناطق، واعتماد استراتيجية قطاعية واضحة للترويج لها إعلاميا وميدانيا عبر عمل المرشدين، مع تسهيل تنقل السائح لزيارتها ودعم مشاريع الاستثمار السياحي بالقرب منها كبناء المراقد والفناديق والمنتجعات السياحية، بناء البنوك ومراكز البريد لتسهيل التداولات المالية، والاستفادة من الأموال التي تنفق من قِبل السياح لزيارة هذه المعالم. وفي الأخير، أقول إنه قد حان الوقت لخلق الثروة خارج قطاع المحروقات، ولابد أن تكون السياحة في هذا الإطار بديلا بامتياز، طبعا يجب تضافر جهود الجميع لتحقيق نهضة في القطاع، دون أن ننسى دوركم كإعلاميين، مجدّدين شكرنا لكم مرة أخرى على هذه الضيافة، وكل عام والصحافة الجزائرية بخير.