لا يزال مقهى السوماتي بالقليعة يحتفظ ببعده التاريخي والحضاري العريق الذي اكتسبه من خلال جملة من الأحداث والحقب التي ميّزته منذ أكثر من نصف قرن من الزمن، بالرغم من التحولات الاجتماعية العديدة التي طرأت على المنطقة لاسيما منذ فترة العشرية السوداء. أهم ما يميّز مقهى السوماتي القابع بوسط مدينة القليعة غير بعيد عن السوق البلدي والمقرات الادارية، كون شعلة الجمر التي تستغلّ لتحضير الشاي ظلّت شغيلة على مدار نصف قرن من الزمان تقريبا ليلا ونهارا، بحيث أن صاحب المقهى الحاج السوماتي يستغلّها لتحضير الشاي الذي يكثر عليه الطلب بوتيرة متواصلة ودون انقطاع الا لفترات محدودة خلال الليل، الا أنّ تداعيات العشرية السوداء التي أتت على الأخضر واليابس، وقضت كليا أو جزئيا على العديد من التقاليد الشعبية المشهورة ببلادنا حالت دون استمرارية نشاط الشعلة على الدوام، بحيث اضطرّ إبن الحاج السوماتي ابراهيم الذي ورث أباه في تسيير المقهى الى التخلي عن عادة أبيه لأسباب متعددة أفرزتها المرحلة الجديدة، ولكن التقاليد الأخرى المرتبطة بالمعاملات والطاولات المميزّة والكراسي الخشبية بقيت على حالها، محتفظة بذلك على رائحة الحاج السوماتي الذي يشهد بعبقريته في تحضير الشاي بنكهة مميزة وخاصة. وعلى مدار نصف قرن من تسيير الحاج السوماتي للمقهى، ظلّ رواد الفن الشعبي لمنطقة الوسط على غرار الحاج العنقى ودحمان الحراشي والشيخ بورحلة والهاشمي قروابي والفنان رويشد وغيرهم يترددون على المقهى لغرض تبادل الخبرات والتجارب من جهة وتقديم وصلات غنائية للجمهور من جهة أخرى، كما أنّ افتتاح مقهى السوماتي منذ ساعات مبكرة ساهم في جلب العديد من التجار والصناعيين اليه لغرض تناول كؤوس الشاي وأخذ قسط من الراحة، الأمر الذي أفرز عقد عدّة صفقات تجارية بين هؤلاء هناك على فترات متعددة حسب ما علمناه من أخ ابراهيم رابح، والذي لا يزال يتذكّر كيف كانت الوفود تتهافت على المقهى بشكل يحمل في طياته الكثير من معاني الشرف لعائلة السوماتي، التي كسبت بذلك علاقات ومعارف لا تعدّ ولا تحصى على امتداد الجزائر كلها. وفي السياق ذاته، أكّد إبن السوماتي رابح على أنّ العديد من الاطارات العسكرية العاملة بمدرسة أشبال الثورة التي كان مقرها بالقليعة خلال فترة السبعينيات، كانت تتردّد بشكل متواصل على المقهى بحيث أفرز تحول هذه الاطارات الى وجهات أخرى عقب تغيير تخصص المدرسة لذكرياتها المرتبطة بالمقهى كلّما زار القليعيون مختلف ربوع الجزائر التي انتشرت بها تلك الاطارات، وحتى خريجي المدرسة أيضا من أشبال الثورة حينذاك ليتمدّد بذلك البعد الوطني والتاريخي لمقهى السوماتي الشعبي بفعل نكهة الشاي المميزة به والمعاملات الراقبة به أيضا.